(الصفحة 448)
هو أصا لـة عدم الغلط والخطأ والاشتباه ، والجاري في تعيين المراد الجدّي هو أصا لـة التطابق بين الإرادتين ، ولا إشكال في أنّها أصل معتمد عند العقلاء ، ولا فرق في حجّيـة الظهورات عندهم بين صورتي حصول الظنّ الشخصي با لوفاق وعدمـه ، كما أنّـه لا فرق بين صورتي حصول الظنّ الشخصي با لخلاف وعدمـه ، ولابين من قصد إفهامـه وغيره .
ومن هنا يظهر:
ضعف ما حكي عن المحقّق القمي من التفصيل بين من قصد إفهامـه وغيره(1) ; لأنّ دعواه ممنوعـة صغرى وكبرى ; لأنّ بناء العقلاء على العمل با لظواهر مطلقاً إلاّ فيما إذا اُحرز أن يكون بين المتكلّم والمخاطب طريقـة خاصّـة من ا لمحاورة على خلاف المتعارف ، فإنّه لايجوزا لأخذ بظاهركلامه لغيرا لمخاطب .
هذا ، مضافاً إلى أنّ دعوى اختصاص الخطابات الصادرة عن الأئمّـة (عليهم السلام)بخصوص المخاطبين بتلك الخطابات ، وأنّهم هم المقصودون بالإفهام ، ممنوعـة جدّاً ; ضرورة أنّ كلامهم لايكون إلاّ مثل الكتب المؤلّفـة التي لايكون المقصود منها إلاّ نفي بيان المعاني ، من غير مدخليـة لمخاطب خاصّ ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه لا فرق أيضاً في حجّيـة الظواهر بين ظهور الكتاب وغيره . وما حكي من الأخباريين من عدم حجّيـة ظواهر الكتاب ففساده أظهر من أن يخفى . وقد استدلّوا على ذلك بوجوه ضعيفـة ، منها : مسألـة التحريف الذي قام الإجماع ، بل الضرورة من ا لشيعـة على خلافـه ، ويدلّ على بطلانـه الأخبارا لكثيرة ، ويساعده الوجوه العقليـة أيضاً ، ومنها غير ذلك ممّا ذكر مع جوابها في «ا لرسا لـة» و«ا لكفايـة»(2) ، فراجع .
- 1 ـ قوانين الاُصول 1: 398 / السطر 22.
- 2 ـ فرائد الاُصول 1: 56 ـ 64، كفايـة الاُصول: 323 ـ 329.
(الصفحة 449)الأمر الثاني
قول اللّغوي
واستدلّ على حجّيتـه بأنّ اللغوي من أهل الخبرة والصناعـة ، وبناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة من كلّ صنعـة فيما اختصّ بها ، فإنّ رجوع الجاهل إلى العا لم من الارتكازيات التي لاريب فيها عند العقلاء ، ولم يثبت من الشارع ردع عن هذا البناء ، فمن ذلك يستكشف رضاه با لمراجعـة إلى اللغـة ، وتشخيص موضوعات الأحكام منها ، كما لايخفى .
هذا ، وقد اُجيب عن ذلك بمنع كون اللغوي من أهل الخبرة ; ضرورة أنّ همّـه تشخيص موارد الاستعمال ، وأنّ اللّفظ الفلاني قد استعمل في معنى واحد أو متعدّد ، وأمّا تعيين الحقائق من المجازات والمشتركات من غيرها فلايستفاد من كتب اللغـة أصلاً ، بل ولايدعيـه لغوي أيضاً(1) .
هذا، ولكن لايخفى:
أنّـه لو سلّمنا الصغرى ، وأنّ اللغوي من أهل الخبرة والصناعـة فإثبات الكبرى في غايـة الإشكال ; لما هو واضح من أنّ حجّيـة بناء
(الصفحة 450)
ا لعقلاء في الاُمور الشرعيـة إنّما يتوقّف على إحراز رضا الشارع بتبعيـة ذلك البناء ، ولو كان ذلك مستكشفاً من عدم الردع عنـه ، مع كونـه بمرئى ومسمع منـه .
