(الصفحة 183)
بأنّ الملاك المغلوب بما هو أقوى منـه والمكسور بغيره في عا لم الجعل والتشريع لايصلح أن يكون موجباً للصحّـة ، فإنّ الموجب لها هو الملاك التامّ الذي لايكون مكسوراً بما هو أقوى منـه في عا لم التشريع(1) انتهى ملخّص كلامـه .
ولكن لايخفى:
أنّ المراد بوقوع الكسر والانكسار بين الملاكين ليس صيرورة الملاك المسكور والمغلوب معدوماً في مقابل الملاك الغا لب بحيث يكون الفعل مع تلك الغلبـة مشتملاً على ملاك الغا لب فقط ، بل المراد كونـه جامعاً لكلا الملاكين ، غايـة الأمر أنّ أقوائيـة ملاك الغا لب صار مانعاً من تشريع الحكم على طبق الملاك المغلوب ، وحينئذ فيرد عليـه سؤال الفرق بين صورتي التزاحم ، أي : التزاحم بين الحكمين والتزاحم بين المقتضيين ، فإن قال في الجواب : بأنّ في الثاني يرجع التقييد إلى مقام الثبوت والواقع بمعنى أ نّـه يكون المأمور بـه مثلاً حينئذ في المقام بناءً على الامتناع وترجيح جانب النهي هي الصلاة المقيّدة بما عدا الفرد المجامع للغصب ، بخلاف الأوّل ; فإنّ سقوط الأمر با لمهم مثلاً إنّما هو لعدم إمكان امتثا لهما بعد الفراغ عن تشريعهما مطلقاً ، فيرد عليـه : أنّ السقوط لابدّ أن يرجع إلى التقييد ، فإن قال : إنّ التقييد في تزاحم المقتضيين إنّما هو في مقام جعل الحكم الإنشائي ، بخلاف تزاحم الحكمين ، فإنّ التقييد إنّما هو في مقام فعليـة الحكم ، فيقال عليـه : إنّـه لا نسلّم رجوع التقييد في تزاحم المقتضيين إلى مقام جعل الحكم الإنشائي .
ودعوى : أنّ إطلاق الحكم فيـه يستلزم اللغويـة ، مدفوعـة : بمنع لزومها بعد ظهور ثمرتـه في صورة الجهل .
وكيف كان فبعد كون ملاك الأمر تامّاً بمعنى كونـه صا لحاً لتعلّق الأمر بـه لو
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 431 ـ 433.
(الصفحة 184)
لم يمنع عنـه مانع لايبقى مجال للإشكال في صحّـة الصلاة بناءً على هذا القول الفاسد لو قيل باشتما لها على الملاك وبكفايـة الملاك في صحّـة العبادة .
ولكنّك عرفت أنّ المقدّمـة الاُولى ممنوعـة .
ومن هنا انقدح:
أ نّـه لايمكن أن يستكشف من مجرّد حكم المشهور با لصحّـة في موارد العذر أ نّهم قائلون با لجواز ; نظراً إلى أ نّـه بناء على الامتناع تكون الصلاة فاسدةً مطلقاً ، فإنّك عرفت أنّ الحكم با لصحّـة لاينافي القول بالامتناع ، فتأمّل جيّداً .
الأمرالسابع: شمول النزاع للعنوانين بينهما عموم وخصوص مطلقاً
لا إشكال في دخول العامّين من وجـه في الجملـة في مورد النزاع ومحلّ البحث ، كما أ نّـه لا إشكال في خروج المتبائنين عنـه ; لعدم شمول ظاهر عنوان النزاع لـه ، مضافاً إلى وضوح إمكان تعلّق الأمر بشيء والنهي بمبائنـه ، وكذلك لا إشكال أيضاً في خروج المتساويين عن محلّ النزاع وإن كان ظاهر العنوان التعميم ; ضرورة استحا لـة تعلّق الأمر والنهي بهما ، إنّما الإشكال والكلام في دخول العامّين مطلقاً ، فقد يقال با لخروج ، كما عن المحقّقين : القمّي والنائيني(1)وجماعـة اُخرى ، وقد يقال با لدخول ، كما عن صاحب الفصول(قدس سره)(2) .
