(الصفحة 317)
ا لمثال المتقدّم .
أمّا القسم الأوّل:
فالإشكال المتقدّم الذي يرجع إلى استلزام عدم الاختصاص با لحاضرين في زمان صدوره لتكليف المعدوم المستحيل بداهـة يندفع بما ذكرناه من كون العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام إنّما اُخذت على سبيل القضيّـة الحقيقيـة با لمعنى الذي تقدّم ، وهذا المعنى لايستلزم أن يكون المعدوم في حال العدم مكلّفاً ; لأنّ عنوان المستطيع إنّما يصدق على خصوص المكلّف الموجود الحاصل لـه الاستطاعـة ، فكما أ نّـه لايصدق على المكلّف الغير المستطيع كذلك لايصدق على المعدوم بطريق أولى ; لأنّـه ليس بشيء ، نعم بعد الوجود وصيرورتـه متّصفاً بذلك الوصف يتحقّق مصداق لذلك العنوان ، فيشملـه الحكم ، كما عرفت تفصيلـه .
وأمّا القسم الثاني:
فالإشكال الراجع إلى استحا لـة المخاطبـة مع المعدوم لايندفع بما ذكر من كون الموضوع على نحو القضيّـة الحقيقيـة ; لأنّ الخطاب با لعنوان الذي جعل موضوعاً فيها غير معقول ; إذ لا معنى للخطاب بأفراد الطبيعـة أعمّ من الموجودة والمعدومـة ، فلابدّ إمّا من الالتزام بتنزيل المعدومين منزلـة الموجودين ، وإمّا من الالتزام بما ذكر من كون هذه الخطابات خطابات كتبيـة ، والأوّل لا دليل عليـه ، كما اعترف بـه الشيخ(1) ، ومعـه لايمكن القول با لتعميم ، فلابدّ من الجواب بنحو ما ذكر ; لما عرفت من استحا لـة أن يكون الناس مخاطباً للّـه تعا لى ، بل المخاطب فيها هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وحكايتـه(صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس إنّما وقعت على سبيل التبليغ وحكايـة الوحي ، ولا تكون خطاباً منـه(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس ، كما هو واضح .
- 1 ـ اُنظر مطارح الأنظار: 204 / السطر 32.
(الصفحة 318)خاتمـة: في الثمرة بين القولين
بقي الكلام في الثمرة بين القولين ، فنقول : ربّما قيل بأ نّـه يظهر لعموم الخطابات الشفاهيـة للمعدومين ثمرتان :
الاُولى:
حجّيـة ظهور خطابات الكتاب لهم كا لمشافهين(1) .
وأورد عليـه في الكفايـة بأ نّـه مبني على اختصاص حجّيـة الظواهر با لمقصودين بالإفهام ، وقد حقّق عدم الاختصاص بهم ، ولو سلّم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ، بل الظاهر أنّ الناس كلّهم إلى يوم القيامـة يكونون كذلك وإن لَمْ يعمّهم الخطاب كما يومئ إليـه غير واحد من الأخبار(2) .
وذكر المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ أنّ ترتّب الثمرة لايبتنى على مقا لـة المحقّق القمّي ; فإنّ الخطابات الشفاهيـة لو كانت مقصورةً على المشافهين ولا تعمّ غيرهم ، فلا معنى للرجوع إليها وحجّيتها في حقّ الغير ، سواء قلنا بمقا لـة المحقّق القمّي أو لم نقل ، فلا ابتناء للثمرة على ذلك أصلاً(3) .
وفيـه:
أنّ معنى الرجوع إليـه وحجّيتـه في حقّ الغير ليس هو التمسّك بـه لإثبات حكم المعدومين حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل المراد هو التمسّك بـه لكشف حكم المشافهين بناء على الاختصاص ، ثمّ إجراء أدلّـة الاشتراك ، وحينئذ فيبتنى على مقا لـة المحقّق القمّي لو سلّم كونهم مقصودين بالإفهام ، كما ذكره في
- 1 ـ قوانين الاُصول 1: 233 / السطر 16.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 269.
- 3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 549.
(الصفحة 319)
ا لكفايـة(1) .
الثانيـة:
صحّـة التمسّك بإطلاقات الخطابات القرآنيـة بناءً على التعميم لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين وإن لم يكن متّحداً مع المشافهين في الصنف ، وعدم صحّتـه على عدمـه ; لعدم كونها حينئذ متكفّلةً لأحكام غير المشافهين ، فلابدّ من إثبات اتّحاده معهم في الصنف حتّى يحكم بالاشتراك معهم في الأحكام ، ومع عدم الدليل على ذلك ـ لأنّـه منحصر بالإجماع ، ولا إجماع إلاّ فيما إذا اتّحد الصنف ـ لا مجال للتمسّك بها .
