(الصفحة 442)
إذا عرفت ذلك فاعلم:
أنّـه مع الشكّ في حجّيـة أصل أو أمارة يجري استصحاب عدم الحجّيـة الراجع إلى عدم كونـه من الدين ، فيترتّب عليـه أنّـه لو أدخل في الدين يكون تشريعاً وبدعـة ، فيخرج عن موضوع القول بغير علم ; لأنّ المراد با لعلم المأخوذ أعمّ من العلم الوجداني والظنّ الذي قام الدليل على اعتباره ، فإذا ثبت بالاستصحاب عدم كونـه من الدين ، فيصير من جملـة ما علم أنّـه ليس منـه ، فلو ارتكبـه بأن أدخلـه في الدين يعاقب على البدعـة والتشريع والكذب مع المصادفـة ، ولايعاقب على أنّـه قال بغير علم .
نعم ، لو أسند إلى الشارع مضمون الأمارة التي شكّ في حجّيتها ، مع قطع النظر عن استصحاب عدم الحجّيـة يعاقب على القول بغير العلم ، ولايعاقب على البدعـة ; لأنّـه كانت الشبهـة شبهـة مصداقيـة لها ، ولايكون الحكم حجّـة في الشبهات المصداقيـة لموضوعاتها ، كما لايخفى .
فانقدح : أنّ الشكّ في الحجّيـة كما أنّـه موضوع لحرمـة التعبّد والنسبـة إلى الشارع ، كذلك موضوع لاستصحاب عدم الحجّيـة لما يترتّب على عدمها من الأثر ، وهوحرمـة إدخا لـه في الدين بعنوان أنّـه منـه ، كما عرفت .
(الصفحة 443)
المقام الثالث
فيما قيل أو يمكن أن يقال
بخروجـه عن الأصل
وهو يشتمل على اُمور:
(الصفحة 444)
(الصفحة 445)الأمرالأوّل
ظواهر كلمات الشارع
لايخفى أنّ حجّيـة كلام المتكلّم ، والاحتجاج بـه عليـه يتوقّف على طيّ مراحل أربعـة :
أحدها : إثبات صدور الكلام منـه ، والمتكفّل لذلك في الشرعيات هو بحث حجّيـة خبر الواحد الذي سيجيء فيما بعد .
ثانيها : كون الكلام الصادر من المتكلّم لـه ظهور ، وهذا يتوقّف إثباتـه على التبادر وصحّـة السلب وقول اللغويين .
ثا لثها : هو كون هذا الظاهر مراداً لـه بالإرادة الاستعما ليـة .
رابعها : كون تلك الإرادة مطابقـة للإرادة الجدّيـة .
ولاشبهـة في أنّ الأصل العقلائي يحكم في المرحلـة الثا لثـة بكون الظاهر مراداً لـه بالإرادة الاستعما ليـة ; لأنّ احتمال عدم كونـه مراداً منشأه احتمال الغلط والخطأ ، وهو منفي عندهم ، ولايعتنون با لشكّ فيـه ، كما هو بناؤهم في سائر أفعال الفاعلين ، فإنّهم يحملونها على كونها صادرة من فاعلها على نحو العمد والاختيار ، لا الخطأ والاشتباه . فإذا صدر من المتكلّم «أكرم زيداً» مثلاً ، وشكّ في أنّ مقصوده
(الصفحة 446)
هل هو زيد أو كان مقصوده عمراً ، غايـة الأمر أنّـه تكلّم بكلمـة زيد اشتباهاً وخطأً فلاشبهـة في عدم اعتنائهم بهذا الشكّ أصلاً .
وممّا ذكرنا ظهر:
أنّـه ليس في هذه المرحلـة إلاّ أصا لـة عدم الخطأ والاشتباه ، وأمّا أصا لـة الحقيقـة أو أصا لـة عدم التخصيص أو التقييد فلايجدي شيء منها في هذه المرحلـة ; لما حقّقناه سابقاً من أنّ المجاز ليس عبارة عن استعمال اللفظ في غير الموضوع لـه ، كيف وإلاّ لايكون فيـه حسن أصلاً ، بل هو عبارة عن استعمال اللفظ في الموضوع لـه ، غايـة الأمر أنّـه قد ادّعى كون المعنى المجازي من مصاديق المعنى الحقيقي نظير ما ذكره السكّاكي في خصوص الاستعارة(1) ، على تفاوت بينـه وبين ما ذكرنا .
فا للفظ في الاستعمال المجازي لايكون مستعملاً إلاّ في المعنى الحقيقي ، ولا فرق بينــه وبين استعما لـه في معناه الحقيقي ، وإرادتـه منـه من هذه الجهـة أصلاً ، فأصا لـة الحقيقـة غير مجديـة في تعيين المراد الاستعما لي .
وأمّا أصا لـة العموم والإطلاق فقد عرفت في مبحثهما أنّ العامّ المخصّص لايكون مجازاً ، ولم يكن لفظـه مستعملاً في ما عدا مورد التخصيص ، بل كان المراد بالإرادة الاستعما ليـة في العامّ المخصّص وغيره واحداً ، بلا تفاوت من حيثية الاستعمال أصلاً ، وكذا أصا لة الإطلاق ، فهما أيضاً لايرتبطان بهذه المرحلة .
وا لعجب من المحقّق العراقي(قدس سره) أنّـه مع اعترافـه بكون المراد الاستعما لي في العامّ المخصّص والمطلق المقيّد هو العموم والإطلاق(2) ذكر على ما في تقريرات بحثـه : أنّ الذي يرفع الشكّ في مطابقـة الإرادة الاستعما ليـة لظهور
- 1 ـ مفتاح العلوم: 157 ـ 158.
- 2 ـ نهايـة الأفكار 2: 512.