(الصفحة 457)
عليـه بين أصحابك، فيؤخذ بـه من حكمهما، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليـه لاريب فيـه، وإنّما الاُمور ثلاثـة: أمرٌ بيّن رشده فيتبع، وأمر بيّن غيّـه فيجتنب، وأمر مشكل يردّ حكمـه إلى اللّـه تعالى».
إ لى أن قال قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم . قال :
«ينظر...» ا لحديث(1) ، فإنّ وجوب الأخذ با لخبر المجمع عليـه بين ا لأصحاب ; معلّلاً بأنّ المجمع عليـه لاريب فيـه إنّما يتمّ فيما لو كان الخبر مشهوراً بين الأصحاب ; من حيث الفتوى على طبق مضمونـه ، وإلاّ فمجرّد اشتهاره روايـة ، بأن نقلـه الأكثر في كتب حديثهم ، ولو مع إطراحـه ، وعدم الفتوى على طبق مضمونـه لايوجب أن يكون ممّا لاريب فيـه ، فيجب الأخذ بـه من هذه الجهـة .
ويؤيّده الاستشهاد بحديث التثليث ، فإنّ مجرّد الاشتهار ; من حيث الروايـة لايوجب أن يكون الخبر من أفراد بيّن الرشد . نعم ، ينافي ذلك قولـه في الذيل : «فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم» فإنّ الشهرة الفتوائيـة ممّا لايعقل أن تكون في طرفي المسألـة ، مضافاً إلى أنّ التعبير بقولـه : «قد رواهما الثقات عنكم» يؤيّد أنّ النظر إنّما هو في حيثيـة صحّـة الروايـة ، واشتهاره بين الثقات ، وكذا ينافي ذلك التعبير عن الشهرة بـ «ا لمجمع عليـه» ، فإنّ ذلك يتمّ لو كان المراد بها هي الشهرة في الروايـة الحاصلـة بتدوين الكلّ ، واتفاقهم على روايتـه ، ولاينافيـه تدوين بعضهم للروايـة الغير المشهورة أيضاً ، وأمّا لو كان المراد بها هي الشهرة في الفتوى فلايتمّ هذا التعبير .
- 1 ـ الكافي 1: 67 / 10، وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 1.
(الصفحة 458)
هذا ، ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ المقصود بالإجماع في الروايـة ليس اتفاق الكلّ ، فإنّ جلّ الأصحاب لو ذهبوا إلى أمر ، وأفتوا على طبق روايـة يصحّ عرفاً أن يقال : إنّ هذه الروايـة تكون مجمعاً عليها . وأمّا قولـه : «فإن كان الخبران عنكم مشهورين» فيمكن أن يقال بعدول السائل عن السؤال عن ترجيح أحد الحكمين أو مستندهما على الآخر إلى السؤال عن حكم تعارض الخبرين اللذين رواهما الثقات ، فتأمّل .
هذا ، ولو سلّمنا كون المراد با لشهرة في المقبولـة هي الشهرة ; من حيث الروايـة فلا إشكال في أنّ المراد بقولـه :
«فإنّ المجمع عليـه لاريب فيـه» هي مطلق ما يكون مجمعاً عليـه ، فيكون بمنزلـة كبرى كلّيـة يمكن التمسّك بها في جميع صغرياتـه التي منها الشهرة في الفتوى .
وأمّا ما أفاده في «التقريرات» ممّا ملخّصـه:
أنّ التعليل ليس من العلّـة المنصوصـة ليكون من الكبرى الكلّيـة التي يتعدّى عن موردها ، فإنّ المراد با لمجمع عليـه إن كان هو الإجماع المصطلح فلايعمّ الشهرة الفتوائيـة ، وإن كان المراد منـه المشهور فلايصحّ حمل قولـه :
«ممّا لاريب فيـه» عليـه بقول مطلق ، بل لابدّ أن يكون المراد منـه عدم الريب بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، وهذا يوجب خروج التعليل عن كونـه كبرى كلّيـة ; لأنّـه يعتبر فيها صحّـة التكليف بها ابتداءً ، بلا ضمّ المورد إليها ، والمقام ليس كذلك ; لأنّـه لايصحّ أن يقال : يجب الأخذ بكلّ ما لاريب فيـه بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، وإلاّ لزم الأخذ بكلّ راجح با لنسبـة إلى غيره ، وبأقوى الشهرتين ، وبا لظنّ المطلق ، وغير ذلك من التوا لي الفاسدة ، فا لتعليل أجنبي عن أن يكون كبرى كلّيـة عامّـة(1) .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 154 ـ 155.
