(الصفحة 65)
واعترض عليـه المحقّق الخراساني في الكفايـة بما حاصلـه : أنّ وجوب الأقلّ على كلّ تقدير يتوقّف على تنجّز التكليف على كلّ تقدير ، سواء كان متعلّقاً بالأقلّ أو بالأكثر ، فإنّـه لو لم يتنجّز التكليف بالأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، لم يجب الإتيان بالأقلّ أيضاً ; لأنّ وجوبـه إنّما يكون بتبع وجوب الأكثر ، كما هو واضح ، فلو لم يكن الأمر المتعلّق بـه منجّزاً ، لم يلزم الإتيان بالأقلّ أيضاً ، فوجوب الإتيان بـه على كلّ تقدير يتوقّف على وجوب الإتيان بالأكثر على كلّ تقدير ، فيلزم من وجوب الأقلّ على كلّ تقدير عدم وجوبـه على كلّ تقدير ، وما يلزم من وجوبـه عدمـه محال(1) .
وأورد عليـه المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ بما حاصلـه : أنّ ذلك مبنيّ على أن يكون وجوب الأقلّ مقدّميّاً على تقدير تعلّق التكليف بالأكثر ، فيستقيم حينئذ ما أفاده من عدم الانحلال .
ألا ترى أ نّـه لو علم إجمالاً بوجوب نصب السلّم أو الصعود على السطح وتردّد وجوب الأوّل بين كونـه نفسيّاً أو غيريّاً متولّداً من وجوب الثاني ، فا لعلم التفصيلي بوجوب نصب السلّم لايوجب انحلال العلم الإجما لي بوجوب النصب أو الصعود ، فإنّ العلم التفصيلي بوجوبـه يتوقّف على وجوب الصعود على السطح ; إذ مع عدم الوجوب ـ كما هو لازم الانحلال ـ لايعلم تفصيلاً بوجوب النصب ; لاحتمال أن يكون وجوبـه غيريّاً متولّداً من وجوب الصعود ، وذلك كلّـه واضح ، إلاّ أنّ المقام ليس من هذا القبيل ; لما عرفت من أنّ وجوب الأقلّ على تقدير تولّده من وجوب الأكثر لايكون غيريّاً ، فإنّ الأجزاء إنّما تجب بعين وجوب الكلّ ، ولايمكن أن يجتمع في الأجزاء كلٌّ من الوجوب النفسي والغيري ، فحينئذ
(الصفحة 66)
لايكون وجوب الأقلّ على كلّ تقدير متوقّفاً على وجوب الأكثر على تقدير تعلّقـه بـه ، فلايكون العلم بوجوبـه على كلّ تقدير متوقّفاً على شيء آخر ، فهو واجب با لوجوب النفسي على كلّ تقدير ، كما هو واضح(1) . انتهى ملخّص ما أفاده من ا لإيراد الأوّل على الكفايـة .
وأنت خبير بأنّ لازم ما ذكره هناك من تسليم عدم الانحلال فيما لو كان وجوب الأقلّ غيريّاً ، لا كالأجزاء : عدم جريان البراءة في الصورة الاُولى من المقام با لنسبـة إلى تقييد الصلاة با لوضوء ; لأنّـه يعلم إجمالاً بوجوبها إمّا مطلقاً أو مشروطاً با لوضوء ، والمفروض عدم انحلال العلم الإجما لي هنا ; لأنّـه لاشكّ في أنّ وجوب الوضوء على تقدير كونـه قيداً للصلاة يكون غيريّاً ، وليس كالأجزاء ، فمقتضى ما ذكره في مبحث الأقلّ والأكثر عدم جريان البراءة با لنسبـة إلى تقييد الصلاة بـه كما اختاره هنا .
ثمّ إنّـه لو قلنا بجريان البراءة بالإضافـة إلى هذا التقييد ، فلايكون الإتيان با لوضوء لازماً عند العقل ; لأنّ وجوبـه متردّد بين الوجوب الذي يستحقّ العقوبـة على تركـه وبين ا لوجوب الغيري الذي لايكون كذلك ، والمفروض عدم حجّـة للمولى با لنسبـة إلى العقاب ، فلايحكم العقل بلزوم إتيانـه أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه با لنسبـة إلى الصورة الاُولى .
وأمّا الصورة الثانيـة:
فالأمر كما ذكره(قدس سره) .
وأمّا الصورة الثالثـة:
فيرد عليها أ نّـه كيف يمكن اجتماع العلم بوجوب الوضوء على كلّ تقدير مع الشكّ في وجوب الصلاة ؟ ! لما ذكره المحقّق
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 156 ـ 157.
(الصفحة 67)
ا لخراساني اعتراضاً على الشيخ ، وقد عرفت أ نّـه(قدس سره) قد سلّم الاعتراض في أمثال المقام ممّا يكون الوجوب غيريّاً ، لا كالأجزاء ، فا لواجب في هذه الصورة ا لإتيان با لصلاة والوضوء معاً .
تنبيهات
التنبيـه الأوّل: في كيفيّـة الثواب والعقاب الاُخروي
بقي في المقام شيء ، وهو : أ نّـه هل يترتّب العقاب والثواب على فعل الواجب الغيري وتركـه بعد الفراغ عن استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب النفسي وتركـه ؟ وإلاّ فالأمرفيـه أيضاً مورد إشكال ، وينبغي بيان ا لحال فيـه على نحوا لاختصار .
