(الصفحة 85)
أمّا الاختصاص بالاُولى : فلأنّـه لايعقل ترتّب الممكن على غير علّتـه التامّـة ووجوده بدونها .
وأمّا الاختصاص با لثانيـة ـ مع أنّ وجود كلّ ممكن بدون علّتـه التامّـة مستحيل ـ أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياري من أجزاء العلّـة التامّـة ، وهي لا تكاد تتّصف با لوجوب ; لعدم كونها من الاُمور الاختياريـة ، وإلاّ لتسلسل .
وبا لجملـة ، فالإيصال إنّما هو في خصوص الواجبات التوليديـة ، وأمّا في غيرها فمع اجتماع جميع الأجزاء يمكن أن لايقع لتوسّط الإرادة والاختيار ، كما هو واضح(1) .
وا لجواب : أنّ مراده(قدس سره) بالإيصال ليس ما يترتّب عليـه ذوا لمقدّمـة قهراً حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل مراده منـه هو ترتّب الفعل عليـه ولو بواسطـة أو وسائط بمعنى أنّ مطلق المقدّمـة لايتعلّق بـه الوجوب ، بل با لمقدّمـة التي يتعقّبها الإتيان بذي المقدّمـة ، سواء كانت علّةً تامّة لحصولـه قهراً أم لم تكن .
هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الإرادة من الاُمور الاختياريـة التي يمكن أن يتعلّق بها الطلب والبعث ، كيف ولو قلنا باستحا لـة تعلّق الطلب بها ، فلا تكون متعلّقةً للأمر الغيري حتّى بناء على وجوب مطلق المقدّمة ، فمن أين يلزم الإرادة التي هي من أجزاء العلّـة التامّـة ، كما هو واضح .
منها:
ما اُورد عليـه في الكفايـة أيضاً ، وحاصلـه أ نّـه لو كان معتبراً فيـه الترتّب ، لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيان بها من دون انتظار لترتّب الواجب عليها مع أنّ الطلب لايكاد يسقط إلاّ با لموافقـة أو با لمخا لفـة أو بارتفاع موضوع
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 145 ـ 146.
(الصفحة 86)
ا لتكليف ، ولايكون الإتيان با لمقدّمـة با لضرورة من هذه الاُمور غير الموافقـة(1) .
وا لجواب : أ نّا نمنع السقوط بمجرّد الإتيان بذات المقدّمـة ; لأنّ القائل يقول بأنّ سقوطـه متوقّف على ضميمـة قيده إليـه ، فلايسقط إلاّ بعد الإتيان بذي المقدّمـة ، كما أنّ الأمر با لصلاة لايسقط إلاّ مع الإتيان بجزئـه الأخير أيضاً ، وهذا واضح لا إشكال فيـه .
فانقدح من جميع ما ذُكر أ نّـه لايلزم محال من الأخذ بأحد الأقوال الثلاثـة الواقعـة في مقابل القول بوجوب مطلق المقدّمـة في مقام الثبوت بناء على أن يكون القيد الزائد دخيلاً في متعلّق الوجوب ، لا أن يكون شرطاً لـه ، كما عرفت .
ما أفاده المحقّق الحائري والعراقي في المقام
ثمّ إنّـه لو سلّمنا استلزام كلام الفصول للمحاذير المتقدّمـة ، فلايدفعها ما ذكره بعض من الأعاظم في تقريب كلامـه وتوجيـه مرامـه بحيث لايورد عليـه بشيء حيث قال(قدس سره) في كتابـه المسمّى با لدّرر ما ملخّصـه : أنّ الطلب متعلّق با لمقدّمات في لحاظ الإيصال لا مقيداً بـه بمعنى أنّ الآمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها يريدها بذواتها ، لأنّها بتلك الملاحظـة لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي ، ولو لاحظ مقدّمـة منفكّـة عمّا عداها ، لايريدها جزماً ; لأنّ مطلوبيتها إنّما هو في ظرف ملاحظـة باقي المقدّمات معها ، فالإرادة لا تتعلّق بها بنحو الإطلاق حتّى تشمل حال انفكاكها عن باقي المقدّمات .
ثمّ قال : وهذا الذي ذكرنا مساوق للوجدان ، ولايرد عليـه ما ورد على
(الصفحة 87)
ا لقول باعتبار الإيصال قيداً وإن اتّحد معـه في الأثر(1) .
ونظير هذا ما يظهر من التقريرات المنسوبـة إلى العراقي(قدس سره)
حيث قال المقرّر ما ملخّصـه : إنّ الواجب ليس مطلق المقدّمـة ولا خصوص المقدّمـة المقيّدة بالإيصال ، بل الواجب هو المقدّمـة في ظرف الإيصال على نحو القضيـة الحينيـة ، وبعبارة اُخرى : الواجب هي الحصّـة التوأمـة مع سائر المقدّمات الملازم لوجود ذيها .
وتوضيحـه أن يقال:
حيث إنّ الغرض من وجوب المقدّمـة ليس إلاّ التوصّل إلى ذي المقدّمـة ، ومن الواضح أنّ هذا إنّما يترتّب على مجموع المقدّمات ، لا كلّ واحد على سبيل الاستقلال وإن كان كلّ واحد منها يتوقّف عليـه المطلوب الأصلي إلاّ أنّ المحبوبيـة إنّما يتعلّق بـه مع انضمامـه إلى سائر المقدّمات ، ونتيجـة ذلك هو تعلّق أمر غيري واحد بمجموع المقدّمات بحيث ينبسط على كلّ واحد منها كانبساط الوجوب في الواجب النفسي على أجزائـه ، وكما أنّ متعلّق الأمر النفسي الضمني في الواجبات النفسيـة إنّما هو كلّ واحد من الأجزاء لا مطلقاً ولا مقيّداً بانضمام سائر الأجزاء إليـه ، بل الحصّـة المقارنـة لباقي الأجزاء ، فكذلك الأمر هنا بلا تفاوت(2) . انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه .
ولكن لايخفى أنّ المحذورات المتقدّمـة لو سلّم لا تدفع بما ذكره المحقّقان المتقدّمان ; لأنّ لحاظ الإيصال إمّا أن يكون دخيلاً في المطلوب ويوجب تضييقاً با لنسبـة إليـه ، فهذا بعينـه ما ذكره صاحب الفصول ، وإمّا أن لايكون كذلك ، فهذا
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 119.
- 2 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 389 / السطر 10.
(الصفحة 88)
بعينـه القول بوجوب مطلق المقدّمـة ، وأخذه على نحو القضيـة الحينيـة لايزيد على أخذه مطلقاً ; لأنّ معناها هو أنّ ترتّب الحكم على الموضوع لايقيّد بوقت دون وقت ، وذكر الحين إنّما هو لتعريف الموضوع والإشارة إليـه من دون مدخليـة لـه في ترتّب الحكم أصلاً ، مثل أن يقال : كلّ من كان في الدار فهو عا لم مثلاً ، فإنّ الكون في الدار إنّما اُخذ عنواناً مشيراً إلى الموضوع ومعرّفاً لـه لا لكونـه دخيلاً في ثبوت المحمول .
ومن هنا يظهر بطلان ما تقدّم من التقريرات ، مضافاً إلى أ نّـه كيف يمكن الجمع بين أخذ الإيصال بنحو القضيـة الحينيـة التي عرفت عدم الفرق بينها وبين القضيّـة المطلقـة من حيث إطلاق الموضوع أصلاً وبين كون متعلّق الأمر الغيري هي الحصّـة المقارنـة لباقي المقدّمات الملازم لوجود ذيها مع أنّ الطبيعـة المطلقـة لا تصير حصّةً إلاّ بانضمام بعض القيودات إليها ، كما هو أظهر من أن يخفى .
وغايـة ما يمكن أن يقال في تقريب كلام الفصول أن يقال : حيث إنّ الغرض من وجوب المقدّمـة وغايتـه ليس إلاّ التوصّل إلى المطلوب الأصلي ففي متعلّقـه نحو من التضيّق من ناحيـة علّتـه الغائيـة لا أن يكون مقيّداً بـه ولا أن يكون مطلقاً با لنسبـة إليـه ، كما هو الشأن في سائر الأشياء با لنسبـة إلى العلل الغائيـة لها ولكن لايخفى أنّ هذا يرجع إلى التقييد لما سنذكره من أنّ جميع الحيثيات التعليليـة ترجع إلى الجهات التقييديـة ، فانتظر .
وانقدح من جميع ما ذكرنا أ نّـه لو قلنا باستلزام كلام الفصول للمحذورات المتقدّمـة من الدور والتسلسل وغيرهما لما يجديـه التوجيـه بما ذكر أصلاً .
هذا ، ولكن قد عرفت أنّ شيئاً من الإيرادات غير وارد عليـه أصلاً .
هذا كلّـه في مقام الثبوت .
(الصفحة 89)في الدليل العقلي على المقدّمـة الموصلـة
وأمّا مقام الإثبات : فقد استدلّ صاحب الفصول بوجوه أسدّها وأمتنها هو الوجـه الأخير .
قال في بيانـه:
حيث إنّ المطلوب با لمقدّمـة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب وحصولـه ، فلا جرم يكون التوصّل بها إليـه وحصولـه معتبراً في مطلوبيتها ، فلا تكون مطلوبةً إذا انفكّت عنـه ، وصريح الوجدان قاض بأنّ مَنْ يريد شيئاً لمجرّد حصول شيء آخر لايريده إذا وقع مجرّداً عنـه ، ويلزم منـه أن يكون وقوعـه على وجـه المطلوب منوطاً بحصولـه(1) .
وأجاب عنـه في الكفايـة أوّلاً:
بمنع كون المطلوب با لمقدّمـة التوصّل بها إلى الواجب ، بل مطلوبيتها لأجل عدم التمكّن من التوصّل بدونها ، كيف ولايكون التوصّل من آثارها إلاّ في بعض المقدّمات .
وثانياً:
بأ نّـه لو سلّم كون المطلوب با لمقدّمـة ذلك ولكن لا نسلّم مدخليّـة الغايـة في مطلوبيّـة ذيها ; لأنّ صريح الوجدان يقضي بأنّ ما اُريد لأجل غايـة وتجرّد عنها بسبب عدم حصول بعض ما لَـه دخل في تحقّقها يقع على ما هو عليـه من المطلوبيـة الغيريـة ، كيف وإلاّ يلزم أن يكون وجودها من قيوده ومقدّمـة لوقوعـه على نحو تكون الملازمـة بين وجوبـه بذاك النحو ووجوبها .
وهو كما ترى ، ضرورة أنّ الغايـة لا تكون قيداً لذي الغايـة بحيث كان تخلّفها موجباً لعدم وقوع ذي الغايـة على ما هو عليـه من المطلوبيـة الغيريـة ، وإلاّ يلزم أن تكون مطلوبةً بطلبـه ، كسائر قيوده ، فلايكون وقوعـه على هذه الصفة
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 86 / السطر 22.