والتحقيق أن يقال:
إنّ العامّين مطلقاً على قسمين : قسم لايكون عنوان العامّ مأخوذاً في عنوان الخاصّ ومفهومـه ، بل مفهومهما متغايران ، غايـة الأمر أنّ
- 1 ـ قوانين الاُصول 1 : 153 ـ 154 ، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 410 .
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 125 / السطر 8 ـ 10.
(الصفحة 185)
المفهومين متصادقان في الخارج تصادقاً كلّيّاً من جانب الخصوص وجزئيّاً من جانب العموم ، وقسم يكون مفهوم العامّ مأخوذاً في عنوان الخاصّ ، وهو الذي يعبّر عنـه با لمطلق والمقيّد ، كا لصلاة المأخوذة في عنوان الصلاة في الدار الغصبيـة ، وظاهر العبارة المحكيـة عن صاحب الفصول بل صريحها دخول القسم الأوّل فقط في مورد النزاع ، والحقّ دخول القسمين معاً .
أمّا القسم الأوّل:
فلأنّـه بعد فرض كون العنوانين متغايرين لايبقى فرق بينـه وبين العامّين من وجـه ; ضرورة أ نّـه لو كان مجرّد التصادق الموجود الخارجي مانعاً عن تعلّق الأمر والنهي با لمفهومين المتصادقين ، فهذه العلّـة مشتركـة بينـه وبين العامّين من وجـه ولو لم يكن ذلك مانعاً باعتبار أنّ متعلّق الحكم إنّما هو نفس العناوين والمفاهيم ، فبعد فرض ثبوت التغاير بين العنوانين في المقام لايبقى مجال لتوهّم الفرق أصلاً ، كما هو واضح .
وأمّا القسم الثاني:
فقد يقال بخروجـه عن محلّ البحث ; نظراً إلى سرايـة حكم المطلق إلى المقيّد ; فإنّ المطلق المأخوذ متعلّقاً للحكم ليس ما يكون قيد الإطلاق جزءاً لـه ومأخوذاً فيـه ، بل المراد هي الطبيعـة المجرّدة اللاّبشرط ، وحينئذ فيسري حكمها إلى المقيّد .
والحاصل:
أنّ الحكم المتعلّق با لمقيّد وإن لم يكن سارياً من متعلّقـه إلى المطلق إلاّ أنّ حكم المطلق يسري إلى المقيّد ; إذ ليس المطلق منافياً لـه ، والسرايـة من طرف واحد تكفي في ثبوت استحا لـة الاجتماع ، كما لايخفى .
ولكن لايذهب عليك أنّ اتّحاد المطلق والمقيّد إنّما يكون بحسب الخارج ، وأمّا بحسب المفهوم فهما متغايران ، ضرورة تغاير مفهوم طبيعـة الصلاة مع مفهوم الصلاة في الدار الغصبيـة ، وحينئذ فلايبقى مجال للإشكال في دخولـه في محلّ النزاع ; لأنّ الضابط فيـه هو كلّ عنوانين متغايرين المتصادقين على وجود
(الصفحة 186)
خارجي ، وهذا المعنى متحقّق في ا لمطلق والمقيّد ، فا لحق دخول كلاا لقسمين في مورد البحث .
