(الصفحة 202)
لايخفى أنّ هذا ا لمعنى ممّا لايمكن ا لالتزام بـه ; لأنّ ا لترك أمر عدمي ، وا لعدم ليس بشيء حتّى ينطبق عليـه عنوان ويتّحد معـه أو يلازمـه شيء ، فإنّ ذلك من ا لاُمور ا لمعروضـة للموجودات ، وا لعدم ليس منها .
والذي يمكن أن يقال في حلّ الإشكال:
إنّ ا لمستفاد من ا لأخبار أنّ كراهـة صوم يوم ا لعاشور إنّما هي لكونـه تشبّهاً ببني اُميّـة وبني مروان لعنهم ا للّـه جميعاً ، حيث إنّهم يتبرّكون بهذا ا ليوم ويعاملون معـه معاملـة ا لأعياد ويصومون فيـه تبرّكاً بـه ، بل لعلّـه كان من أعظم ا لأعياد ، كما يشعر بذلك بعض ا لأخبار ، فا لنهي إنّما يكون متعلّقاً با لتشبّـه بهم في ا لأعمال ا لتي كانوا يعملونها في ذلك ا ليوم لأجل ا لتبرّك بـه ومنها : ا لصوم ، فتعلّق ا لنهي ا لتنزيهي بـه إنّما هو لكونـه مصداقاً للتشبّـه بهم ، ومن ا لمعلوم أنّ نسبـة عنوان ا لتشبّـه إ لى طبيعـة ا لصوم ـ ا لتي تكون مطلوبةً في كلّ زمان ومتعلّقةً للأمر ا لوجوبي أو ا لاستحبابي في جميع ا لأيام عدا ا لعيدين ـ نسبة ا لعموم وا لخصوص من وجـه ، وقد عرفت أنّ مقتضى ا لتحقيق جواز ا لاجتماع فيـه ، فكون طبيعـة ا لصوم مأموراً بها لاينافي تعلّق ا لنهي بعنوان ا لتشبّـه بهم ، ا لذي ربّما يجتمع معها في ا لوجود ا لخارجي ، ونظير هذا ا لمعنى يمكن أن يقال في ا لنوافل ا لمبتدأة في بعض ا لأوقات ، فتدبّر .
وأمّا ا لقسم ا لثاني فجوابـه ما أفاد في ا لكفايـة ممّا ملخّصـه : كون ا لنهي إرشاداً إ لى ترك إيجاد ا لصلاة مع خصوصيّـة كونها في ا لحمّام لحصول منقصـة فيها معها ، كما أنّ ا لأمر با لصلاة في ا لمسجد إرشاد إ لى إيجادها فيـه ; لحصول مزيّـة فيها معـه ، ومَنْ أراد ا لتفصيل فليرجع إ لى ا لكفايـة(1) .
- 1 ـ نفس المصدر: 199 ـ 200.
(الصفحة 203)التنبيـه الثاني: حكم توسّط الأرض المغصوبـة
لو توسّط في أرض ا لغير ا لتي يحرم ا لتصرّف فيها لكونـه تصرّفاً في مال ا لغير بغير إذنـه بالاختيار ، فهل ا لخروج عنها ا لذي ينحصر بـه ا لتخلّص عن محذور ا لحرام يكون مأموراً بـه مع جريان حكم ا لمعصيـة عليـه أو بدونـه أو منهيّاً عنـه أو مأموراً بـه ومنهيّاً عنـه معاً أو منهيّاً عنـه با لنهي ا لسابق ا لساقط بحدوث ا لاضطرار ؟ وجوه وأقوال .
وا لحقّ أ نّـه يكون منهيّاً عنـه فعلاً ومتوجّهاً إ ليـه خطاب ا لنهي ، ولايكون مأموراً بـه فها هنا دعويان :
الاُولى:
أ نّـه لايكون مأموراً بـه ; لأنّ ا لأمر ا لذي يتوهّم تعلّقـه بـه إمّا أن يكون ا لمراد بـه ا لأمر ا لنفسي ا لاستقلالي ، وإمّا أن يكون ا لمراد بـه ا لأمر ا لغيري ا لتبعي .
أمّا الأوّل:
فيدفعـه وضوح أ نّـه ليس في ا لبين إلاّ مجرّد حرمـة ا لتصرّف في مال ا لغير ; إذ لم يكن هنا دليل يستفاد منـه حكم وجوبي متعلّق با لخروج أو با لتخلّص أو بأشباههما من ا لعناوين ، كما لايخفى .
