(الصفحة 325)
أ نّـه جزء الموضوع ، والخمريـة جزء آخر ، ويعبّر عنـه بمنصوص العلّـة ، وإطلاق المفهوم عليـه بعيد .
ثمّ إنّ هذه الاحتمالات التي ذكرنا ليس من قبيل مانعـة الجمع ، بل على سبيل منع الخلوّ ، فيمكن أن يكون المراد بمفهوم الموافقـة هو الأمر الجامع بينهما ، وهو القضيّـة الخارجـة عن محلّ النطق المشتركـة في الإيجاب والسلب .
إذا عرفت ذلك:
فاعلم أ نّـه لو كان المراد بمفهوم الموافقـة هو الاحتمال الراجع إلى إلغاء الخصوصيـة ، فلا إشكال في تقديمـه على العامّ إذا كان أخصّ منـه ; لأنّـه بنظر العرف مفاد نفس الكلام الملقى إليهم ، ولايحتاج في استفادتـه إلى إعمال حكم العقل أيضاً ، وكذا لو كان المراد بـه هو الاحتمال الثاني أو الثا لث أو الأخير ; لأنّـه في جميع الصور مستفاد من نفس الكلام كما لايخفى في الأوّلين .
وأمّا الأخير فلأنّ التعليل لايتمّ بدون انضمام كبرى كلّيـة مطويّـة ; فإنّـه لو لم يكن «كلّ مسكر حرام» لما يصحّ تعليل الحرمـة في الخمر بأ نّـه مسكر فا لكبرى التي يكون مورد المفهوم من صغرياتها ، مستفادة من نفس الكلام ولايحتاج إلى شيء آخر اصلا .
وأمّا لو كان المراد بـه هو الاحتمال الرابع الذي مرجعـه إلى استفادتـه من القضيّـة المنطوقيـة بضميمـة حكم العقل بالأولويـة القطعيـة ، فقد يقال ـ كما في تقريرات المحقّق النائيني(قدس سره) ـ بأ نّـه لايعقل أن يكون المفهوم معارضاً للعامّ من دون معارضـة منطوقـه ; لأنّا فرضنا أنّ المفهوم موافق للمنطوق ، وأ نّـه يستفاد حكمـه منـه ، فكيف يعقل أن يكون المنطوق أجنبيّاً عن العامّ وغير معارض لـه مع كون المفهوم معارضاً ؟ ! فا لتعارض يقع ابتداء بين المنطوق والعامّ ، ويتبعـه وقوعـه بين المفهوم والعامّ ، وحينئذ فلابدّ أوّلاً من علاج التعارض بين المنطوق والعامّ ،
(الصفحة 326)
ويلزمـه العلاج بين المفهوم والعامّ(1) .
أقول:
هذه الدعوى بنحو الكلّيـة ممنوعـة ; لعدم التلازم بين كون المفهوم معارضاً للعامّ وكون المنطوق أيضاً كذلك ، بل يمكن الانفكاك بينهما في بعض الموارد .
مثالـه:
ما لو قال : لا تكرم العلماء ، ثمّ قال : أكرم جهّال خدّام النحويّين ، فإنّ المنطوق في المثال لايعارض العامّ ; لأنّ الجهّال غير داخل في العلماء مع أنّ المفهوم ـ وهو وجوب إكرام علماء خدّام النحويّين ، وكذا إكرام النحويّين ـ معارض للعامّ ، كما هو واضح .
وحينئذ فا لموارد مختلفـة ، فلو كانت المعارضـة بين المنطوق والعامّ أيضاً ، فلابدّ أوّلاً من علاج التعارض بينـه وبين العامّ ، ويلزمـه العلاج بين المفهوم والعامّ .
وأمّا لو كانت المعارضـة منحصرةً با لمفهوم ، فقد يقال في وجـه ترجيحـه على العامّ ولو كان التعارض با لعموم والخصوص من وجـه : بأنّ الأمر هنا يدور بين رفع اليد عن العموم وتخصيصـه با لمفهوم ، وبين رفع اليد عن المنطوق المستلزم للمفهوم عقلاً ، وبين رفع اليد عن المفهوم مع ثبوت الحكم في المنطوق ، والثاني لا سبيل إليـه بعد كون المنطوق أجنبيّاً عن العامّ ، وغير معارض لـه ، كما هو المفروض ، والثا لث كذلك ; لأنّ رفع اليد عن خصوص المفهوم يوجب نفي الملازمـة ورفع اليد عنها مع كونها عقليّةً قطعيّةً ، فينحصر في الأوّل الذي مرجعـه إلى رفع اليد عن ظهور لفظي .
ولكن لايخفى:
أنّ الملازمـة تقتضي عدم الانفكاك بين المنطوق والمفهوم ،
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 556.