وأمّا العامّان من وجـه فقد يقال:
بأنّ دخولـه في محلّ النزاع ليس على الإطلاق ، بل الظاهر اشتراطـه ببعض القيود ، وهو أن تكون هذه النسبـة متحقّقةً بين نفس الفعلين الصادرين عن المكلّف بإرادة واختيار من دون واسطـة مع كون التركيب بينهما انضماميّاً لا اتّحاديّاً ، وأمّا إذا كانت النسبـة ثابتةً بين الموضوعين ، كما في العا لم والفاسق في مثل قولـه : أكرم العا لم ، ولا تكرم الفاسق ، فهو خارج عن محلّ البحث ; لأنّ التركيب في مثل ذلك يكون على جهـة الاتّحاد ، ويكون متعلّق الأمر بعينـه هو متعلّق النهي ، بل هو مندرج في باب التعارض ، كما أ نّـه ليس من مسأ لـة الاجتماع ما إذا كانت النسبـة بين العناوين المتولّدة من الفعل الصادر عن المكلّف كما لو قام في المثال المتقدّم بقصد تعظيم العا لم والفاسق معاً ، فإنّ القيام فعل واحد تولّد من إكرام العا لم المأمور بـه وإكرام الفاسق المنهي عنـه .
ووجـه خروجـه عن محلّ النزاع:
أ نّـه لمّا كانت تلك العناوين من المسبّبات التوليديّـة التي لم تتعلّق إرادة المكلّف بها أوّلاً وبا لذات ; لكونها غير مقدورة لـه بلاواسطـة ، فلا جرم يكون متعلّق التكليف هو السبب الذي يتولّد منـه ذلك ، ومن المعلوم أ نّـه فعل واحد با لحقيقـة والهويّـة ، فلايمكن أن يتعلّق بها الحكمان ، بل نفس كون النسبـة بين الفعلين الصادرين من المكلّف العموم من وجـه لايكفي ما لم يكن التركيب انضماميّاً ، فمثل قولـه : اشرب الماء ولا تغصب ، فيما إذا شرب الماء المغصوب خارج عن مورد النزاع ; فإنّ شرب الماء بنفسـه يكون مصداقاً لكلٍّ من متعلّقي الأمر والنهي ، ولابدّ في مثل ذلك من إعمال قواعد التعارض ، وهذا بخلاف شرب الماء المباح في المكان المغصوب ; فإنّـه من مسأ لـة الاجتماع ، كما لايخفى .
(الصفحة 187)
وا لسرّ في ذلك هو : أنّ كلاّ من الأمر والنهي تعلّق بموضوع خارجي ففيما إذا كان التركيب اتّحادياً يلزم أن يتعلّق كلٌّ منهما بعين ما تعلّق بـه الآخر ، وهذا ممّا لاشكّ في استحا لتـه(1) . انتهى ملخّص ما في تقريرات المحقّق النائيني .
وأنت خبير بعدم تماميّـة كلامـه.
أمّا اعتبار كون التركيب اتّحادياً : فلأنّ الوجـه فيـه ـ كما اعترف بـه(قدس سره)ـ هو : أنّ الأمر والنهي إنّما يتعلّق كلّ واحد منهما بموضوع خارجي ، ونحن سنبيّن فساد ذلك مفصّلاً ، فانتظر .
وأمّا كون متعلّق التكا ليف في العناوين التوليديـة هي السبب الذي يتولّد منـه : فقد عرفت سابقاً أ نّـه لا وجـه لصرف الأمر عن المسبّب بعد كونـه مقدوراً ولو مع الواسطـة ; إذ هذا المقدار من المقدوريـة كاف في تصحيح تعلّق التكليف بـه .
فانقدح من جميع ما ذكرنا:
أنّ العامّين من وجـه مطلقاً وكذا العامّين مطلقاً بقسميـه داخل في محلّ النزاع .
التحقيق في جواز الاجتماع
إذا عرفت هذه الاُمور ، فاعلم أنّ الأقوى في المسأ لـة هو القول با لجواز ، وتحقيق ذلك يتمّ برسم مقدّمات :
المقدّمـة الاُولى:
أنّ الحكم الوجوبي أو التحريمي المتعلّق إلى طبيعـة لايسري منها إلى مقارناتـه الوجوديـة وملازماتـه العينيـة ، ضرورة أنّ تعلّق
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 410 ـ 412.