(الصفحة 135)
ا لآخر عليـه كذلك(1) . انتهى موضع الحاجـة .
ومحصّل الإيراد:
أنّ هذا الكلام صريح في أنّ التخيير في الواجبين المتزاحمين إنّما هو من نتيجـة اشتراط كلٍّ منهما با لقدرة عليـه ، وتحقّقها في حال ترك الآخر ، فيجب كلٌّ منهما عند ترك الآخر ، فيلزم الترتّب من الجانبين مع أ نّـه قد أنكره من جانب واحد ، وليت شعري أن ضمّ ترتّب إلى ترتّب آخر كيف يوجب تصحيحـه ؟ !
أقول:
من الواضح الذي لايعتريـه ريب أنّ كلامـه هناك لايدلّ على الترتّب من الطرفين أصلاً ، كيف ومعنى الترتّب كون الأمر الثاني في طول الأمر الأوّل لاشتراطـه بما يتأخّر عنـه رتبةً ، وحينئذ فكيف يمكن أن يكون كلٌّ من الأمرين في طول الآخر ومتأخّراً عنـه رتبةً ؟ ! لأنّ مقتضاه إمكان تقدّم الشيء على نفسـه المستحيل بداهـة ، بل المراد من العبارة ما ذكرناه وحقّقناه في هذا المقام من أنّ الأمرين باقيان على إطلاقهما من دون أن يكون أحدهما مقيّداً بما يتأخّر عن الآخر أو بشيء آخر ، غايـة الأمر أنّ وجوب الامتثال الذي هو حكم عقلي مشروط با لقدرة عليـه ، وحيث إنّـه لا ترجيح بين الامتثا لين هناك ، فا لعقل يحكم بتخيير المكلّف ومعذوريّتـه في مخا لفـة ترك الآخر لو لم يخا لف المجموع ، فا لمقيّد با لقدرة ونظائرها إنّما هو حكم العقل بوجوب الامتثال ، لا أصل الخطابين ، وهذا هو ظاهر كلام الشيخ حيث ذكر أنّ المقيّد با لقدرة إنّما هو حكم العقل .
نعم يرد على الشيخ:
سؤال الفرق بين المقامين حيث حكم باستحا لـة ثبوت الأمرين في المقام مع أ نّـه اختار ثبوتهما هناك ، فإنّ الظاهر جريان هذا الوجـه بعينـه في المقام بلا فرق بينهما أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
- 1 ـ فرائد الاُصول 2: 761.
(الصفحة 136)
وأمّا المقدّمـة الثانيـة:
الراجعـة إلى أنّ الواجب المشروط بعد تحقّق شرطـه حا لـه حا لـه قبل تحقّق شرطـه من حيث إنّـه بعدُ على صفـة الاشتراط ، ولايتّصف بصفـة الإطلاق ، وذلك لأنّ الشرط فيـه يرجع إلى قيود الموضوع ، إلى آخر ما ذكرنا .
فيرد عليها ما تقدّم منّا في الواجب المطلق والمشروط من أنّ أخذ القيد بحسب الواقع ونفس الأمر على وجهين ، فإنّـه قد يكون الشيء محبوباً للإنسان عند حصول شرط بحيث لايكون بدونـه مطلوباً وإن كان ربّما يمنع عن تحقّق القيد ، وقد يكون الشيء المقيّد محبوباً لـه بحيث ربّما يتحمّل لأجل تحقّق مطلوبـه مشاقّاً كثيرة ، فا لصلاة في المسجد قد تكون محبوبةً للإنسان لأجل ما يترتّب عليها ، فلو لم يكن مسجد يصير بصدد بنائـه لأجل تحقّق مطلوبـه ، وقد تكون الصلاة محبوبةً لـه على تقدير تحقّق المسجد بحيث يشتاق إلى عدم تحقّق المسجد لأجل انزجاره من الصلاة ، ولكن على تقدير تحقّقـه يتعلّق حبّـه بها ، وحينئذ فمع كون الأمر في الواقع على قسمين ، فلا وجـه لإرجاع جميع القيود إلى قيود الموضوع مع ترتّب الثمرة بين الوجهين في مواضع كثيرة ، منها : الاستصحاب ، بل لايجوز ذلك أصلاً ، كما لايخفى .
