(الصفحة 83)
يجب تحصيلـه .
وقد اُورد عليـه بوجوه من الإيراد:
منها:
أ نّـه يلزم الدور بناء عليـه ، وتقريبـه : أ نّـه لا إشكال في توقّف ذي المقدّمـة عليها ; لأنّ المفروض كونها مقدّمةً لـه ، فلو كان الإيصال مأخوذاً فيها ، يلزم توقّف المقدّمـة عليها أيضاً ; لأنّ حصول القيد متوقّف عليها بلا إشكال ، وهذا هو الدور محضاً(1) .
وا لجواب أنّ ما يتوقّف ذوا لمقدّمـة عليـه هو ذات المقدّمـة ; لأنّـه لا مدخليـة للإيصال في مقدّميتها ، بل إنّما هو مأخوذ في متعلّق الواجب ، وما يتوقّف على ذي المقدّمـة هو الإيصال لا ذات المقدّمـة ، فا لموقوف على ذي المقدّمـة لايتوقّف هو عليها ، بل يتوقّف على ذاتها ، كما هو أوضح من أن يخفى .
منها:
لزوم التسلسل ، وتقريبـه أن يقال : إنّ المقدّمـة حينئذ تكون مركّبةً من أمرين : أحدهما : الذات ، والآخر : قيد التوصّل ، فتكون الذات مقدّمـة لحصول المقدّمـة المركّبـة ، كما هو الشأن في جميع أجزاء المركّب .
مثلاً : لو كان الوضوء الموصل إلى الصلاة مقدّمةً ، والسير الموصل إلى الحج مقدّمـة ، فذات الوضوء والسير يكون مقدّمةً للوضوء الموصل والسير الموصل ، وحينئذ فيعتبر قيد الإيصال فيـه أيضاً ، فيلزم التسلسل(2) .
وا لجواب : أنّ مدخليـة قيد الإيصال إنّما هو في تعلّق الوجوب إلى المقدّمـة بمعنى أ نّـه لايتعلّق الوجوب بها إلاّ مع ذلك القيد لابدونـه ، لا أن يكون القيد دخيلاً في مقدّميـة المقدّمـة وتوقّف ذيها عليها ، وحينئذ فليس هنا إلاّ ذات
- 1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 290.
- 2 ـ نفس المصدر.
(الصفحة 84)
ا لمقدّمـة وقيد الإيصال ، والاُولى لايتعلّق بها الوجوب إلاّ مع انضمام الثاني إليـه ، فمن أين يلزم التسلسل ؟ كما هو واضح .
منها:
أ نّـه يلزم أن يكون ذو المقدّمـة متعلّقاً للوجوب النفسي وللوجوب الغيري ، بل للوجوبات الغيريـة المتعدّدة حسب تعدّد المقدّمات .
أمّا تعلّق الوجوب النفسي إليـه : فلأنّـه المفروض .
وأمّا تعلّق الوجوب الغيري : فلأنّـه لا إشكال في أنّ تحقّق قيد الإيصال موقوف على ذي المقدّمـة ، فيتعلّق بها الوجوب الغيري أيضاً(1) .
وا لجواب : أنّ توقّف عنوان الإيصال على ذي المقدّمـة وإن كان مسلّماً إلاّ أنّ تعلّق الأمر الغيري إليها ممنوع بعد أ نّـه يعتبر عند القائل بهذا القول الإيصال إلى ذي المقدّمـة ، ومن المعلوم امتناع أن يكون الشيء موصلاً إلى نفسـه ، والإيصال إلى المقدّمـة الموصولـة لم يكن معتبراً عند القائل أصلاً .
وبا لجملـة ، فلو كان المراد تعلّق الأمر الغيري بذي المقدّمـة من دون قيد ، فهو ممنوع عند القائل بعد اعتباره في متعلّق الأمر الغيري قيد الإيصال ، كما هو واضح .
وإن كان المراد تعلّقـه بـه مع هذا القيد ، فالإيصال إلى المقدّمـة الموصلـة غير مقصود لـه ، والإيصال إلى نفسها لايعقل ، فكيف يلزم تعلّق الأمر الغيري بل الأوامر الغيريـة بذي المقدّمـة ؟ !
منها:
ما اُورد عليـه في الكفايـة من أنّ القول با لمقدّمـة الموصلـة يستلزم إنكار وجوب المقدّمـة في غا لب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّـة التامّـة في خصوص الواجبات التوليديـة .
(الصفحة 85)
أمّا الاختصاص بالاُولى : فلأنّـه لايعقل ترتّب الممكن على غير علّتـه التامّـة ووجوده بدونها .
وأمّا الاختصاص با لثانيـة ـ مع أنّ وجود كلّ ممكن بدون علّتـه التامّـة مستحيل ـ أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياري من أجزاء العلّـة التامّـة ، وهي لا تكاد تتّصف با لوجوب ; لعدم كونها من الاُمور الاختياريـة ، وإلاّ لتسلسل .
وبا لجملـة ، فالإيصال إنّما هو في خصوص الواجبات التوليديـة ، وأمّا في غيرها فمع اجتماع جميع الأجزاء يمكن أن لايقع لتوسّط الإرادة والاختيار ، كما هو واضح(1) .
