(الصفحة 46)
ا لذي تعلّقت بـه الإرادة الأوّليـة .
وبا لجملـة فلا إشكال في أنّ كلّ إرادة معلولـة للنفس وموجدة بفعّا ليتها ، ولايعقل أن تكون علّتـه الإرادة المتعلّقـة بشيء آخر ، كما حقّق في محلّـه ، وهكذا الوجوب المتعلّق بشيء لايعقل أن يسري إلى شيء آخر أصلاً .
وحينئذ فنقول:
إنّ الملازمـة بين الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة وبين الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة على تقدير ثبوتها إنّما هي لتوقّف حصول غرض المولى على تحقّقها في الخارج ، لا لتحقّق الإرادة بذي المقدّمـة ، فإن تعلّقها بها أيضاً للتوصّل إلى تحصيل غرضـه ، فإذا فرض في مقام عدم تعلّق الإرادة الفعليـة بذي المقدّمـة ـ كما في المقام ـ فلايمنع عن تعلّق الإرادة الفعليـة با لمقدّمـة ; لبقاء ملاك تعلّق الإرادة بها ، وهي توقّف حصول غرض المولى عليها على حا لها .
وبا لجملـة ، فلو فرض في مقام اطّلاع العبد على أنّ المولى يريد شيئاً على تقدير خاص ، وفرض العلم بتحقّق ذلك التقدير المستلزم للعلم بإرادتـه قطعاً ، وفرض أيضاً توقّف حصول ذلك الشيء على أمر لايمكن تحصيلـه بعد تحقّق شرط الوجوب ، فمن الواضح أنّ العقل يحكم بوجوب الإتيان بمقدّمـة ذلك الشيء وإن لم تكن الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة موجودةً با لفعل .
وا لحاصل أ نّـه حيث يكون الدائر على ألسنتهم أنّ الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة ناشئـة من الإرادة المتعلّقـة بذي المقدّمـة ، ورأوا أنّ المشهور لايلتزمون بوجود الإرادة قبل تحقّق الشرط في الواجب المشروط ، فلذا أوردوا على المشهور بأ نّـه لايبقى وجـه لوجوب المقدّمـة قبل تحقّق الشرط(1) .
- 1 ـ هدايـة المسترشدين: 217 / السطر 1، بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 346 / السطر 22.
(الصفحة 47)
وبما حقّقناه قد ظهر لك أ نّـه لا وجـه لهذا الإيراد أصلاً ، كما عرفت .
ثمّ إنّـه لو قلنا بخلاف ما عليـه المشهور والتزمنا بما التزم بـه ذلك البعض من تحقّق الإرادة قبل تحقّق الشرط ، فتعلّقها با لمقدّمـة أيضاً مورد منع ; فإنّـه لايعقل ترشّح الإرادة المطلقـة با لمقدّمـة من الإرادة التقديريـة المتعلّقـة بذي المقدّمـة بعد لزوم السنخيـة بين المعلول وعلّتـه ، فإنّـه كيف يمكن أن تكون الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة مطلقةً بمعنى وجوب تحصيلها فعلاً ، مع أنّ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة تقديريـة كما هو واضح .
والمتحصّل من جميع ما ذكرنا في الواجب المشروط اُمور:
الأوّل:
أنّ القيود بحسب الواقع على قسمين .
الثاني:
أنّ القيود راجعـة إلى الهيئـة ، كما هو ظاهر اللّفظ ، ولا امتناع في رجوعها إليها ، كما ينسب إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(1) .
الثالث:
أنّ الحكم إنّما ينتزع من نفس البعث والزجر ، والدليل عليـه أ نّـه يجعل مقسماً للحكم التكليفي والوضعي ، ولا معنى للقول بأنّ الحكم في الأحكام الوضعيـة عبارة عن الإرادة مطلقـة أو مقيّدة بالإظهار ، كما هو واضح .
الرابع:
أنّ الوجوب في الواجب المشروط إنّما هو بعد تحقّق الشرط لا قبلـه .
الخامس:
أ نّـه تكون المقدّمات واجبةً قبل تحقّق الشرط ولو لم تكن ذو المقدّمـة واجباً قبلـه ، كما عرفت تحقيقـه .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 46 / السطر 2.
(الصفحة 48)
الأمر الخامس
في الواجب المعلّق والمنجز
ربّما يقسّم الواجب أيضاً ببعض الاعتبارات إلى معلّق ومنَجّز ، ويقال ـ كما في الفصول ـ : إنّ المراد با لمنجّز هو الذي يتعلّق وجوبـه با لمكلّف ، ولايتوقّف حصولـه على أمر غير مقدور لـه ، كا لمعرفـة وبا لمعلّق هو الذي يتعلّق وجوبـه با لمكلّف ويتوقّف حصولـه على أمر غير مقدور لـه كا لحجّ ، فإنّ وجوبـه يتعلّق با لمكلّف من أوّل زمن الاستطاعـة أو خروج الرفقـة ، ويتوقّف فعلـه على مجيء وقتـه ، وهو غيرمقدورلـه .
وا لفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو : أنّ التوقّف هناك للوجوب وهنا للفعل(1) .
