(الصفحة 178)
ومن المعلوم أنّ التصرّف جامع انتزاعي للأفعال المرتبطـة إلى مال الغير من الكون فيـه وسائر التصرّفات ، وليس التصرّف بنفسـه من المقولات أصلاً ، بل المندرج تحتها إنّما هو مصاديق التصرّف .
فظهر أنّ ما يكون مندرجاً تحت مقولـة من المقولات من مصاديق التصرّف المتّحدة مع الصلاة إنّما هو الكون في المكان المغصوب ، الذي هو من مقولـة الأين ، وإلاّ فا لغصب وكذا التصرّف بعنوانـه ليسا من المقولـة أصلاً كما لايخفى .
وثانياً:
أنّ الركوع ـ وهو الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف كما هو الأقوى وفاقاً لـه ـ يمكن أن يكون من مقولـة الأين ; لما ذكره المستدلّ من أنّ الحركـة في كلّ مقولـة عين تلك المقولـة ، فا لرأس المتحيّز في حيّز مخصوص إذا تحرّك منـه إلى مكان آخر ، يكون ذلك حركـة في الأين ، وإن كان بالإضافـة إلى حدوث حا لـة اُخرى وكيفيـة حادثـة با لنسبـة إلى أجزاء الإنسان بعضها مع بعض يكون حركةً في الوضع ، وحينئذ فا لركوع الذي يكون حركـة واحدة أينيّـة صار متعلّقاً للحبّ والبغض ; لعدم كون المقولتين حينئذ متعدّداً حتّى يستحيل تركيب الاتّحادي بينهما ، بل صار كلٌّ من الركوع والكون في مكان مغصوب ، الذي هو مصداق للتصرّف في مال الغير مندرجاً تحت مقولـة الأين ، فصارت الحركـة حركةً واحدة أينيّة .
ثمّ إنّ ما ذكرناه من أنّ مصاديق التصرّف في مال الغير تكون مندرجةً تحت المقولات فإنّما هو مبني على المسامحـة ، ضرورة أنّ المندرج تحتها إنّما هو مصداق ذات التصرّف ، لا مقيّداً بكونـه في مال الغير ، فا لكون في المكان إنّما يكون مندرجاً تحت مقولـة الأين ، لا الكون في المكان المغصوب ، فإنّ غصبيـة المكان خارج عن ذلك أصلاً .
وهذا أيضاً ممّا يورد بـه على المستدلّ ، فإنّـه بعد العدول عن الغصب إلى
(الصفحة 179)
ا لتصرّف في مال الغير ، وعنـه إلى مصاديقـه يبقى الإشكال في عدم كون مصاديق التصرّف في مال الغير بما هي مصاديق لـه مندرجاً تحت مقولـة ; لما عرفت من عدم مدخليـة مال الغير في ذلك أصلاً .
فظهر من جميع ذلك:
أنّ المقرّب والمبعّد إنّما هو شيء واحد وأمر فارد ، وهي الحركـة الأينيّـة ، ومع فرض كونـه مبعّداً لايمكن أن يكون مقرّباً ، فلايصلح أن يكون جزءاً للعمل العبادي أصلاً ، فا لصلاة في الدار المغصوبـة باطلـة ولو على القول با لجواز .
هذا كلّـه فيما يتعلّق با لقول با لجواز .
الجهـة الثانيـة: ثمرة النزاع على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر
وأمّا بناء على القول بالامتناع وتقديم جانب الأمر فقد يقال بصحّـة الصلاة مطلقاً ، مثل ما إذا قيل با لجواز ، غايـة الأمر أ نّـه لا معصيـة بناء عليـه دونـه .