ومن المعلوم أنّ كاشفيـة عدم الردع عن الرضا إنّما هو فيما لو كان بناء العقلاء على أمر متصلاً بزمان الشارع ، وثابتاً فيـه ، وإثبات ذلك في المقام مشكل ; لعدم إحراز أنّـه كان في زمن الشارع علم مدوّن مورد لمراجعـة الناس ، وكان ذلك بمنظر منهم ، فإنّ الظاهر أنّ علم اللغـة من العلوم المستحدثـة في القرون المتأخّرة عن زمن الشارع ، فليس ذلك كا لبناء على العمل بخبر الواحد واليد وأصا لـة الصحّـة ، بل والتقليد ، فإنّ الظاهر ثبوتـه في زمان الأئمّـة (عليهم السلام) ، كما يظهر من الروايات .
وبالجملـة:
فلم يثبت مراجعـة الناس إلى أهل اللغـة في زمانهم (عليهم السلام) ، حتّى يستكشف من عدم الردع الرضا والإمضاء ، كما لايخفى .
(الصفحة 451)الأمر الثالث
الإجماع المنقول
ولابدّ قبل الخوض في المقصود من البحث في جهات :
الجهـة الأولى: في تعريف الإجماع
إنّ الإجماع عند العامّـة حجّـة بنفسـه في مقابل سائر الأدلّـة ، وقد عرّفوه بتعاريف :
منها:
ما عن الغزا لي : «أنّـه عبارة عن اتفاق اُمّـة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر من الاُمور الدينيـة»(1) .
منها:
ما عن الرازي من تفسيره «بأنّـه اتفاق أهل الحلّ والعقد من اُمّـة محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمر من الاُمور»(2) .
منها:
ما عن الحاجبي من تعريفـه «بأنّـه اتفاق المجتهدين من هذه الاُمّـة
- 1 ـ المستصفى 1: 173.
- 2 ـ المحصول في علم الاُصول 2: 3.
(الصفحة 452)
على أمر من الاُمور»(1) .
والظاهر:
أنّ استنادهم في حجّيـة الإجماع إلى ما رووه عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّـه قال :
«لا تجتمع اُمّتي على الضلالـة أو الخطأ»(2) هذا ، ولايخفى : أنّ ظاهر هذه الروايـة مطابق لتعريف الغزا لي ، ولكن الغزا لي وغيره لمّا رأوا أنّ ذلك ينافي مع ثبوت الخلافـة لأبي بكر ومن بعده من مشايخهم أعرضوا عن هذا التعريف ، مع أنّ تعريفهم أيضاً لايثبت مقصودهم ; ضرورة عدم تحقّق الاتفاق من جميع أهل الحلّ والعقد ، وكذا من جميع المجتهدين ، كما هو واضح .
هذا ، وأمّا الإجماع عند الإماميـة فليس دليلاً مستقلاّ برأسـه ، بل حجّيتـه إنّما هو لكشف ذلك عن رأي المعصوم(عليه السلام) فهو الحجّـة ، والإجماع كاشف عنها ، إمّا من باب اللطف أو الحدس أو غيرهما من الوجوه التي ستجيء ، ولايكون لمجرّد الاتفاق في نظرهم استقلال با لدليليـة ، كما لايخفى .
الجهـة الثانيـة: في عدم شمول أدلّـة حجّيـة الخبر للإجماع
لايخفى أنّ العمدة في باب أدلّـة حجّيـة خبر الواحد هو بناء العقلاء على العمل بـه في اُمورهم وسياسياتهم ، كما سيجيء تحقيقـه ، ومن الواضح أنّ ذلك من الأدلّـة اللّبيـة التي لا إطلاق لها ، وحينئذ فنقول : لا إشكال في ثبوت بنائهم على العمل بخبر الواحد فيما إذا كان المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة بإحدى الحواسّ الخمسـة الغير الغريبـة ، ولايبعد أن يقال بثبوت ذلك أيضاً فيما إذا لم يكن المخبر بـه من الاُمور المحسوسـة ، ولكن يعدّ عند العرف كا لمحسوسات ;
- 1 ـ شرح العضدي 1: 122.
- 2 ـ بحار الأنوار 2: 225 / 3 و 28: 104 / 3.