وا لجواب : أنّ مراده(قدس سره) بالإيصال ليس ما يترتّب عليـه ذوا لمقدّمـة قهراً حتّى يورد عليـه بما ذكر ، بل مراده منـه هو ترتّب الفعل عليـه ولو بواسطـة أو وسائط بمعنى أنّ مطلق المقدّمـة لايتعلّق بـه الوجوب ، بل با لمقدّمـة التي يتعقّبها الإتيان بذي المقدّمـة ، سواء كانت علّةً تامّة لحصولـه قهراً أم لم تكن .
هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ الإرادة من الاُمور الاختياريـة التي يمكن أن يتعلّق بها الطلب والبعث ، كيف ولو قلنا باستحا لـة تعلّق الطلب بها ، فلا تكون متعلّقةً للأمر الغيري حتّى بناء على وجوب مطلق المقدّمة ، فمن أين يلزم الإرادة التي هي من أجزاء العلّـة التامّـة ، كما هو واضح .
منها:
ما اُورد عليـه في الكفايـة أيضاً ، وحاصلـه أ نّـه لو كان معتبراً فيـه الترتّب ، لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيان بها من دون انتظار لترتّب الواجب عليها مع أنّ الطلب لايكاد يسقط إلاّ با لموافقـة أو با لمخا لفـة أو بارتفاع موضوع
- 1 ـ كفايـة الاُصول: 145 ـ 146.
(الصفحة 86)
ا لتكليف ، ولايكون الإتيان با لمقدّمـة با لضرورة من هذه الاُمور غير الموافقـة(1) .
وا لجواب : أ نّا نمنع السقوط بمجرّد الإتيان بذات المقدّمـة ; لأنّ القائل يقول بأنّ سقوطـه متوقّف على ضميمـة قيده إليـه ، فلايسقط إلاّ بعد الإتيان بذي المقدّمـة ، كما أنّ الأمر با لصلاة لايسقط إلاّ مع الإتيان بجزئـه الأخير أيضاً ، وهذا واضح لا إشكال فيـه .
فانقدح من جميع ما ذُكر أ نّـه لايلزم محال من الأخذ بأحد الأقوال الثلاثـة الواقعـة في مقابل القول بوجوب مطلق المقدّمـة في مقام الثبوت بناء على أن يكون القيد الزائد دخيلاً في متعلّق الوجوب ، لا أن يكون شرطاً لـه ، كما عرفت .
ما أفاده المحقّق الحائري والعراقي في المقام
ثمّ إنّـه لو سلّمنا استلزام كلام الفصول للمحاذير المتقدّمـة ، فلايدفعها ما ذكره بعض من الأعاظم في تقريب كلامـه وتوجيـه مرامـه بحيث لايورد عليـه بشيء حيث قال(قدس سره) في كتابـه المسمّى با لدّرر ما ملخّصـه : أنّ الطلب متعلّق با لمقدّمات في لحاظ الإيصال لا مقيداً بـه بمعنى أنّ الآمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها يريدها بذواتها ، لأنّها بتلك الملاحظـة لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي ، ولو لاحظ مقدّمـة منفكّـة عمّا عداها ، لايريدها جزماً ; لأنّ مطلوبيتها إنّما هو في ظرف ملاحظـة باقي المقدّمات معها ، فالإرادة لا تتعلّق بها بنحو الإطلاق حتّى تشمل حال انفكاكها عن باقي المقدّمات .
ثمّ قال : وهذا الذي ذكرنا مساوق للوجدان ، ولايرد عليـه ما ورد على
(الصفحة 87)
ا لقول باعتبار الإيصال قيداً وإن اتّحد معـه في الأثر(1) .
ونظير هذا ما يظهر من التقريرات المنسوبـة إلى العراقي(قدس سره)
حيث قال المقرّر ما ملخّصـه : إنّ الواجب ليس مطلق المقدّمـة ولا خصوص المقدّمـة المقيّدة بالإيصال ، بل الواجب هو المقدّمـة في ظرف الإيصال على نحو القضيـة الحينيـة ، وبعبارة اُخرى : الواجب هي الحصّـة التوأمـة مع سائر المقدّمات الملازم لوجود ذيها .
وتوضيحـه أن يقال:
حيث إنّ الغرض من وجوب المقدّمـة ليس إلاّ التوصّل إلى ذي المقدّمـة ، ومن الواضح أنّ هذا إنّما يترتّب على مجموع المقدّمات ، لا كلّ واحد على سبيل الاستقلال وإن كان كلّ واحد منها يتوقّف عليـه المطلوب الأصلي إلاّ أنّ المحبوبيـة إنّما يتعلّق بـه مع انضمامـه إلى سائر المقدّمات ، ونتيجـة ذلك هو تعلّق أمر غيري واحد بمجموع المقدّمات بحيث ينبسط على كلّ واحد منها كانبساط الوجوب في الواجب النفسي على أجزائـه ، وكما أنّ متعلّق الأمر النفسي الضمني في الواجبات النفسيـة إنّما هو كلّ واحد من الأجزاء لا مطلقاً ولا مقيّداً بانضمام سائر الأجزاء إليـه ، بل الحصّـة المقارنـة لباقي الأجزاء ، فكذلك الأمر هنا بلا تفاوت(2) . انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه .
ولكن لايخفى أنّ المحذورات المتقدّمـة لو سلّم لا تدفع بما ذكره المحقّقان المتقدّمان ; لأنّ لحاظ الإيصال إمّا أن يكون دخيلاً في المطلوب ويوجب تضييقاً با لنسبـة إليـه ، فهذا بعينـه ما ذكره صاحب الفصول ، وإمّا أن لايكون كذلك ، فهذا
- 1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 119.
- 2 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1: 389 / السطر 10.