ولكن لايخفى أ نّـه لايتمّ ذلك بإطلاقـه ، بل إنّما يتمّ فيما لو لم تكن لـه مندوحـة ولم يتمكّن من الامتثال في غير المكان الغصبي ، وأمّا مع وجود المندوحـة والتمكّن من الامتثال في غير الدار المغصوبـة فظاهرٌ أ نّـه لو صلّى فيها لا تكون صلاتـه صحيحةً ، ضرورة أنّ مزاحمة ملاك الصلاة لملاك الغصب وتقديم الاُولى للأهمّيـة لايقتضي أزيد من سقوط ملاك الثاني عن التأثير فيما لو دار الأمر بين إتيان الاُولى أو ارتكاب الثاني .
وبعبارة اُخرى:
دار الأمر بين إتيان الاُولى أو ارتكاب الثاني . وبعبارة اُخرى : دار الأمر بين امتثال الأمر ومخا لفـة النهي وبين موافقـة النهي ومخا لفـة الأمر . وأمّا لو تمكّن من امتثال الأمر وموافقـة النهي معاً ، فمن الواضح أ نّـه لا تسقط ملاك النهي عن التأثير أصلاً .
(الصفحة 180)
ونظير ذلك يتصوّر في الأمرين ، فإنّ أهمّيـة إنقاذ الولد المأمور بـه با لنسبـة إلى إنقاذ الأخ المأمور بـه أيضاً لايقتضي إلاّ سقوط الأمر الثاني في خصوص ما إذا دار الأمر بين إنقاذ الولد والأخ بمعنى أ نّـه لم يمكن اجتماعهما ، وأمّا فيما أمكن امتثال كلا الأمرين بانقاذ كلا الغريقين ، فلايجدي الأهمّيـة شيئاً أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
هذا كلّـه بناء على تقديم جانب الأمر .
الجهـة الثالثـة: ثمرة النزاع على القول بالامتناع وتقديم جانب النهي
وأمّا بناء على تقديم جانب النهي فلا إشكال في بطلان العبادة مع الالتفات إلى موضوع المحرّم وإ لى تحريمـه أو مع الجهل تقصيراً ، ضرورة أنّ الفعل لايصلح مع ذلك لأن يتقرّب بـه مع أ نّـه لايكاد يتمشّى قصد التقرّب من الملتفت أصلاً ، إنّما الإشكال في بطلانها مع الجهل قصوراً .
حكم العبادة مع الجهل عن قصور
ظاهر الكفايـة بل صريحها صحّـة العبادة معـه(1) .
ولايخفى أنّ إثبات الصحـة موقوفـة على إثبات جهتين :
الجهـة الاُولى:
كون المجمع مشتملاً على كلا مناطي الحكمين : مناط الوجوب ومناط التحريم .
الجهـة الثانيـة:
كفايـة مناط الوجوب في الصحـة بعد سقوط مناط التحريم عن التأثير في الحكم الفعلي .
(الصفحة 181)
أمّا الكلام في الجهـة الاُولى فنقول:
لا إشكال في ثبوت المضادّة والمنافرة بين مناطي الوجوب والتحريم كثبوت المضادّة بين أنفسهما ، بل الأوّل أولى ; لإمكان المناقشـة في التضادّ بين الأحكام ، كما سيجيء إن شاء اللّـه تعا لى .
ومن الواضح أنّ مناط الحكم وملاكـه إنّما يقوم با لموجود الخارجي ، ضرورة أنّ شرب الخمر المتحقّق في الواقع يكون ذا مفسدة لا عنوان شرب الخمر ، وحينئذ فيُسأل عن القائل بالامتناع ـ المستند في ذلك إلى ثبوت التضادّ بين الأحكام وأنّ متعلّق التكا ليف هو فعل المكلّف وما هو في الخارج يصدر عنـه وأنّ تعدّد العنوان لايوجب تعدّد المعنون وأنّ الموجود بوجود واحد لـه ماهيّـة واحدة ـ عن أ نّـه هل حامل المصلحـة والمفسدة في الوجود الخارجي هي الحيثيّـة الواقعيـة الواحدة أو الحيثيتين ؟ فإن قال بالأوّل ، فيردّه وضوح التضادّ بين المناطين ، وإن قال با لثاني ـ كما أ نّـه لابدّ من ذلك ـ فيرد عليـه سؤال الفرق بين المناط وبين نفس الحكم ، فإذا جاز قيام المصلحـة بحيثيّـة وقيام المفسدة بحيثيـة اُخرى ، فلِمَ لايجوز كون الأمر متعلّقاً با لحيثيـة الاُولى والنهي با لحيثيـة الثانيـة .