وأمّا الثاني:
فيبتني على ا لقول باقتضاء ا لنهي عن ا لشيء ا لأمر بضدّه ا لعامّ حتّى يثبت بذلك وجوب ترك ا لتصرّف ، وعلى ا لقول با لملازمـة بين وجوب ا لمقدّمـة ووجوب ذيها حتّى يثبت بذلك وجوب ا لخروج لكونـه مقدّمةً لترك ا لتصرّف ، وقد عرفت سابقاً منع ا لاقتضاء ، وعدم ثبوت ا لملازمـة ، بل استحا لـة كلّ منهما ، فراجع ، فلايكون ا لخروج متعلّقاً للأمر ا لمقدّمي أيضاً .
الثانيـة:
كونـه منهيّاً عنـه با لخطاب ا لفعلي ، وسنده يظهر ممّا عرفت منّا مراراً من أنّ ما اشتهر بينهم من انحلال ا لخطابات ا لواردة في ا لشريعـة وتكثّرها
(الصفحة 204)
حسب تكثّر ا لمخاطبين بمعنى أنّ لكلّ مكلّف خطاباً يخصّـه وحكماً مستقلاّ ، ممّا لا دليل عليـه لو لم نقل بثبوت ا لدليل على خلافـه ، كما مرّ ، بل ا لتحقيق أنّ ا لخطابات ا لشرعيـة إنّما هي خطابات عامّـة بمعنى أنّ ا لخطاب في كلّ واحد منها واحد ، وا لمخاطب متعدّد ، ولايلحظ في هذا ا لنحو من ا لخطاب إلاّ حال ا لنوع من حيث ا لقدرة وا لعجز وا لعلم وا لجهل ، كما هو واضح .
عدم انحلال الخطابات الشرعيّـة
وا لدليل على عدم انحلال ا لخطابات ا لشرعيـة إ لى ا لخطابات ا لمتعدّدة حسب تعدّد ا لمكلّفين اُمور كثيرة :
منها:
أنّ لازمـه عدم كون ا لعصاة مكلّفاً ومخاطباً أصلاً ، ضرورة أنّ ا لبعث وا لزجر إنّما هو لغرض انبعاث ا لمكلّف وانزجاره ، وحينئذ فمع ا لعلم بعدم تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار من ا لمكلّف أصلاً كيف يجوز أن يبعثـه ا لمولى ويزجره ؟ ! وليس مجرّد إمكان تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار شرطاً لصحّـة ا لبعث ، بل ا لشرط إنّما هو احتما لهما ، ومن ا لمعلوم انتفاؤه با لنسبـة إ لى ا لعصاة في ا لتكا ليف ا لشرعيـة ، لكونـه تعا لى عا لماً بعدم تحقّق ا لانبعاث وا لانزجار من ا لعصاة أصلاً ، فلايجوز حينئذ تكليفهم ، وضرورة ا لشرع على خلافـه ، فا لواجب ا لقول بعدم كونهم مكلّفين بخصوصهم ، بل يشملهم ا لخطاب ا لعامّ ا لواحد ا لمتوجّـه إ لى جميع ا لناس .
ومنها:
أنّ لازمـه عدم وجوب ا لقضاء على ا لنائم في جميع ا لوقت ; لاستحا لـة بعثـه لغرض ا لانبعاث ، فلايكون مكلّفاً بالأداء حتّى يجب عليـه ا لقضاء مع أنّ ضرورة ا لشرع أيضاً تقضي بخلافـه .
ومنها:
أنّ لازمـه اختلاف ا لنجاسـة وا لطهارة با لنسبـة إ لى ا لمكلّفين ; لأنّـه
(الصفحة 205)
لايعقل جعل نجاسـة ا لخمر ا لموجودة في ا لمما لك ا لتي لايسافر ا لإنسان إ ليها عادة ; لأنّ ا لواضح أنّ جعل ا لأحكام ا لوضعيـة أيضاً إنّما هو لغرض ترتيب ا لأثر ، فمع عدم ا لابتلاء بـه عادة لايعقل جعل ا لنجاسـة لـه ، مع أنّ ا لخمر حرام في أيّ محلّ كان ، كما يشهد بـه ضرورة ا لفقـه .
ومنها:
غير ذلك من ا لاُمور ا لتي تقدّمت ا لإشارة إ لى بعضها سابقاً .
وحينئذ فا لتكليف ثابت با لنسبـة إ لى جميع ا لناس من ا لقادر وا لعاجز وا لعا لم وا لجاهل وا لمضطرّ وا لمختار ، غايـة ا لأمر كون ا لعاجز ونظائره معذوراً بحكم ا لعقل في مخا لفـة ا لتكليف ، لا أ نّـه خارج عن ا لمخاطبين بحيث لم يكن ا لخطاب متوجّهاً إ ليـه ، وحينئذ نقول : إنّ ا لاضطرار ا لحادث في ا لمقام بسوء ا لاختيار لايصير عذراً بنظر ا لعقل أصلاً .
