(الصفحة 370)
ا لخمريـة ، وكلّ معلوم الخمريـة يجب الاجتناب عنـه» ; لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر ، لا لما علم أنّـه خمر(1) .
فيرد عليـه:
المنع في مورد الظنّ أيضاً ، فإنّ وجوب الاجتناب مثلاً إنّما هو حكم لنفس الخمر ، لا للخمر المظنون ، كما هو واضح . فإن كان المراد با لحجّـة ما ذكره فإطلاقها على الأمارات أيضاً ممنوع ، وإن كان المراد بها هي ما يحتجّ بـه المولى على العبد ، ويصحّ لـه الاحتجاج بـه عليـه فهو متحقّق في كليهما ، كما لايخفى . ومجرّد كون حجّيـة القطع غير مجعولـة ـ بخلاف الظنّ ـ لايوجب خروجها عن مسائل علم الاُصول .
إذا عرفت ذلك فاعلم:
أنّـه ذكر الشيخ(قدس سره) في «ا لرسا لـة» : أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي فيحصل لـه إمّا الشكّ فيـه أوا لقطع أوا لظنّ(2) ، وظاهره ـ باعتبار أخذ الشكّ والظنّ في التقسيم ـ أنّ المراد با لحكم الشرعي هو الحكم الشرعي الواقعي .
ولذا عدل عن هذا التقسيم في «ا لكفايـة» ; نظراً إلى عدم اختصاص أحكام القطع بما إذا كان متعلّقاً بالأحكام الواقعيـة ، وعمّم متعلّق القطع(3) .
ولكنّـه يرد عليـه : أنّ جعل حكم العقل باتباع الظنّ ـ لو حصل ، وقد تمّت مقدّمات الانسداد على تقدير الحكومـة ـ في مقابل القطع ممّا لا وجـه لـه ; لأنّ المراد با لقطع الحاصل إن كان هو القطع التفصيلي فا للازم أن يكون البحث عن القطع الإجما لي في باب أحكام القطع استطرادياً ، وإن كان المراد الأعمّ منـه ومن الإجما لي فلا وجـه لجعل الظنّ المذكور مقابلاً لـه ; لأنّ حكم العقل باتباع الظنّ
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 4.
- 2 ـ نفس المصدر 1: 2.
- 3 ـ كفايـة الاُصول: 296.
(الصفحة 371)
ليس لاعتباره بنفسـه ، بل منشأه العلم الإجما لي بثبوت التكا ليف ، فوجوب العمل على طبقـه إنّما هو لوجود الحجّـة القطعيـة الإجما ليـة ، وعدم إمكان تحصيل الموافقـة القطعيـة ، أو عدم وجوبـه ، كما لايخفى .
نعم ، يرد على ما ذكره الشيخ من التقسيم التثليثي إشكال التداخل ، فإنّ الظنّ إن قام دليل على اعتباره فهو ملحق با لعلم ، وإلاّ فملحق با لشكّ .
ولكنّـه اعتذر عنـه بعض المحقّقين ـ على ما في تقريرات بحثـه ـ بأنّ عقد البحث في الظنّ إنّما هو لأجل تميّز الظنّ المعتبر الملحق با لعلم عن الظنّ الغير المعتبر الملحق با لشكّ ، فلابدّ أوّلاً من تثليث الأقسام ، ثمّ البحث عن حكم الظنّ ; من حيث الاعتبار وعدمـه(1) .
ولكنّـه لايخفى أنّ تثليث الأقسام لو كان توطئـة لما كان وجـه لتقييد مجرى الاستصحاب بكون الحا لـة السابقـة ملحوظـة ، فإنّ الظاهر أنّ هذا التقييد إنّما هو لأجل بيان المختار في مجرى الاستصحاب ، وسوق العبارة تقتضي كون التثليث أيضاً وقع من باب بيان الحقّ ، لا مجرّد التوطئـة ، فتدبّر .
نعم، يمكن التثليث بوجـه آخر:
وهو أنّ المكلّف إذا التفت إلى الحكم الشرعي الواقعي فإمّا أن يحصل لـه القطع بـه أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون لـه طريق شرعي أو لا ، وعلى الثاني يرجع إلى الاُصول العمليـة . وحينئذ فا لظنّ الانسدادي ـ بناءً على الحكومـة ـ من مسائل القطع ; لأنّـه أعمّ من القطع الإجما لي ، كما أنّ بعض مباحث الاشتغال إنّما يدخل فيـه أيضاً ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ المراد با لمكلّف الذي يحصل لـه أحد الأقسام هو خصوص المجتهد ; إذ المراد من الالتفات هو الالتفات التفصيلي الحاصل للمجتهد ، ولا اعتبار بظنّ
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 4.
