(الصفحة 75)
وما ذكره العراقي(قدس سره)
في دفع محذور الدور:
من كلامـه المتقدّم(1) وإن كان يكفي في دفع ذلك المحذور إلاّ أ نّـه لايرتفع بـه ما هي العمدة في ا لمقام من الإشكال ، وهو أ نّـه كيف يمكن أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديـة متعلّقـه ؟ ! كما لايخفى ، كما أ نّـه بما ذكرنا يرتفع سائر المحذورات ، فإنّك قد عرفت أنّ عباديـة التيمّم ليس لأجل تعلّق الأمر النفسي الاستحبابي بـه حتّى يقال بأ نّهم لايقولون بـه ، وكذلك لايبقى مجال للإشكال باستحا لـة اجتماع الأمر الغيري مع الأمر النفسي على شيء واحد ، فإنّـه قد ظهر بما ذكرنا أنّ المأمور بـه بالأمر الأوّل هو ما يكون متعلّقاً للأمر الثاني بوصف كونـه كذلك ، وبعبارة اُخرى : العبادة المستحبّـة جُعلت مقدّمةً ومتعلّقةً للأمر الغيري ، نظير ما إذا نذر الإتيان بصلاة الليل مثلاً ، فإنّ الوفاء با لنذر وإن كان واجباً إلاّ أ نّـه لاينافي استحباب صلاة الليل ولايخرجها عنـه إلى الوجوب ، بل يجب عليـه الإتيان بها بما أ نّها مستحبّـة ، كما لايخفى .
وأمّا كفايـة الإتيان با لطهارات بداعي الأمر الغيري المتعلّق بها فقد عرفت ما فيـه من أ نّـه لو كان المراد كفايـة الإتيان بها للصلاة ، فلا نسلّم صحّتها وكون الإجماع منعقداً عليها ; لما عرفت من الفرق عند المتشرّعـة في مقام الإتيان بها أو بسائر المقدّمات غير العباديـة .
ثمّ إنّ ما يظهر من بعض:
من تصحيح عباديـة الطهارات الثلاث مع قطع النظر عن تعلّق الأمر الغيري بها بأنّ الأمر المتعلّق با لصلاة ، كما أ نّـه يدعو إلى متعلّقها كذلك لـه نحو داعويـة إلى مقدّماتها ، فعباديـة الطهارات إنّما هو لاعتبار الإتيان بها بتلك الداعويـة ، لا كما ذكره النائيني(قدس سره) من انبساط الأمر النفسي على
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 379.
(الصفحة 76)
ا لمقدّمات أيضاً حتّى تكون عباديتها لأجل تعلّق الأمر النفسي الضمني بذواتها(1) ، بل نقول : إنّ متعلّق الأمر النفسي هي نفس الصلاة ، ولكن لايخلو من الداعويـة إلى المقدّمات أيضاً .
وا لفرق بين الطهارات وغيرها من المقدّمات أنّ المعتبر في صحّتها الإتيان بها بتلك الداعويـة ، بخلاف سائر المقدّمات ، فإنّـه لايعتبر في صحّتها هذا المعنى .
نعم لو أتى بها أيضاً بذلك الداعي تصير عبادةً ، ويترتّب عليـه الثواب ، كما هو الشأن في جميع الواجبات التوصّليّـة .
فجوابـه أظهر من أن يخفى،
فإنّـه كيف يمكن أن يكون الأمر المتعلّق با لصلاة داعياً إلى مقدّماتها مع ما ثبت من أنّ الأمر لايدعو إلاّ إلى متعلّقـه ، والمفروض عدم كون المقدّمات متعلّقةً للأمر المتعلّق بذيها ، كما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره) ودخول التقيّدات في متعلّق الأمر النفسي لايستلزم كون القيود أيضاً كذلك ، وحينئذ فلا وجـه لكون الأمر بذي المقدّمـة داعياً إليها أصلاً ، كما هو أظهر من أن يخفى .
فا لتحقيق في عباديـة الطهارات الثلاث ما ذكرناه لك ، وعليـه فكلّما توضّأ مثلاً بداعي الأمر الاستحبابي المتعلّق بـه سواء كان متعلّقاً للأمر الغيري أيضاً ـ كما إذا توضّأ بعد دخول الوقت ـ أو لم يكن ـ كما إذا توضّأ قبل دخولـه يكون وضوؤه صحيحاً يجوز الإتيان بجميع الغايات المشروطـة بها ، كما أ نّـه لو توضّأ بداعي الأمر الغيري فقط من دون التوجّـه إلى عباديتـه يكون فاسداً مطلقاً قبل الوقت وبعده .
ثمّ إنّـه قد اُجيب عن إشكال الطهارات الثلاث وأ نّها كيف تكون عبادةً مع
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 228.
(الصفحة 77)
كونها متعلّقةً للأمر الغيري بوجوه شتّى بعضها يرجع إلى ما ذكرناه بنحو من التصرّف والتأويل ، وبعضها الآخر يظهر بطلانها ممّا ذكرنا في هذا المقام ، وعليك با لتأمّل التامّ في كلمات الأعلام ليظهر لك الصحيح عن سقيم المرام ، فإنّ المقام من مزالّ الأقدام ، فتأمّل جيّداً .