وبا لجملـة ، فلايجتمع القول بالامتناع نظراً إلى أ نّـه تكليف محال مع القول بكون المجمع مشتملاً على كلا المناطين ، فبعدما كان المفروض هو القول بالامتناع وتقديم جانب النهي لايبقى مجال للقول با لصحّـة أصلاً ولو قلنا بكفايـة الملاك في صحّـة العبادة وعدم احتياجها إلى تعلّق الأمر بها ، ضرورة أ نّـه بناءً على ما ذكرنا لايكون المجمع إلاّ مشتملاً على مناط التحريم فقط .
وأمّا الكلام في الجهـة الثانيـة، فنقول:
لو سلّم كون المجمع واجداً للمناطين بناءً على القول بالامتناع ، فهل يكفي مناط الوجوب في صحّـة العبادة بعد فرض سقوط مناط التحريم عن التأثير ؟ وبعد فرض كفايـة المناط في صحّـة العبادة وعدم الافتقار إلى تعلّق الأمر بها أم لا ؟ قد يقال ـ كما في تقريرات المحقّق
(الصفحة 182)
النائيني ـ با لعدم ; نظراً إلى أنّ تصحيح العبادة با لملاك إنّما يكون بعد الفراغ عن ثبوت حكمها وتشريعـه مطلقاً ، غايـة الأمر أ نّـه وقع التزاحم بين ذلك الحكم وبين حكم آخر في مقام الامتثال .
وخلاصـة كلامـه في هذا الباب:
أنّ التزاحم قد يكون بين الحكمين ، وقد يكون بين المقتضيين ، مثل مورد الاجتماع ، بناء على القول بالامتناع ، وبينهما بون بعيد ; فإنّ تزاحم الحكمين إنّما يكون في مقام الفعليّـة وتحقّق الموضوع بعد الفراغ عن تشريعهما على طبق موضوعاتهما المقدّر وجودها ، وفي هذا القسم من التزاحم يكون لعلم المكلّف وجهلـه دخلٌ حيث إنّ الحكم المجهول لايصلح أن يكون مزاحماً لغيره ، فإنّـه لايكون شاغلاً لنفسـه ، فبأن لايكون شاغلاً عن غيره أولى .
وأمّا تزاحم المقتضيين فإنّما يكون في مقام الجعل والتشريع حيث يتزاحم المقتضيان في نفس الآمر وإرادتـه ، ويقع الكسر والانكسار بينهما في ذلك المقام ، ويكون لعلم الآمر وجهلـه دخل في تزاحم المقتضيين حيث لو يعلم الآمر بثبوتهما لايعقل أن يقع التزاحم بينهما ، وعلم المكلّف وجهلـه أجنبي عن ذلك ; فإنّ عا لم الجعل والتشريع إنّما يكون بيد الآمر ، والمأمور أجنبي عنـه ، كما أنّ عا لم الامتثال إنّما يكون بيد المكلّف ، والآمر أجنبي عنـه .
وا لحاصل أ نّـه بناءً على الامتناع تندرج المسأ لـة في صغرى التعارض ; للزوم تعلّق الأمر حينئذ بعين ما تعلّق بـه النهي ، واستلزامـه اجتماع الضدّين في واحد شخصي عدداً وهويّةً ، وعليـه لابدّ من إعمال قواعد التعارض ، ومع ترجيح جانب النهي لم يبق مجال للقول با لصحّـة أصلاً ; لما عرفت من أنّ في هذا الباب لا دخل لعلم المكلّف وجهلـه أصلاً .
وتوهّم أنّ الصحّـة عند الجهل إنّما هي لوجود الملاك والمقتضي ، مدفوع :