هذا ، ولاريب في ترتّب هذه الثمرة فيما إذا كان المكلّف البا لغ الآن لما كان المشافهون واجدين لـه ممّا يحتمل مدخليّتـه في ترتّب الحكم وثبوتـه ولم يكن ممّا يزول تارةً ويثبت اُخرى ، فإنّـه حينئذ يمكن أن يكون إطلاق الخطاب إليهم اتّكالاً على ثبوت القيد با لنسبـة إليهم ; إذ لا احتياج إلى التقييد بعد ثبوتـه في المخاطبين ، فا لتمسّك بتلك الخطابات متفرّع على إثبات اتّحاد الصنف ; إذ بدونـه لا معنى لجريان أدلّـة الاشتراك ، بخلاف القول با لتعميم ; فإنّـه يصحّ بناء عليـه التمسّك بها لإثبات الأحكام وإن كان الموجودون في الحال فاقدين لما يحتمل دخلـه في الحكم ; إذ مدخليّتـه ترتفع بالإطلاق ; لأنّـه لا مجال لـه اتّكالاً على وجدان الحاضرين لـه ; لعدم اختصاص الخطاب بهم ، كما لايخفى .
(الصفحة 320)الفصل الخامس
في تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده
إذا تعقّب العامّ بضمير يرجع إلى بعض أفراده ، يوجب تخصيصـه بـه أو لا ؟ فيـه خلاف .
ومحلّ النزاع ما إذا كان العامّ موضوعاً لحكم آخر غير الحكم المترتّب على البعض المدلول عليـه با لضمير الذي يرجع إليـه ، مثل قولـه تعا لى :
(والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثـة قروء) إلى قولـه :
(وبعولتهنَّ أحقُّ بردّهنّ)(1) وأمّا إذا كانت هنا قضيـة واحدة ذكر فيها العامّ والضمير معاً ، مثل قولـه : «وا لمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردّهنّ» ، فلاشبهـة في تخصيصـه بـه ، كما هو واضح .
وهل محلّ الخلاف يختصّ بما إذا علم من الخارج بكون المراد من الضمير الواقع في القضيّـة الثانيـة هو بعض أفراد العامّ ، المذكورة في القضيّـة الاُولى ، كما في المثال المذكور ، أو يختصّ بما إذا علم لا من الخارج ، بل بمجرّد إلقاء القضيّـة الثانيـة يعلم أنّ المراد هو البعض لحكم العقل بذلك مثلاً ، كما في قولـه : أهن
(الصفحة 321)
ا لفسّاق واقتلهم ، فإنّ العقل يحكم بأنّ المراد با لضمير ليس جميع الفسّاق ; لعدم اقتضاء الفسق بنفسـه لإيجاب القتل ، بل المراد بـه هو الكفّار منهم ، أو يشمل الصورتين معاً ؟ وجوه ، وكلامهم خا ليـة عن التعرّض لهذه الجهـة .
نعم ظاهر تمثيل أكثرهم بالآيـة الشريفـة التي هي من قبيل الصورة الاُولى ; لأنّ العلم باختصاص الأحقيّـة با لردّ ببعولـة المطلّقات الرجعيّات إنّما كان مستنداً إلى دليل آخر هو عدم الاختصاص با لصورة الثانيـة ، نعم لايستفاد منـه التعميم أو الاختصاص با لصورة الاُولى ، كما لايخفى .
وكيف كان ، فإن كان محلّ البحث هي الصورة الاُولى ، فلا إشكال في أنّ أصا لـة العموم الجاريـة في القضيّـة الاُولى يقتضي الحمل على العموم ; لأنّ الأمر هنا دائر بين تخصيص واحد أو أزيد ، وقد استقرّ رأي المحقّقين من الاُصوليّين على التمسّك في نفي الزائد بأصا لـة العموم فيما إذا شكّ في تخصيص زائد با لنسبـة إلى عامّ واحد ، فضلاً عن مثل المقام الذي يكون فيـه عامّان خصّص أحدهما يقيناً والشكّ في تخصيص الآخر .
توضيحـه:
أنّ القضيّـة المشتملـة على الضمير إنّما تقتضي بظاهرها ثبوت الحكم با لنسبـة إلى جميع أفراد العامّ ; لأنّ الضمير موضوع للإشارة إلى مرجعـه الذي هو العامّ في المقام ، فقولـه : وبعولتهنّ بمنزلـة قولـه : وبعولـة المطلّقات ، والعلم باختصاصها با لرجعيات لايوجب استعمال الضمير فيها حتّى تلزم المجازيـة ; لما عرفت من أنّ التخصيص إنّما يقتضي قصر الإرادة الجدّيـة على غير مورد الخاصّ ، ولايوجب أن يكون العامّ مستعملاً فيما عدا مورده ، وحينئذ فا لدليل على تخصيص القضيّـة الثانيـة لايوجب تصرّفاً في القضيّـة الاُولى أصلاً ; لما عرفت من أنّ مورد الشكّ في التخصيص يكون المرجع فيـه أصا لـة العموم .
ومن هنا انقدح:
أ نّـه لا مجال حينئذ لهذا النزاع بعدما تقدّم منهم من عدم