(الصفحة 467)
ا لتبيّن عن الخبر الذي جاء بـه الفاسق لا مطلق الخبر ، كما هو واضح ، ومن المعلوم انتفاء ذلك عند انتفاء الشرط ، وهو مجيء الفاسق با لخبر ; لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعـه ; إذ لايعقل التبيّن عن خبر الفاسق مع عدم مجيئـه بـه . وحينئذ فا لقضيـة السا لبـة المفهوميـة إنّما هي سا لبـة بانتفاء الموضوع ، فتكون الجملـة الشرطيـة مسوقـة لبيان تحقّق الموضوع ، كما في قول القائل : «إن رزقت ولداً فاختنـه» ونظائر هذا المثال(1) .
وهنا تقريبات لبيان ثبوت المفهوم للآيـة:
أحدها:
ما أفاده في «ا لكفايـة» : أنّ الشرط هو كون الجائي با لخبر فاسقاً ، والموضوع المفروض هو نفس النبأ المتحقّق ، فمرجع الآيـة إلى أنّ النبأ إن كان الجائي بـه فاسقاً ، فيجب التبيّن ، ومفهومـه أنّـه إن لم يكن الجائي بـه فاسقاً فينتفي وجوب التبيّن ، وهو لايصدق إلاّ مع مجيء العادل بـه(2) .
هذا ، ويرد عليـه : أنّ هذا تصرّف في الآيـة ، وحمل لها على غير المعنى الظاهر بلا دليل .
ثانيها:
ما أفاده المحقّق العراقي ـ على ما في تقريرات بحثـه ـ وملخّصـه : أنّـه لاشبهـة في أنّ استخراج المفهوم من القضايا يحتاج إلى تجريد الموضوع المذكور في المنطوق في ناحيـة المفهوم من القيود التي اُريد استخراج المفهوم من جهتها ، وحينئذ فنقول : إنّ المحتملات المتصوّرة في الشرط في الآيـة ثلاثـة :
منها:
كون الشرط فيها نفس المجيء خاصّـة مجرّداً عن متعلّقاتـه ، وعليـه يتمّ ما أفاده الشيخ من انحصار المفهوم فيها با لسا لبـة بانتفاء الموضوع ، فإنّ لازم
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 118.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 340.
(الصفحة 468)
ا لاقتصار على التجريد على خصوص المجيء هو حفظ إضافـة الفسق في ناحيـة الموضوع بجعلـه عبارة عن النبأ المضاف إلى الفاسق .
ومنها:
كون الشرط هو المجيء مع متعلّقاتـه ، ولازمـه هو كون الموضوع نفس النبأ ، مجرّداً عن إضافتـه إلى الفاسق أيضاً ، وعليـه يكون للآيـة مفهومان : أحدهما السا لبـة بانتفاء الموضوع ، وثانيهما السا لبـة بانتفاء المحمول .
ومنها:
كون الشرط عبارة عن الربط الحاصل بين المجيء والفاسق الذي هو مفاد كان الناقصـة ، ولازمـه هو الاقتصار في التجريد على خصوص ما جعل شرطاً ; أعني الإضافـة الحاصلـة بين المجيء والفاسق ، وينحصر المفهوم فيـه با لسا لبـة بانتفاء المحمول .
هذا ، ولكن الأخير من هذه الوجوه الثلاثـة في غايـة البعد ; لظهور الجملـة الشرطيـة في الآيـة في كون الشرط هو المجيء ، أو مع إضافتـه إلى الفاسق ، لا الربط الحاصل بين المجيء والفاسق بما هو مفاد كان الناقصـة مع خروج نفس المجيء عن الشرطيـة ; كي يلزمـه ما ذكر من كون الموضوع فيها هو النبأ المجيء بـه ، كما أفاده في «ا لكفايـة» .
