(الصفحة 173)
ا لتصادق والاجتماع ، وأمّا إذا لم يكن لهما مناط حكمـه كذلك ، فلايكون من هذا الباب(1) . انتهى موضع الحاجـة .
أقول:
إن كان مراده من ذلك أنّ مورد النزاع في المقام هو ما كان متعلّقا الحكمين ذا مناط مطلقاً حتّى في مورد الاجتماع بحيث كان مرجعـه إلى تقييد في عنوان النزاع ، فلايخفى أ نّـه لا ارتباط لذلك بما هو المهم في مقصود البحث ومورد النزاع ; لما عرفت في وجـه عدم تقييد النزاع بقيد المندوحـة من أنّ المهم في هذا المقام جواز الاجتماع واستحا لتـه من هذه الحيثيّـة أي حيثيـة الاجتماع .
ويؤيّد كون مراده ذلك اختلاف التعبير في هذا المقام وفي مسأ لـة المندوحـة حيث إنّـه عبّر هنا بأ نّـه لايكاد يكون من باب الاجتماع ، فإنّ ظاهره تطبيق عنوان النزاع على الموارد الخارجيـة ، كما لايخفى .
وإن كان مراده من ذلك بيان الفارق بين المقام الذي هو من قبيل التزاحم وبين باب التعارض ، ودفع توهّم التناقض بين الكلمات حيث إنّهم ذكروا في باب التعارض أنّ من أقسامـه التعارض با لعموم والخصوص من وجـه ولم يذكروا في وجـه العلاج في ذلك المقام أنّ من جملـة وجوهـه الجمع بنحو يقولـه القائل بالاجتماع في ذلك المقام ، بل ذكروا أنّ علاجـه الأخذ بالأظهر إن كان ، وإلاّ التوقّف ، أو الرجوع إلى المرجّحات السنديـة على الخلاف ، وبيان الدفع على ما يظهر منـه أنّ مسأ لتنا هذه مبنيّ على إحراز المناط في مورد الاجتماع با لنسبـة إلى الحكمين ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه مبني على وحدة الملاك والمناط في الواقع ، ولكن لايعلم أنّ الملاك الموجود هَل هو ملاك الأمر أو النهي ، فإن كان مراده ـ أي صاحب الكفايـة ـ دفع هذا التوهّم ، فيرد عليـه : منع كون باب
(الصفحة 174)
ا لتعارض مبنيّاً على إحراز وحدة الملاك والمناط ، فإنّ التعارض والاختلاف موضوع عرفي وقع في الروايات الواردة في علاج المتعارضين المستدلّ بها في ذلك الباب ، فكلّ ما صدق عليـه هذا العنوان بنظر العرف يترتّب عليـه أحكامـه المذكورة في تلك الروايات ، سواء كان المناطان موجودين في مورد الاجتماع أم لا ، فإنّـه لا ارتباط لـه بباب المناط أصلاً .
وبا لجملـة ، فباب التعارض من الأبواب العرفيـة التي لا مجال للعقل ولا طريق لـه إليـه أصلاً ، فكلّ مورد حكم العرف بصدق هذا الموضوع يترتّب عليـه أحكامـه ، بخلاف مسأ لتنا هذه ، فإنّها مسأ لـة عقليـة محضـة لا طريق للعرف إليها أصلاً .
نعم في تطبيق هذه المسأ لـة على الموارد الخارجيـة نحتاج إلى إحراز المناطين في مورد الاجتماع ، بخلاف باب التعارض ، فإنّـه غير مرتبط بباب المناط أصلاً ، بل لابدّ من الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع .
وبا لجملـة ، فا لفرق بين المقام وبين باب التعارض بهذا الوجـه الذي ذكره في الكفايـة(1) ممّا لم يعرف لـه وجـه أصلاً .
الأمر السادس: في ثمرة بحث الاجتماع
وفيـه جهات من البحث :
الجهـة الاُولى: ثمرة النزاع على القول بجواز الاجتماع
إنّهم ذكروا في ثمرة النزاع أ نّـه بناء على القول بجواز الاجتماع لا إشكال
(الصفحة 175)
في صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة وحصول الامتثال بها وإن كان معصيةً ; للنهي أيضاً .
لكنّ التحقيق يقتضي خلافـه ، وأنّ القائل با لجواز لايمكن لـه القول با لصحّـة أصلاً .
وينبغي أوّلاً حكايـة ما ذكره المحقّق النائيني
ـ على ما في تقريراتـه ـ في وجـه القول بجواز الاجتماع من المقدّمات التي لو تمّت يترتّب عليها صحّـة الصلاة في الدار المغصوبـة ، ثمّ بيان ما يمكن أن يورد عليـه من الإيرادات ، وهذه المقدّمات وإن كانت طويلةً ; لما عرفت من كونها مصنوعةً لإثبات القول با لجواز ، إلاّ أ نّا نذكرها بطريق الاختصار ، ونحيل التفصيل إلى مقامـه ، فنقول :
منها:
بساطـة المقولات ، وأنّ ما بـه الاشتراك فيها عين ما بـه الامتياز .
ومنها:
تغاير المقولات بحسب الحقيقـة والهويّـة واعتبارها بشرط لابا لنسبـة إلى أنفسها ، فاجتماعها لايعقل أن يكون على نحو الاتّحاد بحيث يكون ما بحذاء أحدهما في الخارج عين ما بحذاء الآخر .