(الصفحة 327)
فإذا كانت المعارضـة بين المفهوم والعامّ ، فا لملازمـة بين المنطوق والمفهوم توجب سرايتها إليـه ، وكونـه معارضاً للعامّ با لتبع ، وحينئذ فلابأس بتقديم العامّ على المفهوم ، والحكم برفع اليد عن المنطوق أيضاً بسبب الملازمـة ، فلم يستلزم تقديم العامّ على المفهوم الإخلال با لملازمـة ، وكذا رفع اليد عن المنطوق بلا وجـه أمّا الأوّل : فواضح ، وأمّا الثاني : فلأنّ رفع اليد عنـه إنّما هو لرفع اليد عن المفهوم الملازم لـه ، كما لايخفى .
هذا كلّـه في المفهوم الموافق .
المقام الثاني: في تخصيص العامّ بالمفهوم المخالف
وأمّا المفهوم المخا لف فقد اختلف في جواز تخصيص العامّ بـه .
وينبغي أن يعلم أنّ محلّ النزاع إنّما هو فيما إذا كان هنا عامّ وكان المفهوم معارضاً لـه با لعموم والخصوص .
وأمّا فرضـه فيما إذا كان هنا مطلق ومقيّد ثمّ إجراء أحكام تلك المسأ لـة عليـه ، مثل قولـه(صلى الله عليه وآله وسلم) :
«خلق اللّـه الماء طهوراً لاينجّسـه شيء»(1) الحديث ، وقولـه(عليه السلام) :
«إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسـه شيء»(2) حيث إنّ ظاهر الدليل ا لأوّل كون تمام الموضوع للطهوريّـة والاعتصام هو نفس الماء ، وظاهر الدليل الثاني مدخليّـة الكرّيـة أيضاً ، فيجب حمل المطلق على المقيّد ، ففيـه : أ نّـه خارج
- 1 ـ المعتبر: 8 / السطر 32، وسائل الشيعـة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.
- 2 ـ تهذيب الأحكام 1: 39 / 107، الاستبصار 1: 6 / 1، وسائل الشيعـة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1 و 2.
(الصفحة 328)
عن محلّ البحث ; فإنّ مورده هو ما إذا كان المفهوم معارضاً للعامّ با لعموم والخصوص .
مثا لـه : ما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : إذا جاءك زيد العا لم فأكرمـه ، فإنّ مفهومـه أ نّـه إذا لم يجئك فلايجب إكرامـه ، وهو يخا لف العموم .
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أ نّـه إذا ورد العامّ وما لـه المفهوم في كلام واحد ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فإن كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق بقرينـة مقدّمات الحكمـة ، أو كان كلٌّ منهما با لوضع ، فا لظاهر إجمال الدليل ، ووجوب الرجوع إلى الاُصول العمليّـة ، وإلاّ فلو كان واحد منهما مستفاداً من الإطلاق ، والآخر با لوضع ، فلاشبهـة في كون الترجيح مع الظهور الوضعي ; لعدم تماميـة مقدّمات الحكمـة معـه .
وأمّا لو كانا في كلامين لايصلح أن يكون واحد منهما قرينةً متّصلة للآخر ، فإن كان أحدهما مستفاداً من الإطلاق والآخر مدلولاً عليـه با لوضع ، فلاشبهـة في تقديمـه على الأوّل لو كان عدم البيان المأخوذ في مقدّمات الحكمـة أعمّ من البيان المتّصل ، وعلى تقدير الاختصاص بـه يتمّ الإطلاق ، ويعارض الآخر ، مثل ما إذا كان كلّ واحد منهما مستفاداً من الإطلاق أو مدلولاً عليـه با لوضع ، والترجيح فيـه يدور مدار الأظهريـة ، كما لايخفى .
(الصفحة 329)الفصل السابع
تخصيص الكتاب بالخبر الواحد
لاشبهـة في جواز تخصيص الكتاب با لخبر الواحد المعتبر با لخصوص ، كما يجوز با لكتاب وبا لخبر المتواتر أو الواحد المحفوف با لقرينـة القطعيـة اتّفاقاً ; لوضوح استقرار سيرة الأصحاب على العمل با لخبر الواحد في قبال عمومات الكتاب .
وعمدة ما يتوهّم سنداً للمنع هي الأخبار الدالّـة على وجوب طرح الأخبار المخا لفـة للقرآن(1) ، وضربها على الجدار(2) ، وأ نّها زخرف(3) ، وأ نّها ممّا لم يقل بـه الإمام(عليه السلام)(4) على اختلاف ألسنتها .
- 1 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 10 و19 و 29 و 35.
- 2 ـ الكافي 1: 69 / 3.
- 3 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث12 و14.
- 4 ـ نفس المصدر، الحديث 15.