(الصفحة 372)
ا لمقلّد وشكّـه ، فلايشملـه الخطابات الواردة في أدلّـة اعتبار الطرق والأمارات ، مثل قولـه(عليه السلام)
«لا تنقض اليقين بالشكّ»(1) ; ضرورة أنّـه لايكاد يحصل للمقلّد ا لشكّ واليقين في الشبهات الحكميـة ، وعلى فرض الحصول فلا عبرة بهما ما لم يكن مجتهداً في مسألـة حجّيـة الاستصحاب .
وكيف كان فقد ذكروا في مقام بيان أحكام القطع وأقسامـه اُموراً :
- 1 ـ تهذيب الأحكام 1: 8 / 11، وسائل الشيعـة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1.
(الصفحة 373)الأمر الأوّل
وجوب متابعـة القطع وحجّيتـه
لاشبهـة في وجوب العمل على وفق القطع ، ولزوم الحركـة على طبقـه عقلاً . ولايخفى أنّ المراد با لقطع الذي يجب العمل على وفقـه إن كان هو نفس صفـة القطع التي هي من صفات النفس فلا معنى للعمل على طبقـه ; لأنّـه لا عمل لـه ، كما هو واضح ، وإن كان المراد بـه هو الشيء المقطوع بـه فوجوب العمل على وفقـه عقلاً وإن كان ممّا لاريب فيـه إلاّ أنّ هذا الحكم ليس من أحكام القطع ، مثلاً لو قطع بوجوب صلاة الجمعـة فا لعقل وإن كان يحكم بلزوم الإتيان بها ; نظراً إلى لزوم إطاعـة المولى إلاّ أنّ لزوم الإتيان بها ليس من أحكام القطع .
وإن شئت قلت : إنّـه ليس في البين إلاّ حكم العقل بوجوب إطاعـة المولى ، وهو من المسائل الكلاميـة الغير المرتبطـة با لمقام .
نعم ، ما يصحّ أن يعدّ من أحكام القطع هو كونـه منجّزاً للواقع على تقدير الإصابـة ; بحيث لايبقى للمكلّف القاطع عذر أصلاً ، كما هو واضح .
وأمّا ثبوت العذر على تقدير عدم الإصابـة فلايكون أيضاً من أحكام القطع ; لأنّ المعذوريـة إنّما هو بسبب الجهل با لواقع ، وعدم الطريق إليـه ،
(الصفحة 374)
لابسبب القطع با لخلاف .
ثمّ إنّهم ذكروا:
أنّ الحجّيـة والكاشفيـة من لوازم القطع ، ولايحتاج إلى جعل جاعل ; لعدم جعل تأليفي حقيقـة بين الشيء ولوازمـه ، وظاهرهم : أنّ ذلك من لوازم ماهيـة القطع ، كما يظهر من تنظير بعضهم ذلك با لزوجيـة با لنسبـة إلى الأربعـة(1) .
ولايخفى ما فيـه:
أمّا صفـة الكاشفيـة والطريقيـة فلو كانت من لوازم القطع التي لاتنفكّ عنـه ، كما هو الشأن في لوازم الماهيـة فا للازم أن لايتحقّق القطع على خلاف الواقع أصلاً ، مع أنّا نرى با لوجدان تحقّقـه على كثرة ، فكيف يمكن أن تعدّ هذه الصفـة من الأوصاف التي تلازم طبيعـة القطع ؟ !
نعم ، الكاشفيـة بحسب نظر القاطع ثابتـة في جميع الموارد ، ولكن هذا التقييد يخرجها عن كونها ذاتيـة للقطع ; لأنّ الذاتيات لا فرق فيها ; من حيث الأنظار أصلاً ، كما لايخفى .
وإن شئت قلت : إنّ الكاشفيـة بحسب نظر القاطع من لوازم وجود القطع ، لاماهيتـه ، ولوازم الوجود كلّها مجعولـة . نعم ، لا معنى لتعلّق الجعل التشريعي بـه ، مع كونـه من لوازم الوجود ; للزوم اللغويـة .
وأمّا الحجّيـة فهي حكم عقلي مترتّب على القطع ، بمعنى أنّ العقل والعقلاء لايرون القاطع معذوراً في المخا لفـة أصلاً ، ويصحّ عندهم أن يحتجّ بـه المولى على العبد ، ويعاقب العبد بسبب مخا لفـة القطع .
ومن هنا لايصحّ للشارع جعل الحجّيـة لـه ; لكونـه لغواً ، لا لكونـه من لوازم الماهيـة ، فتدبّر .
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 297، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 6.