(الصفحة 74)
ا لحسنـة عليـه في غير ذلك الحال أو لمزاحمتها من بعض العناوين الغير الحسنـة المخرجـة لـه عن العباديـة ، كما لايخفى .
وا لدليل عليـه ما هو المرتكز في أذهان المتشرّعـة عند الإتيان با لطهارات الثلاث ، فإنّهم لايلتفتون إلى استحبابها النفسي أصلاً .
وما ذكره في الإشكال:
من كفايـة الإتيان بها بداعي الأمر الغيري المتعلّق بها إن اُريد الإتيان بها كا لستر والاستقبال للصلاة بمعنى أ نّـه كما يكفي تحصيل الستر لأجل الصلاة كذلك يكفي مجرّد الإتيان با لوضوء لأجل الصلاة .
ففيـه:
أ نّـه لايكون بينهما فرق حينئذ ، فيكون الوضوء باطلاً ، مضافاً إلى ما نراه من المتشرّعـة من اختلاف نحوي الإتيان با لوضوء وبا لستر عندهم ، فإنّ في حال الإتيان بالأوّل لهم حا لـة اُخرى لا توجد عند الإتيان با لثاني .
فظهر أنّ عباديـة الطهارات الثلاث إنّما هو لكونها صا لحةً للعبادة مع الإتيان بها بداعي القربـة من دون توقّف على الأمر النفسي ولا الغيري أصلاً ، ولذا نقول كما قا لوا : بعباديـة التيمّم في حال الإتيان بـه مقدّمـة للصلاة ، مع أ نّـه لايكون متعلّقاً لأمر نفسي ، كما ذهبوا إليـه ، ولا لأمر غيري ، كما سنحقّقـه من عدم وجوب المقدّمـة ، فانتظر .
ثمّ إنّ بما ذكرناه في تحقيق عباديـة الطهارات الثلاث يرتفع جميع المحذورات المتقدّمـة والإيرادات السابقـة ، فإنّـه لايبقى حينئذ مجال للإشكال في ترتّب الثواب عليها ، فإنّ ترتّبـه عليها ليس لأجل تعلّق الأمر الغيري بها ، بل لكونها مطلوبةً نفساً وعبادةً ذاتاً ، والكلام إنّما هو بعد الفراغ عن ترتّب الثواب على الواجبات النفسيـة ، فلا وجـه حينئذ للإشكال أصلاً ، كما هو واضح لايخفى .
وكذا يرتفع بـه محذور الدور ، فإنّ الأمر الغيري وإن تعلّق بما تكون عبادةً ، إلاّ أنّ عباديتها لا تتوقّف على الأمر الغيري أصلاً ، كما ظهر بما حقّقناه لك .
(الصفحة 75)
وما ذكره العراقي(قدس سره)
في دفع محذور الدور:
من كلامـه المتقدّم(1) وإن كان يكفي في دفع ذلك المحذور إلاّ أ نّـه لايرتفع بـه ما هي العمدة في ا لمقام من الإشكال ، وهو أ نّـه كيف يمكن أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديـة متعلّقـه ؟ ! كما لايخفى ، كما أ نّـه بما ذكرنا يرتفع سائر المحذورات ، فإنّك قد عرفت أنّ عباديـة التيمّم ليس لأجل تعلّق الأمر النفسي الاستحبابي بـه حتّى يقال بأ نّهم لايقولون بـه ، وكذلك لايبقى مجال للإشكال باستحا لـة اجتماع الأمر الغيري مع الأمر النفسي على شيء واحد ، فإنّـه قد ظهر بما ذكرنا أنّ المأمور بـه بالأمر الأوّل هو ما يكون متعلّقاً للأمر الثاني بوصف كونـه كذلك ، وبعبارة اُخرى : العبادة المستحبّـة جُعلت مقدّمةً ومتعلّقةً للأمر الغيري ، نظير ما إذا نذر الإتيان بصلاة الليل مثلاً ، فإنّ الوفاء با لنذر وإن كان واجباً إلاّ أ نّـه لاينافي استحباب صلاة الليل ولايخرجها عنـه إلى الوجوب ، بل يجب عليـه الإتيان بها بما أ نّها مستحبّـة ، كما لايخفى .
