(الصفحة 409)
ومن هنا يظهر:
أنّ الإشكال في الاكتفاء بـه من جهـة الإخلال با لوجـه أو با لتمييز ممّا لايرتبط با لمقام ; لأنّ مرجعـه إلى الامتثال الإجما لي يستلزم عدم تحقّق المأمور بـه بتمام قيوده ; لإخلالـه با لوجـه أو التمييز المعتبر فيـه ، فيتوقّف تحقّقـه بأجمعـه على الامتثال التفصيلي ، وقد عرفت أنّ ذلك خارج عن موضوع البحث .
نعم ، في الاكتفاء بـه في مقام الامتثال إشكالان واردان على مورد البحث :
أحدهما:
كون الامتثال الإجما لي لعباً وعبثاً بأمر المولى(1) . ولكنّـه مردود ، مضافاً إلى أنّـه ربّما يكون ذلك لداع عقلائي ، كما إذا كان تحصيل العلم التفصيلي أشقّ عليـه من الاحتياط . إنّما يضرّ ذلك إذا كان لعباً بأمر المولى ، لا في كيفيـة إطاعتـه ، بعد حصول الداعي إليها ; ضرورة أنّ خصوصيات الإطاعـة وكيفياتها إنّما هي بيد المكلّف ، ولايعتبر فيها الداعي الإلهي ، كما هو واضح .
ثانيهما:
أنّ رتبـة الامتثال العلمي الإجما لي متأخّرة عن رتبـة الامتثال العلمي التفصيلي ; لأنّ حقيقـة الإطاعـة عند العقل هو الانبعاث عن بعث المولى ; بحيث يكون الداعي والمحرّك لـه نحو العمل هو تعلّق الأمر بـه ، وانطباق المأمور بـه عليـه ، وهذا المعنى غير متحقّق في الامتثال الإجما لي ; لأنّ الداعي لـه نحو العمل بكلّ واحد من فردي الترديد ليس إلاّ احتمال تعلّق الأمر بـه . نعم ، الانبعاث عن احتمال البعث وإن كان أيضاً نحواً من الطاعـة عند العقل إلاّ أنّ رتبتـه متأخّرة عن الامتثال التفصيلي . هذا ملخّص ما أفاده بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثـه(2) .
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 508.
- 2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 72 ـ 73.
(الصفحة 410)
ويرد عليـه أوّلاً:
أنّ الانبعاث في موارد العلم التفصيلي أيضاً لايكون عن البعث ، لا عن وجوده الواقعي ، وهو واضح ، ولا عن العلم بـه ، بل الانبعاث إنّما يتحقّق بعد العلم با لبعث ، وبما يترتّب على مخا لفتـه من العقوبـة ، وعلى موافقتـه من المثوبـة ، مضافاً إلى أنّ الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعـة هو العقل ، ومن الواضح أنّ المكلّف المنبعث عن مجرّد احتمال البعث أقوى عنده في صدق عنوان المطيع ممّن لاينبعث إلاّ بعد العلم بثبوت البعث .
وثانياً نقول:
إنّ الانبعاث في أطراف العلم الإجما لي إنّما هو عن العلم با لبعث ; ضرورة أنّـه لو لم يكن العلم بـه ـ ولو إجمالاً ـ متحقّقاً لم يتحقّق الانبعاث من كثير من الناس ، الذين لاينبعثون في موارد احتمال البعث أصلاً ، كما لايخفى .
فظهر من ذلك أنّ الامتثال الإجما لي والتفصيلي كليهما في رتبـة واحدة .
ثمّ إنّهم تعرّضوا هنا لبعض المباحث الاُخر ممّا يرتبط بباب الاشتغال ، ونحن نحيلها إلى ذلك الباب ، ونتكلّم فيـه فيما بعد إن شاء اللّـه تعا لى .
هذا تمام الكلام في مباحث القطع .
(الصفحة 411)
المقصد السابع
في أحكام الظنّ
والكلام فيـه يقع في ضمن مقامات:
(الصفحة 412)
(الصفحة 413)المقام الأوّل
في إمكان التعبّد بالظنّ
ولايخفى أنّ عقد هذا المقام في كلام القوم إنّما هو للرّد على ابن قبـة القائل بالاستحا لـة ، مع أنّ دليلـه الأوّل الذي استدلّ بـه يدلّ على أنّ مراده هو نفي الوقوع ; لتمسّكـه بالإجماع(1) ، فراجع .
المراد من «الإمكان» المزبور
وهل المراد بالإمكان هو الإمكان الذاتي في مقابل الامتناع الذاتي ، أو الإمكان الوقوعي الذي يقابل الامتناع الوقوعي ، وهو الذي لايلزم من وجوده محال ؟ الظاهر هو إمكان تقرير الكلام في كليهما ، كما أنّـه يمكن أن يدعي القائل بالاستحا لـة كلاّ منهما ; لأنّـه يجوز أن يدعي أنّ معنى التعبّد على طبق الأمارة هو جعل حكم مماثل لها ، سواء كانت مطابقـة أو مخا لفـة ، وحينئذ يلزم اجتماع الضدّين أو المثلين ، وهما من الممتنعات الذاتيـة بلا إشكال ، ويمكن أن يدعي
- 1 ـ اُنظر فرائد الاُصول 1: 40.