(الصفحة 486)
واُمور الناس أصلاً ، وليس ذلك إلاّ لكون المقصود من الآيـة ـ على ما هو المتفاهم منها بنظر العرف ـ هو ما عدا الدليل المعتبر العلمي أو الظنّي ، كما هو واضح .
ثمّ إنّـه أفاد المحقّق الخراساني في هامش «ا لكفايـة» كلاماً حاصلـه : أنّ خبر الثقـة حجّـة ، ولو قيل بسقوط كلّ من السيرة والإطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بين ردعها بـه ، وتقييده بها ، وذلك لأجل استصحاب حجّيتـه الثابتـة قبل نزول الآيتين .
ودعوى أنّـه لا مجال لاحتمال التقييد بها ، فإنّ دليل اعتبارها مغيّى بعدم الردع عنها ، ومعـه لاتكون صا لحـة لتقييد الإطلاق مع صلاحيتـه للردع عنها ، مدفوعـة بأنّ الدليل ليس إلاّ إمضاء الشارع لها ، ورضاه بها المستكشف بعدم ردعـه عنها في زمان مع إمكانـه .
وبا لجملـة : ليس حال السيرة مع الآيات الناهيـة إلاّ كحال الخاصّ المقدّم والعامّ المؤخّر في دوران الأمر بين التخصيص با لخاصّ أو النسخ با لعامّ(1) ، انتهى .
هذا، ولكن يرد عليـه
: ـ مضافاً إلى أنّـه لم يعلم أنّ المتشرّعـة كانوا قبل نزول الآيتين يعملون بخبر الواحد في الاُمور الشرعيـة ، حتّى كان عدم الردع عنها دليلاً على الإمضاء وذلك لكون المسلمين كانوا قليلين غير محتاجين إلى العمل بخبر الواحد ; لانفتاح باب ا لعلم لهم ، وهوا لسؤال عن شخص ا لنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ أنّ الاستصحاب يكون مدرك حجّيتـه خبر الواحد ، فكيف يستدلّ لها بالاستصحاب ، كما لايخفى .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 349، الهامش 1.
(الصفحة 487)
المقصد الثامن
مبحث البراءة
(الصفحة 488)
(الصفحة 489)تمهيد
تقسيم أحوال المكلّف وذكر مجاري الاُصول
اعلم : أنّـه قد جرت عادتهم في أوّل مبحث القطع بتقسيم حالات المكلّف ; من حيث إنّـه قد يحصل لـه القطع با لحكم ، وقد يحصل لـه الظنّ بـه ، وقد يحصل لـه الشكّ فيـه ، ثمّ ذكر مجاري الاُصول ، ولكن لايخلو شيء من التقسيمات وكذا بيان مجاري الاُصول من المناقشـة والإشكال ، ويظهر ذلك بملاحظـة ما سنحقّقـه .
فنقول:
المكلّف إمّا أن يحصل لـه القطع با لحكم الواقعي الفعلي تفصيلاً أو إجمالاً ، وإمّا أن لايحصل لـه ذلك ، وعلى الثاني : إمّا أن يكون قاطعاً بقيام الأمارة المعتبرة على الحكم الواقعي تفصيلاً أو إجمالاً أو لايكون كذلك ، وعلى الثاني : إمّا أن يقوم الحجّـة المعتبرة با لنسبـة إلى الواقع وإمّا أن لايقوم ، بل يكون شاكّاً في الواقع أو ظانّاً بـه من غير قيام أمارة معتبرة ولا حجّـة شرعيـة .
فالأوّل: هو مبحث القطع،
وقد عرفت أنّـه لا فرق فيـه بين القطع التفصيلي والإجما لي أصلاً ، فإنّـه كما يكون القطع التفصيلي با لحكم الواقعي الفعلي حجّـة وموجباً لتنجّزه ، من غير افتقار إلى جعل الحجّيـة لـه ، وكذا لايجوز جعل حكم
(الصفحة 490)
على خلافـه ، كذلك القطع الإجما لي با لحكم الفعلي يكون حجّـة موجباً لتنجّزه ، ولايعقل الترخيص بخلافـه ، فإنّـه لو علم إجمالاً بأنّ قتل النبي المردّد بين جمع كثير مهدور الدم يكون محرّماً با لحرمـة الفعليـة التي لايرضى المولى بـه أصلاً لايجوز لـه ارتكاب قتل واحد من تلك الجماعـة ، وكذا لايجوز الترخيص من المولى ، فإنّـه لايجتمع مع الحرمـة الفعليـة ، كما هو واضح .
وبا لجملـة : فلا فرق في أحكام القطع بين القطع التفصيلي والإجما لي قطعاً ، فلابدّ من إدخا لـه فيـه .
والثاني: هو مبحث الظنّ،
وقد عرفت أنّـه لافرق فيـه أيضاً بين أن يعلم تفصيلاً بقيام الأمارة المعتبرة ، وبين أن يعلم إجمالاً بقيامها . والقسم الثاني هو مبحث الاشتغال المعروف بينهم ، الذي يذكرونـه عقيب مبحث البراءة ، فإنّ الظاهر أنّ المراد منـه هو العلم الإجما لي بقيام الأمارة على التكليف من إطلاق دليل أو غيره ; لما عرفت من أنّـه لا مجال لتوهّم الإشكال في حجّيـة العلم الإجما لي المتعلّق با لتكليف الفعلي ، وكونـه منجّزاً ; بحيث لايجوز الترخيص بخلافـه . وحينئذ فيكون مبحث الاشتغال من مباحث الظنّ .
والثالث: هو مبحث الاستصحاب;
لأنّـه حجّـة على الواقع ، وإن لم يكن أمارة عليـه .
والرابع: هو مبحث البراءة،
ومن هنا ظهر : أنّ الوضع الطبيعي يقتضي تأخير مبحث البراءة عن جميع المباحث ، وكذا إدراج البحث عن الاشتغال في مباحث الظنّ . نعم ، للاشتغال حظّ من مبحث الاستصحاب ، وهو ما لو كان المستصحب المعلوم مردّداً بين شيئين أو أشياء ، كما لايخفى .
إذا عرفت ذلك فاعلم:
أنّـه لا إشكال في تقدّم القطع بقسميـه على غيره من