وأمّا كفايـة الإتيان با لطهارات بداعي الأمر الغيري المتعلّق بها فقد عرفت ما فيـه من أ نّـه لو كان المراد كفايـة الإتيان بها للصلاة ، فلا نسلّم صحّتها وكون الإجماع منعقداً عليها ; لما عرفت من الفرق عند المتشرّعـة في مقام الإتيان بها أو بسائر المقدّمات غير العباديـة .
ثمّ إنّ ما يظهر من بعض:
من تصحيح عباديـة الطهارات الثلاث مع قطع النظر عن تعلّق الأمر الغيري بها بأنّ الأمر المتعلّق با لصلاة ، كما أ نّـه يدعو إلى متعلّقها كذلك لـه نحو داعويـة إلى مقدّماتها ، فعباديـة الطهارات إنّما هو لاعتبار الإتيان بها بتلك الداعويـة ، لا كما ذكره النائيني(قدس سره) من انبساط الأمر النفسي على
- 1 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 379.
(الصفحة 76)
ا لمقدّمات أيضاً حتّى تكون عباديتها لأجل تعلّق الأمر النفسي الضمني بذواتها(1) ، بل نقول : إنّ متعلّق الأمر النفسي هي نفس الصلاة ، ولكن لايخلو من الداعويـة إلى المقدّمات أيضاً .
وا لفرق بين الطهارات وغيرها من المقدّمات أنّ المعتبر في صحّتها الإتيان بها بتلك الداعويـة ، بخلاف سائر المقدّمات ، فإنّـه لايعتبر في صحّتها هذا المعنى .
نعم لو أتى بها أيضاً بذلك الداعي تصير عبادةً ، ويترتّب عليـه الثواب ، كما هو الشأن في جميع الواجبات التوصّليّـة .
فجوابـه أظهر من أن يخفى،
فإنّـه كيف يمكن أن يكون الأمر المتعلّق با لصلاة داعياً إلى مقدّماتها مع ما ثبت من أنّ الأمر لايدعو إلاّ إلى متعلّقـه ، والمفروض عدم كون المقدّمات متعلّقةً للأمر المتعلّق بذيها ، كما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره) ودخول التقيّدات في متعلّق الأمر النفسي لايستلزم كون القيود أيضاً كذلك ، وحينئذ فلا وجـه لكون الأمر بذي المقدّمـة داعياً إليها أصلاً ، كما هو أظهر من أن يخفى .
فا لتحقيق في عباديـة الطهارات الثلاث ما ذكرناه لك ، وعليـه فكلّما توضّأ مثلاً بداعي الأمر الاستحبابي المتعلّق بـه سواء كان متعلّقاً للأمر الغيري أيضاً ـ كما إذا توضّأ بعد دخول الوقت ـ أو لم يكن ـ كما إذا توضّأ قبل دخولـه يكون وضوؤه صحيحاً يجوز الإتيان بجميع الغايات المشروطـة بها ، كما أ نّـه لو توضّأ بداعي الأمر الغيري فقط من دون التوجّـه إلى عباديتـه يكون فاسداً مطلقاً قبل الوقت وبعده .
ثمّ إنّـه قد اُجيب عن إشكال الطهارات الثلاث وأ نّها كيف تكون عبادةً مع
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 228.
(الصفحة 77)
كونها متعلّقةً للأمر الغيري بوجوه شتّى بعضها يرجع إلى ما ذكرناه بنحو من التصرّف والتأويل ، وبعضها الآخر يظهر بطلانها ممّا ذكرنا في هذا المقام ، وعليك با لتأمّل التامّ في كلمات الأعلام ليظهر لك الصحيح عن سقيم المرام ، فإنّ المقام من مزالّ الأقدام ، فتأمّل جيّداً .