فنقول:
لو كان الثواب عبارةً عن الصور البهيّـة التي تتمثّل الأعمال الحسنـة بتلك الصور ، وتصير النفس بها مستعدّةً للكمالات ، والعقاب عبارة عن الصور الموحشـة التي تتمثّل الأعمال القبيحـة بتلك الصور الملازمـة للنفس المبتلى بها ويكون لها مدخليـة في انحطاط النفس ونقصانها ، كما يقول بـه الأعاظم من الفلاسفـة(1) ، فلا إشكال في أ نّهما من لوازم العمل بحيث يمتنع ا لانفكاك عنـه ; لأنّهما من الآثار الوضعيـة للأعمال الحسنـة والقبيحـة ، ولايعقل الانفكاك بينهما وبين تلك ا لصور ، وحينئذ فلايصحّ التعبير بالاستحقاق بعدما عرفت من استحا لـة الانفكاك ، كما لايخفى لو كان الثواب عبارة عمّا تدلّ عليـه ظواهر
- 1 ـ مجموعـة مصنّفات شيخ الإشراق 2: 229 ـ 235، الحكمـة المتعاليـة 9: 4 ـ 5
و293 ـ 296.
(الصفحة 68)
ا لآيات والأخبار ، ولكن قلنا بكونـه جعلياً بمعنى أ نّـه قد جعل للعمل الفلاني مقدار مخصوص من الأجر والثواب ، وللعمل الآخر مقدار كذلك من العقوبـة ، فلا إشكال في صحّـة التعبير بالاستحقاق ، ولكنّـه لايخفى أنّ ذلك إنّما هو با لمقدار الذي دلّ الدليل عليـه وقامت الحجّـة من قِبَل المولى على ذلك المقدار ، كما لايخفى .
وأمّا لو لم نقل بجعليـة الثواب والعقاب ، فلا وجـه للقول بالاستحقاق أصلاً ، فإنّـه كيف يمكن أن يستحقّ العبد ـ الذي يكون مملوكاً لمولاه بجميع جهاتـه خصوصاً إذا أعطاه من النعم الظاهريـة والباطنيـة ما لايحصى ـ على مولاه شيئاً في مقابل عملـه القليل الذي لايقابل بعض تلك النعم فضلاً عن جميعها ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه في الواجبات النفسيـة .
في استحقاق الثواب على الواجب الغيري
وأمّا الواجبات الغيريـة : فإن قلنا بأنّ الثواب عبارة عمّا يظهر من بعض الفلاسفـة ، فثبوتـه في الواجبات الغيريـة وعدمـه لايكون لـه كثير ارتباط بالاُصول ; لأنّـه من العلم بالأشياء وحقائقها ولوازمها ، كما لايخفى ، كما أ نّـه لو قلنا با لوجـه الثاني ، فا للازم مراجعـة الأدلّـة حتّى يظهر أ نّـه هل يكون الثواب على فعلها مجعولاً ؟ كما ورد في بعض المقدّمات ، مثل : ما ورد في الذهاب إلى زيارة قبر الحسين عليـه الصلاة والسلام من أ نّـه لكلّ قدم كذا وكذا من الثواب(1) .
- 1 ـ ثواب الأعمال: 116 / 31، وسائل الشيعـة 14: 439، كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبـه، الباب 41، الحديث 1.
(الصفحة 69)
وأمّا بناءً على الوجـه الأخير : فلايخفى أ نّـه لو قلنا بثبوتـه في الواجبات النفسيـة ولكن لا نسلّم ترتّبـه على الواجبات الغيريـة ; لأنّـه لا إشكال في أنّ الثواب والعقاب إنّما يترتّبان على الإطاعـة والمعصيـة ، والامتثال والمخا لفـة ، والأمر الغيري بعيد منهما بمراحل ; لأنّـه لايصلح للتحريك والداعويـة أصلاً ، فإنّ المكلّف إمّا أن يريد امتثال الأمر المتعلّق بذي المقدّمـة بمعنى أ نّـه صار داعياً لـه ومحرّكاً إلى الإتيان بها ، وإمّا أن لايريد الامتثال أصلاً .
فعلى الأوّل يأتي با لمقدّمـة بعدما رأى توقّف الإتيان بذي المقدّمـة عليها ، ولو لم يكن الأمر الغيري متعلّقاً بها أصلاً ، فالإتيان با لمقدّمـة في هذه الصورة ليس لإطاعـة الأمر الغيري وتحريكـه المكلّف إلى متعلّقـه ، بل الإتيان بـه لتوقّف المطلوب النفسي عليـه .
وعلى الثاني لايكون الأمر النفسي با لنسبـة إليـه داعياً فضلاً عن الأمر الغيري .
وبا لجملـة فوجود الأمر الغيري وعدمـه متساويان في الصورتين ، فلايكون لـه إطاعـة حتّى يترتّب على فعلـه الثواب وعلى تركـه العقاب ، كما هو واضح .
وتوهّم:
وجود الفرق بنظر العقل بين العبد الذي يأتي بمقدّمات العمل ثمّ يعرضـه بعض الموانع عن الإتيان بذي المقدّمـة ـ كا لموت أو النسيان أو غيرهما من الموانع ـ وبين العبد الذي لايأتي بمقدّمـة أصلاً ثمّ يعرض لـه بعض تلك الموانع ويمنعـه عن الإتيان با لمقدّمـة وذيها معاً(1) .
يدفعـه
أنّ ثبوت الفرق وإن كان بديهيّاً إلاّ أ نّـه لايوجب الفرق في المقام ، فإنّ كلامنا إنّما هو في استحقاق الثواب والعقاب على فعل الواجب الغيري وتركـه