ويتلوه في البعد الوجـه الأوّل ، فإنّ ذلك أيضاً ينافي ظهور الآيـة المباركـة ، فإنّ المتبادر المنساق منها عرفاً كون الشرط هو المجيء بما هو مضاف إلى الفاسق ، نظير قولـه «إن جاءَك زيد بفاكهـة يجب تناولها» ، وعليـه فكما يجب تجريد الموضوع في الآيـة عن إضافتـه إلى المجيء كذلك يجب تجريده عن متعلّقاتـه ، فيكون الموضوع نفس طبيعـة النبأ ، لا النبأ الخاصّ المضاف إلى الفاسق ، ولازمـه جواز التمسّك بإطلاق المفهوم في الآيـة ; لعدم انحصاره حينئذ في السا لبـة بانتفاء الموضوع(1) ، انتهى .
- 1 ـ نهايـة الأفكار 3: 111 ـ 112.
(الصفحة 469)
ثالثها:
ما في تقريرات المحقّق النائيني ، وملخّصـه : أنّـه يمكن استظهار كون الموضوع في الآيـة مطلق النبأ ، والشرط هو مجيء الفاسق بـه من مورد النزول(1) ، فإنّ موردها إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق ، فقد أجتمع في إخباره عنوانان : كونـه من الخبر الواحد ، وكون المخبر فاسقاً ، والآيـة الشريفـة إنّما وردت لإفادة كبرى كلّيـة لتمييز الأخبار التي يجب التبيّن عنها عن غيرها ، وقد علّق وجوب التبيّن على كون المخبر فاسقاً ، فيكون الشرط لوجوب التبيّن هو كون المخبر فاسقاً ، لا كون الخبر واحداً ; إذ لو كان الشرط ذلك لعلّق وجوب التبيّن في الآيـة عليـه ; لأنّـه بإطلاقـه شامل لخبر الفاسق . فجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن انتفاء التبيّن في خبر غير الفاسق(2) ، انتهى .
رابعها:
تقريب آخر أفاده الاُستاذ(3) ، وهو أنّـه لا فرق في شمول العامّ لأفراده بين كونها أفراداً ذاتيـة لـه أو عرضيـة ، إذا كانت شمولـه للثانيـة بنظر العرف حقيقـة ، فكما أنّ الأبيض صادق على نفس البياض ذاتاً كذلك صادق على الجسم المتصف بـه ، مع أنّ صدقـه عليـه عرضي عند العقل . وحينئذ نقول : إنّ لعدم مجيء الفاسق با لخبر فرد ذاتي ، هو عدم تحقّق الخبر أصلاً ، وأفراد عرضيـة هي مجيء العادل بـه ، فكما يشمل ا لعامّ الذي هو مفهوم الآيـة الفرد الذاتي كذلك يشمل الفرد العرضي أيضاً .
هذا ، ويرد على الأخير ثبوت الفرق بين المثال والممثّل ، فإنّ صدق عنوان الأبيض على نفس البياض في المثال يكون أخفى من صدقـه على الفرد العرضي الذي هو الجسم المتصف بـه ، بخلاف المقام ، فإنّ صدق المفهوم على الفرد
- 1 ـ أسباب النزول: 277 ـ 278، التبيان 9: 343، مجمع البيان 9: 198.
- 2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 169.
- 3 ـ أنوار الهدايـة 1: 283 ـ 285.
(الصفحة 470)
ا لعرضي ، وهو مجيء العادل با لنبأ أخفى من صدقـه على الفرد الذاتي ، وهو عدم تحقّق النبأ أصلاً ، بل لايكون عرفاً من مصاديقـه وإن كان أحد الضدّين ممّا ينطبق عليـه عدم الضدّ الآخر ، ويكون مصدوقاً عليـه بحسب اصطلاح فنّ المعقول ، لكنّـه أمر خارج عن متفاهم العرف .