ومنها:
كون الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، ولا تكون الحركـة جنساً للمقولات حتّى يلزم التركيب فيها ، ولا هي أيضاً من الأعراض المستقلّـة حتّى يلزم قيام عرض بعرض .
وبعد هذه المقدّمات يظهر:
تعدّد متعلّق الأمر والنهي ; إذ الصلاة إنّما تكون من مقولـة الوضع سواء قلنا : إنّ المأمور بـه في مثل الركوع والسجود هو الهيئـة كما هو مختار الجواهر(1) أو الفعل كما هو المختار ، فيكون الانحناء إلى الركوع أوضاعاً متلاصقـة متّصلـة ، والغصب إنّما يكون من مقولـة الأين ; إذ ليس الغصب
- 1 ـ جواهر الكلام 10: 69 و 123 ـ 124.
(الصفحة 176)
إلاّ عبارة عن شاغليـة الشخص للمكان ، فتوهّم اجتماع الصلاة والغصب في الحركـة مع وحدتها مندفع بأ نّـه إن كان المراد من وحدة الحركـة وحدتها با لعدد بحيث تعدّ حركـة واحدة ، فهذا ممّا لاينفع ، وإن كان المراد منها وحدة الحركـة الصلاتيـة والحركـة الغصبيـة با لهويـة والحقيقـة ، فهذا ممّا لايعقل ; لاستدعاء ذلك اتّحاد المقولتين ; لما عرفت من أنّ الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة .
وبا لجملـة ، الحركـة لايعقل أن تكون بمنزلـة الجنس للصلاة والغصب ، وبحيث يشتركان فيها ويمتازان بأمر آخر ; للزوم التركيب في الأعراض ، وليست عرضاً آخر غير المقولات ; للزوم قيام العرض با لعرض ، وهو محال ، فلابدّ من أن تكون الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، وحينئذ يظهر أ نّـه كما أنّ الصلاة مغايرة با لحقيقـة للغصب ، فكذا الحركـة الصلاتيـة مغايرة للحركـة الغصبيـة ، ويكون في المجمع حركتان : حركـة صلاتيـة ، وحركـة غصبيـة ، وليس المراد من الحركـة رفع اليد ووضعـه وحركـة الرأس والرجل ووضعهما ، فإنّ ذلك لا دخل لـه في المقام حتّى يبحث عن أ نّها واحدة أو متعدّدة ، بل المراد من الحركـة : الحركـة الصلاتيـة والحركـة الغصبيـة ، وهما متعدّدتان ، فلا محا لـة ، فأين يلزم تعلّق الأمر والنهي بعين ما تعلّق بـه الآخر .
هذا كلّـه ، مضافاً إلى أنّ الإضافـة الحاصلـة بين المكان والمكين ونسبتـه إليـه لايعقل أن تختلف بين أن يكون المكين من مقولـة الجوهر أو من مقولـة الأعراض ، وكما لايعقل التركيب الاتّحادي بين الجوهر والإضافـة في قولك : زيد في الدار ، كذلك لايعقل التركيب الاتّحادي بين الضرب والإضافـة في قولك : ضرب زيد في الدار ، أو الصلاة والإضافـة في قولك : صلاة زيد في الدار ، وكما
(الصفحة 177)
لايكون زيد غصباً كذلك لا تكون الصلاة غصباً(1) . انتهى كلامـه في غايـة ا لتلخيص .
وقد عرفت:
أنّ هذا الكلام لو تمّ لترتّب عليـه صحّـة الصلاة في ا لدارا لمغصوبـة ; لأنّـه بعد كون الحركـة الصلاتيـة مغايرة للحركـة الغصبيـة لايكون المبغوض والمبعّد عن ساحـة المولى بعينـه محبوباً ومقرّباً للعبد نحو المولى حتّى يقال باستحا لـة كون المبعّد مقرّباً ، فإنّ المبغوض هي الحركـة الغصبيـة ، والمحبوب هي الحركـة الصلاتيـة .
وبا لجملـة ، بعد فرض تعدّد الحركـة لايبقى مجال للإشكال في صحّـة الصلاة ; لعدم الارتباط بين الحركتين ، فا لحركـة الصلاتيـة تؤثّر في القرب ، والغصبيـة تؤثّر في البعد .
هذا، ولكن يرد على ما ذكره أوّلاً:
أنّ الصلاة ليست بنفسها من المقولات ; لأنّها مركّب اعتباري ، واجزاؤها عبارة عن الحقائق المختلفـة والهويّات المتشتّتـة ، فلايعقل أن تكون بنفسها مندرجةً تحت مقولة واحدة ، وكذا الغصب ليس مندرجاً تحت مقولـة أصلاً ، فإنّـه عبارة عن الاستيلاء والتسلّط على مال الغير عدواناً ، ومن المعلوم أنّ ذلك أمر اعتباري يعتبره العرف والعقلاء ، وليس من الاُمور الواقعيـة والحقائق ، نظير سلطـة الشخص على مال نفسـه .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما يتّحد مع الصلاة في الدار المغصوبـة ليس هو الغصب ; لما عرفت من أ نّـه عبارة عن التسلّط على مال الغير عدواناً ، وهذا المعنى ممّا لايرتبط با لصلاة أصلاً ، بل الذي يتّحد معها هو التصرّف في مال الغير بغير إذنـه ، الذي محرّم آخر غير الغصب ، وبينهما عموم من وجـه ، كما لايخفى .
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 427 ـ 428.