الأمر السابع
ما هو الواجب في باب المقدّمـة؟
هل الواجب في باب المقدّمـة بناءً على ثبوت الملازمـة هو ذات المقدّمـة بلا مدخليـة شيء آخر ، أو المقدّمـة بشرط إرادة المكلّف لذيها عند إتيانها ، كما ربّما ينسب إلى صاحب المعا لم(قدس سره)(1) ، أو بشرط قصد التوصّل بها إليـه لا مطلقاً ، سواء ترتّب عليـه ذو المقدّمـة في الخارج أم لم يترتّب ، كما ربّما نسب ذلك إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(2) ، أو بشرط إيصا لها إلى ذي المقدّمـة وترتّبـه عليها في ا لخارج بحيث إذا ترتّب عليها يكشف عن وقوعها على صفـة الوجوب ، كما ذهب إليـه صاحب الفصول(3) ؟ وجوه وأقوال ، ولابدّ من النظر في كلّ واحد منها ليظهر صحّتـه أو سقمـه .
حول ما نسب إلى صاحب المعالم
فنقول : ربّما يورد على صاحب المعا لم :
أوّلاً:
بأنّ وجوب المقدّمـة تبع لوجوب ذيها من حيث الإطلاق أو
- 1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 142.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 143، مطارح الأنظار: 72 / السطر 9.
- 3 ـ الفصول الغرويّـة: 81 / السطر 4.
(الصفحة 78)
ا لاشتراط ، فكيف يمكن أن يكون وجوب ذي المقدّمـة مطلقاً غير مشروط بإرادتـه ووجوب المقدّمـة مشروطاً بإرادتـه .
وثانياً:
باستحا لـة أن يكون البعث المتعلّق بشيء مشروطاً بإرادة ذلك الشيء ; إذ مع تحقّق الإرادة يكون الإتيان با لفعل مسبّباً عنها لا عن البعث ، ومع عدم تحقّقها يكون المفروض عدم ثبوتـه بعد كونـه مشروطاً بالإرادة .
ودعوى:
أنّ البعث هنا مشروط بإرادة ذي المقدّمـة لابإرادة متعلّقـه الذي عبارة عنها .
مدفوعـة:
باستحا لـة انفكاك إرادة ذي المقدّمـة عن الإرادة المتعلّقـة بها فمع كونـه مشروطاً بها يلزم اللغويـة أيضاً بعد عدم انفكاكها عنها ، كما لايخفى(1) .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ عبارة المعا لم(2) لا تفيد شرطيـة الإرادة أصلاً ، بل مفادها هو ثبوت الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها ، فلايكون الوجوب مشروطاً بإرادتـه ، بل إنّما هو ثابت في حا لها على نحو القضيّـة الحينيـة لا المشروطـة ، فلايرد عليـه الإشكالان المذكوران .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الإيراد الثاني فاسد ولو قلنا بذلك ; لأنّ كون البعث مشروطاً بإرادة ما يترشّح منـه الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة بحيث تكون في مرتبـة متأخّرة عنها استحا لتـه غير واضح ; لأنّ البعث إنّما يقع في المرتبـة المتقدّمـة على إرادة متعلّقـه ، وهذا غير معلوم الاستحا لـة .
مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد لايختصّ بخصوص هذا القول ، بل يرد على جميع القائلين بثبوت الملازمـة ، كما لايخفى .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 5.
- 2 ـ معالم الدين: 74 / السطر 3.
(الصفحة 79)تحقيق فيما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)
ثمّ إنّ ما نسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره) من أنّ الملازمـة إنّما هي بين ذي المقدّمـة وبين المقدّمـة التي قصد بها التوصّل إليـه بحيث يكون هذا القول في عرض سائر الأقوال في باب المقدّمـة ليست النسبـة إليـه في محلّـه ، فإنّ منشأ النسبـة إنّما هو ملاحظـة التقريرات المنسوبـة إليـه ، ونحن بعد ملاحظـة هذا المقام منها صدراً وذيلاً لم نعرف وجهاً لهذه النسبـة أصلاً ; فإنّ المقرّر بعد حكايـة عبارة المعا لم والإشكال فيها با لوجهين المتقدّمين شرع في أ نّـه هل يعتبر في امتثال الأمر الغيري قصد التوصّل بها إلى ذيها أم لا ، واختار الأوّل .
ثمّ ذكر في تحقيقـه أنّ الأمر الغيري لايستلزم امتثالاً أصلاً ، بل المقصود منـه مجرّد التوصّل بـه إلى الغير ، وقضيّـة ذلك هو قيام الواجب مقامـه وإن لم يكن المقصود منـه التوصّل بـه إلى الواجب ، كما إذا أمر المولى عبده بشراء اللحم من السوق ، الموقوف على تحصيل الثمن ، ولكنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء اللحم ، بل لغرض آخر ، ثمّ بدا لـه الامتثال بأمر المولى ، فيكفي لـه في مقام المقدّميـة الثمن المذكور من غير إشكال ، إنّما الإشكال في المقدّمات العباديـة التي يجب وقوعها على قصد القربـة ، فهل يصحّ في وقوعها على جهـة الوجوب أن لايكون الآتي بها قاصداً للإتيان بذيها أم يعتبر ؟
ثمّ فرّع عليـه بعض الفروعات ، وذكر أ نّـه قد نسب إلى المشهور عدم الاعتبار .
ثمّ استند إلى ما يقرّب مرادهم ، ثمّ استشكل عليـه بأنّ الإنصاف فساد ذلك الوجـه ; لأنّ النزاع إنّما هو فيما إذا اُريد الامتثال با لمقدّمـة ، وذكر أ نّـه لا إشكال