ثمّ على تقدير التسليم فإرجاع القيود إلى الموضوع إنّما هو في القيود التي أخذها المولى في مقام الحكم ، وجعلـه مقيّداً بها دون ما يأتي من ناحيـة العقل ، كما في المقام ، حيث إنّـه يحكم بناء على الترتّب بكون الأمر با لمهم مقيّداً بما يتأخّر عن الأمر بالأهمّ ، فا لتقييد تقييد عقلي لا ربط لـه با لخطابين ، فإنّهما مطلقان ، كما لايخفى .
ثمّ إنّـه يظهر منـه أ نّـه لو لم يكن الشرط من قيود الموضوع فا للاّزم أن يكون من علل التشريع مع أنّ هنا أمراً ثا لثاً يرجع إليـه الواجب المشروط ، وهو أن
(الصفحة 137)
يكون المجعول ـ وهو الحكم ـ مقيّداً بذلك الشرط ، فإنّـه لا مجال لأن يقال بأنّ الشرط فيـه من علل التشريع ، بل المشروع والمجعول مقيّداً بـه وثابت على تقدير تحقّقـه ، كما لايخفى .
ثمّ لايخفى أنّ عدم انقلاب الواجب المشروط عن كونـه كذلك بعد تحقّق شرطـه لايتوقّف على كون الشرط من قيود الموضوع ، بل الظاهر عدم الانقلاب بناءً على ما اخترناه وحقّقناه في الواجب المشروط أيضاً ، فإنّ المراد با لحكم الذي يتوهّم انقلابـه عند تحقّق شرطـه هل هو الجزاء المترتّب على الشرط .
وبعبارة اُخرى : الجملـة المتضمّنـة للبعث ، فمن الواضح عدم معقوليـة عروض الانقلاب لـه .
وإن كان المراد بـه هي الإرادة التشريعيـة ، فقد عرفت أنّ معناها ليس إرادة إتيان العبد بـه ، كيف ومن المستحيل انفكاك الإتيان عنها ، بل معناها يرجع إلى إرادة الجعل والتشريع التي يعبّر عنها با لفارسيـة بـ (قانونگذارى) ومن المعلوم استحا لـة عروض التغيّر والانقلاب لها ، بل لا معنى لانقلابها ، كما لايخفى .
وأمّا المقدّمـة الثالثـة:
فمقارنـة زمان الشرط والتكليف والامتثال وإن كانت مسلّمةً إلاّ أنّ ما أجاب بـه عن الإشكال الثاني الذي يرجع إلى أنّ الترتّب مستلزم لإيجاب الجمع لايتمّ ، كما سيجيء في الجواب عن المقدّمـة الخامسـة .
وأمّا المقدّمـة الرابعـة:
التي يبتنى عليها الترتّب والطوليـة ، فيرد على التقسيم إلى الأقسام الثلاثـة أنّ الإطلاق ليس معناه إلاّ مجرّد أخذ الشيء موضوعاً للحكم مع عدم تقييده ببعض القيود ، فمن أجل أ نّـه فاعل مختار يمكن لـه بيان ما لَـه دخلٌ في موضوع حكمـه ، ومع ذلك فلم يأخذ شيئاً آخر ، يستفاد أنّ ذلك الشيء تمام الموضوع ، فالإطلاق اللحاظي با لمعنى الذي ذكره لا وجـه لـه أصلاً ، بل لا معنى لـه ، وحينئذ فنقول : إنّ الإطلاق با لمعنى الذي ذكرنا على
(الصفحة 138)
قسمين : قسم يمكن للعبد أن يحتجّ بـه على المولى ، كما في القيود والتقادير المتصوّرة على القسمين الأوّلين ، وقسم لايمكن للعبد ذلك ، كما با لنسبـة إلى القيود التي يقتضيـه نفس الخطاب ، وهو القسم الثا لث الذي ذكره .
وكيف كان فغايـة هذه المقدّمـة إثبات الترتّب والطوليـة ، وهو لايستلزم الخروج عن إيجاب الجمع ، كما سنبيّن فيما يتعلّق على المقدّمـة الخامسـة .