ولايخفى:
أنّ الالتزام با لواجب المعلّق إنّما هو للتخلّص عمّا أورد على المشهور في الواجب المشروط من أ نّـه بناء على عدم تحقّق الإرادة قبل حصول الشرط كما هو مذهبـه لم يبق وجـه لسرايـة الإرادة إلى المقدّمات قبل حصولـه فإنّـه حيث تعسّر عليهم رفع هذا الإيراد مع ما رأوا في بعض الموارد من دلالـة بعض الأخبار على وجوب المقدّمات في بعض الواجبات المشروطـة قبل تحقّق شرطها فلذا تمسّكوا بذيل الواجب المعلّق والتزموا بثبوت الوجوب فيـه قبل حصول شرط الواجب بخلاف المشروط .
- 1 ـ الفصول الغرويّـة: 79 / السطر 35.
(الصفحة 49)ما أفاده بعض الأعلام في إنكار الواجب المعلّق
ثمّ إنّـه يظهر من بعضهم إنكار الواجب المعلّق مدّعياً استحا لـة كون الإرادة موجودة قبل المراد(1) .
وأطال الكلام في النقض والإبرام في هذا المقام بعض المحقّقين في تعليقتـه على الكفايـة .
وخلاصـة ما ذكره هناك:
أنّ النفس مع وحدتها ذات منازل ودرجات ، ففي مرتبـة القوّة العاقلـة مثلاً تدرك في الفعل فائدة عائدة إليها ، وفي مرتبـة القوّة الشوقيـة ينبعث لها شوق إلى ذلك الفعل ، فإذا لم يجد مزاحماً ومانعاً ، يخرج ذلك الشوق من حدّ النقصان إلى حدّ الكمال الذي يعبّر عنـه با لقصد والإرادة ، فينبعث من هذا الشوق البا لغ حدّ نصاب الباعثيـة هيجان في مرتبـة القوّة العاملـة المنبثّـة في العضلات ، ومن الواضح أنّ الشوق وإن أمكن تعلّقـه بأمر استقبا لي إلاّ أنّ الإرادة ليس نفس الشوق بأيّـة مرتبـة كان ، بل الشوق البا لغ حدّ النصاب بحيث صارت القوّة الباعثـة باعثةً للفعل ، وحينئذ فلايتخلّف عن انبعاث القوّة العاملة وهيجانها لتحريك العضلات غير ا لمنفكّ عن حركتها ، ولذا قا لوا : إنّ الإرادة هو الجزء الأخير من العلّـة التامّـة لحركـة العضلات(2) .
فمن يقول بإمكان تعلّقها بأمر استقبا لي إن أراد حصول الإرادة التي هي علّـة تامّـة لحركـة العضلات إلاّ أنّ معلولها حصول الحركـة في ظرف كذا ، فهو عين انفكاك العلّـة عن المعلول .
- 1 ـ تشريح الاُصول: 191 / السطر 21.
- 2 ـ شرح المنظومـة، قسم الحكمـة: 294، الحكمـة المتعاليـة 6: 323، الهامش 1.
(الصفحة 50)
وإن أراد أنّ ذات العلّـة ـ وهي الإرادة ـ موجودة من قبل إلاّ أنّ شرط تأثيرها ـ وهو حضور وقت المراد ـ حيث لم يكن موجوداً ما أثّرت العلّـة في حركـة العضلات .
ففيـه : أنّ حضور الوقت إن كان شرطاً في بلوغ الشوق إلى حدّ الكمال المعبّر عنـه بالإرادة ، فهو عين ما قلنا من أنّ حقيقـة الإرادة لا تنفكّ عن الانبعاث ، وإن كان شرطاً في تأثير الشوق البا لغ حدّ الإرادة الموجود من أوّل الأمر ، فهو غير معقول ; لأنّ عدم التأثير مع كون الشوق با لغاً إلى حدّ الباعثيـة لايعقل ; لعدم انفكاك البعث الفعلي عن الانبعاث ، فاجتماع البعث وعدم تحقّق الانبعاث ليس إلاّ كاجتماع المتناقضين .
وأمّا ما ذكر في المتن:
من لزوم تعلّق الإرادة بأمر استقبا لي إذا كان المراد ذا مقدّمات كثيرة ، فإنّ إرادة مقدّماتـه منبعثـة عن إرادة ذيها قطعاً(1) ، فتوضيح الحال فيـه أنّ الشوق إلى المقدّمـة لابدّ من انبعاثـه من الشوق إلى ذيها ، لكن الشوق إلى ذيها لمّا لم يمكن وصولـه إلى حدّ الباعثيـة لتوقّف المراد على مقدّمات ، فلا محا لـة يقف في مرتبتـه إلى أن يمكن الوصول ، وهو بعد طيّ المقدّمات ، فا لشوق با لمقدّمـة لا مانع من بلوغـه إلى حدّ الباعثيـة الفعليـة ، بخلاف الشوق إلى ذيها ، وما هو المسلّم في باب التبعيـة تبعيّـة الشوق للشوق لا تبعيـة الجزء الأخير من العلّـة ، فإنّـه محال ، وإلاّ لزم إمّا انفكاك العلّـة عن المعلول أو تقدّمـه عليها .
هذا كلّـه في الإرادة التكوينيـة .
وأمّا الإرادة التشريعيـة:
فهي عبارة عن إرادة فعل الغير منـه اختياراً وحيث إنّ المشتاق إليـه فعل الغير الصادر باختياره ، فلا محا لـة ليس بنفسـه تحت
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 128 ـ 129.