هذا ، ويرد على الوجـه السابق على هذا الوجـه : أنّ كون مورد النزول هو إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق لا ربط لـه بكون الموضوع في الآيـة مطلق النبأ ، والشرط خارج غير مسوغ لتحقّق الموضوع . وبا لجملـة : فلايمكن أن يستفاد من مورد النزول مدخليـة المجيء في الموضوع وعدمها ، فا للازم الأخذ بظاهرها ، الذي هو كون الموضوع النبأ المقيّد بمجيء الفاسق بـه ، وقد عرفت عدم ثبوت المفهوم لـه حينئذ أصلا مع أنّ دعوى كون الآيـة واردة لإفادة كبرى كلّيـة إنّما يبتني على ثبوت المفهوم لها ; ضرورة أنّها بدونـه لا تكون في مقام تمييز ما يجب فيـه التبيّن عن غيره ، فإثبات المفهوم لها من هذه الناحيـة غير ممكن أصلاً . ومن هنا يظهر الجواب عن باقي التقريبات ، فتدبّر .
تذييل: فيما اُورد على التمسّك بالآيـة
قد اُورد على التمسّك بالآيـة الشريفـة لحجّيـة خبر الواحد باُمور ، بعضها يختصّ بالآيـة وبعضها يشترك بين الآيـة وغيرها :
أمّا الإشكالات المختصّـة بالآيـة
فمنها:
معارضـة المفهوم مع عموم التعليل الواقع في ذيلها ، وهو قولـه تعا لى :
(أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَة فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) فإنّ الجهالة هي عدم العلم با لواقع ، وهو مشترك بين إخبار الفاسق وغيره . فمقتضى التعليل وجوب
(الصفحة 471)
ا لتبيّن عن خبر العادل أيضاً ، وهو يعارض مع مفهوم الصدر ، والتعليل أقوى .
ودعوى
: أنّ النسبـة بينهما عموم من وجـه ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع ، وهي خبر العادل الغير المفيد للعلم ، ويجب حينئذ تقديم عموم المفهوم وإدخال مادّة الاجتماع فيـه ; إذ لو خرج عنـه ، وانحصر مورده با لخبر العادل المفيد للعلم لكان لغواً ; لأنّ خبر الفاسق المفيد للعلم أيضاً واجب العمل ، بل نقول : إنّ الخبر المفيد للعلم خارج عن الآيـة مفهوماً ومنطوقاً ، فيكون المفهوم أخصّ مطلق من عموم التعليل ، فيجب تخصيصـه بـه .
مدفوعـة
: بأنّ المدعى إنّما هو التعارض بين ظهور التعليل في العموم وظهور الجملـة الشرطيـة في ثبوت المفهوم ، وحينئذ فالأخذ بظاهر التعليل أولى من تخصيصـه بعد ثبوت المفهوم ; خصوصاً بعد كونـه آبياً عن التخصيص . وبعبارة اُخرى : لاينعقد للآيـة مفهوم ، حتّى تعارض مع عموم التعليل(1) .
هذا، والحقّ أن يقال:
إنّ الآيـة الشريفـة لا مجال للاستدلال بها للمقام ، فإنّ المراد با لنبأ ليس مطلق الخبر ، بل الخبر العظيم ، والنبأ الذي يترتّب عليـه اُمور كثيرة . والدليل عليـه ـ مضافاً إلى التعبير با لنبأ لابا لخبر ـ ملاحظـة التعليل ، فإنّ من الواضح أنّ العمل بخبر الفاسق في غير الاُمور العظيمـة ممّا لايترتّب عليـه الندامـة ، فإنّـه لو اُخبر بمجيء زيد فرتّب المخاطب آثار المجيء بمجرّد إخباره لايوجب ذلك إصابـة القوم بجها لـة الموجبـة للندامـة ، ويدلّ على ذلك ملاحظـة مورد نزول الآيـة أيضاً ، ومن المعلوم أنّ في تلك الاُمور العظيمـة التي يترتّب عليها قتل الرجال ، وسبي النساء والصبيان ، وتصرّف الأموال لايجوز الاكتفاء فيها بخبر العادل أيضاً ، فالآيـة الشريفـة بعيدة عن المقام بمراحل .
- 1 ـ فرائد الاُصول 1: 118.