وأمّا المقدّمـة الخامسـة:
التي سيقت لبيان أنّ الترتّب لايقتضي إيجاب الجمع ، فينبغي أوّلاً الإشارة إلى وجـه تأخّر العصيان المشروط بـه خطاب المهمّ عن الأمر بالأهمّ ، ثمّ النظر إلى أ نّـه على فرض الترتّب هل يجدي ذلك في إخراج المسأ لـة عن إيجاب الجمع بين الضدّين أو لا ؟
فنقول : قد يقال ـ كما قيل ـ : إنّ الوجـه في تأخّر عصيان الأمر بالأهمّ عنـه : أنّ العصيان نقيض للإطاعـة والامتثال ; إذ هو ترك المأمور بـه لا عن عذر ، والإطاعـة متأخّر عن الأمر ; لأنّ الانبعاث متأخّر عن البعث ; إذ هو معلول لـه ، والإتيان بمتعلّق الأمر وإن لم يكن متأخّراً عنـه إلاّ أنّ صدق الامتثال والإطاعـة عليـه يتوقّف على تحقّقـه والالتفات إليـه ، وحينئذ فإذا ثبت تأخّر الإطاعـة عن الأمر فيظهر تأخّر العصيان عنـه أيضاً ; لأنّـه نقيض لها ، والنقيضان متساويان في الرتبـة وما مع المتقدّم في الرتبـة يكون متقدّماً في الرتبـة أيضاً .
هذا ، ولكن قد عرفت سابقاً منع اتّحاد النقيضين من حيث الرتبـة ، ولو سلّم فما مع المتقدّم في الرتبـة لايكون متقدّماً في الرتبـة ; لما عرفت سابقاً من أنّ التقدّم والتأخّر بحسب العقل مستند إلى ملاكهما ، ومع عدم الملاك لايحكم با لتقدّم أو التأخّر .
هذا ، والعمدة في منع تأخّر العصيان عن الأمر ما عرفت من أنّ معنى العصيان هو ترك المأمور بـه لا عن عذر ، وهو من الأعدام والأعدام لا تكون
(الصفحة 139)
متأخّرة عن شيء ولا متقدّمـة عليـه ; لأنّـه ليس بشيء حتّى يحكم عليـه بحكم وجودي .
ومن هنا يظهر:
أ نّـه لايعقل أن يكون خطاب المهم مشروطاً بـه بعد كونـه من الأعدام ، ولايعقل ثبوت التأثير لها أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وكيف كان فعلى تقدير تسليم الترتّب والطوليـة بين الأمرين فنقول : إنّ ذلك لايجدي في رفع غائلـة استحا لـة طلب الضدّين ، فإنّ شرط خطاب المهمّ إمّا أن يكون نفس العصيان بحسب وجوده الخارجي المتوقّف على مضيّ زمان لايمكن معـه الامتثال في الزمان الباقي ، وهو الذي يترتّب عليـه سقوط الأمر بالأهم ; لأنّ بقاءه مستلزم لتعلّق الطلب بغير المقدور ، كما هو المفروض ، وإمّا أن يكون العنوان الذي ينتزع منـه بعد كونـه متحقّقاً في ظرفـه بحسب الواقع ونفس الأمر ، وهو كون المكلّف ممّن يعصى أو تعقّب العصيان وتأخّره ونظائرهما ، وإمّا أن يكون الشرط التلبّس با لعصيان والشروع فيـه ، وإمّا أن يكون أحد العناوين الاُخر المنطبقـة على أحد الوجوه المتقدّمـة .
إذا عرفت ذلك، نقول:
أمّا لو كان الشرط هو العصيان الخارجي الذي عرفت أ نّـه لايتحقّق إلاّ بعد مضيّ مقدار من الزمان لايمكن معـه الامتثال في الباقي ، فمن الواضح أ نّـه بمجرّد تحقّقـه يسقط الأمر بالأهمّ ، كما أنّ قبل تحقّقـه لايكون الأمر با لمهمّ موجوداً ; لعدم تحقّق شرطـه بعد فقبل تحقّق العصيان لايتحقّق الأمر با لمهمّ ، وبعد تحقّقـه لايبقى الأمر بالأهمّ ، فأين يلزم اجتماع الأمرين الذي عليـه يبتنى القول با لترتّب ، وأمّا لو كان الشرط هو العنوان الذي ينتزع من العصيان المتأخّر ، فمن الواضح لزوم طلب الجمع ; لأنّ بمجرّد تحقّق الزوال مثلاً الذي يتحقّق معـه شرط خطاب المهمّ يكون مأموراً بإتيان الأهمّ ويحرّكـه الأمر المتعلّق بـه نحوه ، وبإتيان المهمّ أيضاً لتحقّق شرطـه ، وهكذا لو كان الشرط هو التلبّس