الأمر السابع
ما هو الواجب في باب المقدّمـة؟
هل الواجب في باب المقدّمـة بناءً على ثبوت الملازمـة هو ذات المقدّمـة بلا مدخليـة شيء آخر ، أو المقدّمـة بشرط إرادة المكلّف لذيها عند إتيانها ، كما ربّما ينسب إلى صاحب المعا لم(قدس سره)(1) ، أو بشرط قصد التوصّل بها إليـه لا مطلقاً ، سواء ترتّب عليـه ذو المقدّمـة في الخارج أم لم يترتّب ، كما ربّما نسب ذلك إلى الشيخ الأنصاري(قدس سره)(2) ، أو بشرط إيصا لها إلى ذي المقدّمـة وترتّبـه عليها في ا لخارج بحيث إذا ترتّب عليها يكشف عن وقوعها على صفـة الوجوب ، كما ذهب إليـه صاحب الفصول(3) ؟ وجوه وأقوال ، ولابدّ من النظر في كلّ واحد منها ليظهر صحّتـه أو سقمـه .
حول ما نسب إلى صاحب المعالم
فنقول : ربّما يورد على صاحب المعا لم :
أوّلاً:
بأنّ وجوب المقدّمـة تبع لوجوب ذيها من حيث الإطلاق أو
- 1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 1، كفايـة الاُصول: 142.
- 2 ـ كفايـة الاُصول: 143، مطارح الأنظار: 72 / السطر 9.
- 3 ـ الفصول الغرويّـة: 81 / السطر 4.
(الصفحة 78)
ا لاشتراط ، فكيف يمكن أن يكون وجوب ذي المقدّمـة مطلقاً غير مشروط بإرادتـه ووجوب المقدّمـة مشروطاً بإرادتـه .
وثانياً:
باستحا لـة أن يكون البعث المتعلّق بشيء مشروطاً بإرادة ذلك الشيء ; إذ مع تحقّق الإرادة يكون الإتيان با لفعل مسبّباً عنها لا عن البعث ، ومع عدم تحقّقها يكون المفروض عدم ثبوتـه بعد كونـه مشروطاً بالإرادة .
ودعوى:
أنّ البعث هنا مشروط بإرادة ذي المقدّمـة لابإرادة متعلّقـه الذي عبارة عنها .
مدفوعـة:
باستحا لـة انفكاك إرادة ذي المقدّمـة عن الإرادة المتعلّقـة بها فمع كونـه مشروطاً بها يلزم اللغويـة أيضاً بعد عدم انفكاكها عنها ، كما لايخفى(1) .
هذا ، ولكن لايخفى أنّ عبارة المعا لم(2) لا تفيد شرطيـة الإرادة أصلاً ، بل مفادها هو ثبوت الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها ، فلايكون الوجوب مشروطاً بإرادتـه ، بل إنّما هو ثابت في حا لها على نحو القضيّـة الحينيـة لا المشروطـة ، فلايرد عليـه الإشكالان المذكوران .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الإيراد الثاني فاسد ولو قلنا بذلك ; لأنّ كون البعث مشروطاً بإرادة ما يترشّح منـه الإرادة المتعلّقـة با لمقدّمـة بحيث تكون في مرتبـة متأخّرة عنها استحا لتـه غير واضح ; لأنّ البعث إنّما يقع في المرتبـة المتقدّمـة على إرادة متعلّقـه ، وهذا غير معلوم الاستحا لـة .
مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد لايختصّ بخصوص هذا القول ، بل يرد على جميع القائلين بثبوت الملازمـة ، كما لايخفى .
- 1 ـ مطارح الأنظار: 72 / السطر 5.
- 2 ـ معالم الدين: 74 / السطر 3.