أترى ثبوت ا لعذر لمن ألجأ نفسـه في ارتكاب ا لمحرّمات ا لشرعيـة بسوء ا لاختيار ، كمن اضطرّ إ لى شرب ا لخمر وأكل لحم ا لميتـة بسوء اختيار نفسـه ؟
ثمّ إنّـه لو قلنا بعدم توجّـه ا لخطاب ا لفعلي إ ليـه لكونـه مضطرّاً ولو بسوء ا لاختيار ، فلا مجال للقول بعدم استحقاقـه للعقوبـة ، بل لايرتاب فيـه عاقل أصلاً ، كيف ولازمـه عدم استحقاق من اضطرّ بسوء اختياره إ لى سائر ا لمحرّمات ا لشرعيـة للعقوبـة أصلاً ، فيجوز أن يدخل ا لإنسان داراً يعلم بأ نّـه لو دخل فيها يصير مضطرّاً إ لى شرب ا لخمر أو مكرهاً عليـه ، ولايترتّب عليـه عقوبـة أيضاً ومن ا لمعلوم أنّ ضرورة ا لشرع وا لعقل على خلافـه .
ثمّ إنّـه لو سلّمنا اقتضاء ا لنهي عن ا لشيء ا لأمر بضدّه ا لعامّ وقلنا بثبوت ا لملازمـة ا لعقليـة بين وجوب ا لمقدّمـة ووجوب ذيها وقطعنا ا لنظر عمّا ذكرنا من عدم انحلال ا لخطابات ا لشرعيـة إ لى ا لخطابات ا لمتكثّرة حسب تكثّر ا لمكلّفين ، فلايكون في ا لبين مانع من ا لالتزام بقول أبي هاشم وأتباعـه ا لقائلين بكونـه
(الصفحة 206)
مأموراً به ومنهيّاً عنه إلاّ لزوم ا لتكليف با لمحال ; لعدم قدرة ا لمكلّف على ا لامتثال .
وأمّا ا لإشكال عليـه بلزوم كون ا لتكليف بنفسـه محالاً كما في ا لكفايـة ; نظراً إ لى اجتماع ا لتكليفين هنا بعنوان واحد ; لأنّ ا لخروج بعنوانـه سبب للتخلّص وواقع بغير إذن ا لما لك(1) ، فمندفع بأنّ متعلّق ا لنهي إنّما هو ا لتصرّف في مال ا لغير بدون إذنـه ، لا عنوان ا لخروج ، ومتعلّق ا لأمر ا لمقدّمي ليس ما يحمل عليـه عنوان ا لمقدّمـة با لحمل ا لشائع ، وإلاّ يلزم أن يكون تعلّقـه بـه متوقّفاً على تحقّقـه في ا لخارج ، فيلزم أن تكون ا لمقدّمـة ا لموجودة متعلّقةً للأمر ، وهو مستحيل بداهة ، بل ا لمتعلّق لـه إنّما هو عنوان ما يتوقّف عليـه ذو ا لمقدّمـة بناء على ا لقول بثبوت ا لملازمـة مطلقاً ، وعنوان ا لموصل إ لى ذي ا لمقدّمـة بناءً على ا لقول با لمقدّمـة ا لموصلـة ، كما عرفت أ نّـه مقتضى ا لتحقيق بناءً على تسليم ا لملازمـة ، ضرورة أنّ ا لحيثيّات ا لتعليليـة كلّها ترجع إ لى ا لحيثيات ا لتقييديـة ، فمتعلّق ا لأمر ا لمقدّمي في ا لمقام هو عنوان ما يتوقّف عليـه ترك ا لتصرّف في مال ا لغير أو عنوان ا لموصل إ ليـه ، ومتعلّق ا لنهي هو عنوان ا لتصرّف في مال ا لغير ، فأين يلزم اجتماع ا لتكليفين على عنوان واحد ؟ ولولا استلزام هذا ا لقول للتكليف با لمحال كما عرفت ، لم يكن بدّ من ا لالتزام بـه .
ومن هنا تعرف صحّـة ما ذهب إ ليـه صاحب الفصول (قدس سره) من كونـه مأموراً بـه مع إجراء حكم ا لمعصيـة عليـه ; نظراً إ لى ا لنهي ا لسابق ، وذلك لخلوّه عن استلزام ا لتكليف با لمحال أيضاً(2) ، فتدبّر .
ثمّ إنّ ا لمحقّق ا لنائيني ـ على ما في ا لتقريرات ـ قد بنى ا لمسأ لـة على
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 209.
- 2 ـ الفصول الغرويّـة: 138 / السطر 25.