(الصفحة 459)
ففيـه:
أنّ عدم الريب المحمول في الروايـة على المجمع عليـه ليس عدم الريب بالإضافـة إلى ما يقابلـه ، بل هو من المعاني النفسيـة التي لاتقبل الإضافـة ، فا لمراد : أنّ كلّ ما يكون عند العرف ممّا لاريب فيـه يجب الأخذ بـه ، وعدم الاعتناء باحتمال خلافـه ، ولايلزم شيء من التوا لي الفاسدة ، كما هو واضح .
(الصفحة 460)الأمر الخامس
خبـر الواحـد
ممّا خرج عن أصا لـة حرمـة التعبّد با لظنّ ، وقام الدليل على حجّيتـه با لخصوص ، خبر الواحد واختلفت أقوال العلماء في حجّيتـه وعدمها .
أدلّـة عدم حجّيـة خبر الواحد
وقد حكي عن السيّد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجّيـة خبر الواحد(1) ، واستدلّ لهم بالآيات الناهيـة عن اتباع غير العلم . وا لتحقيق في الجواب عن هذا الاستدلال : أنّ الآيات الناهيـة بعضها ظاهر في الاُصول الاعتقاديـة ، مثل قولـه تعا لى :
(إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(2) ،
- 1 ـ الذريعـة إلى اُصول الشريعـة 2: 528، المهذّب 2: 598، غنيـة النزوع 2: 356، مجمع البيان 9: 199، السرائر 1: 50.
- 2 ـ النجم (53): 28.
(الصفحة 461)
وبعضها أعمّ منها ، مثل قولـه تعا لى :
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(1) .
أمّا الطائفـة الاُولى فغير مرتبطـة با لمقام ، وأمّا الطائفـة الثانيـة فمضافاً إلى عدم إبائها عن التخصيص بالأدلّـة الآتيـة الدالّـة على اعتبار الخبر يرد عليـه أنّ الاستدلال بها مستلزم لعدم جوازا لاستدلال بـه ، ومايلزم من وجوده العدم لايجوزا لاستدلال بـه .
توضيحـه:
أنّ قولـه :
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، قضيـة حقيقيـة تشمل كلّ ما وجد في الخارج ، وكان مصداقاً لغير العلم ، فيشمل دلالـة نفسها ; لأنّها ليست إلاّ ظنّيـة ; لكونها ظاهرة في الدلالـة على المنع ، والظواهر كلّها ظنّيـة . وبا لجملـة : إذا لم يجز اتباع غير العلم بمقتضى الآيـة لم يجز اتباع ظاهرها ; لكونـه غير علمي ، والفرض شمولها لنفسها ; لكونها قضيـة حقيقيـة .
إن قلت:
لزوم هذا المحذور من شمول الآيـة لنفسها دليل على التخصيص وعدم الشمول .
قلت:
كما يرتفع المحذور بذلك كذلك يرتفع بالالتزام بعدم شمولها لمثل الظواهر ممّا قام الدليل على حجّيتـه ، فتختصّ الآيـة با لظنون التي هي غير حجّـة ، ولا ترجيح للأوّل ، لو لم نقل بترجيح الثاني باعتبار أنّ الغرض منها هو الردع عن اتباع غير العلم ، ولا تصلح للرادعيـة إلاّ بعد كونها مفروضـة الحجّيـة عند المخاطبين ، ولا تكون حجّـة إلاّ بعد ثبوت كون الظواهر حجّـة ومورداً لبناء العقلاء .
فالآيـة لا تشمل ما كان من قبيلها من الظنون ، ومرجع ذلك إلى أنّ تلك الظنون لايكون بنظر العقلاء مصداقاً لما ليس لهم بـه علم ، وإلاّ لكان اللازم عند