(صفحه106)
لكن في المتن أنّ صيرورة الزكاة ملكاً لأربابها وإن كانت تتحقّق بتماميّةالأحد عشر، إلاّ أنّه ملك متزلزل غير مستقرّ، خلافاً لسيّد العروة، حيث إنّهقوّى استقراره أيضاً، ورتّب عليه أنّه لا يقدح فقد بعض الشروط قبلتمامه(1)، كما أنّه رتّب في المتن على مختاره أنّه لا يجوز للمالك التصرّف فيالنصاب تصرّفاً معدماً لحقّهم، بحيث لو فعل ضمن.
نعم، لو اختلّ أحد الشروط من غير اختيار ـ كأن نقص من النصاببالتلف في خلال الشهر الثاني عشر ـ يرجع الملك إلى صاحبه الأوّل وينقطعالوجوب، وكأنّه تبع في ذلك المحدّث الكاشاني الذي عدّ مخالفاً في أصلالمسألة، حيث إنّه صرّح بأنّ الوجوب لا يتأتّى إلاّ بعد مضيّ الحول بكامله،قائلاً: إنّ هذا من الضروريّات التي ثبتت بالروايات(2). وقد استجوده صاحبالحدائق لو لا أنّ الإجماع على خلافه(3).
والمستند الأصلي في هذا المجال صحيحة زرارة، ومحمّد بن مسلم قالا: قالأبو عبد اللّه عليهالسلام : أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكّيه، قلت له:فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال: ليس عليه شيء أبداً.
قال: وقال زرارة عنه: أنّه قال: إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضانيوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطالالكفّارة التي وجبت عليه. وقال: إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليهالزكاة، ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة من
- (1) العروة الوثقى 2: 97، الشرط الرابع.
- (2) الوافي 10: 134 ـ 135.
- (3) الحدائق الناضرة 12: 75.
(صفحه 107)
خرج ثمّ أفطر إنّما لا يمنع الحال عليه، فأمّا ما لم يحل عليه فله منعه، ولا يحلّ لهمنع مال غيره فيما قد حلّ عليه.
قال زرارة: وقلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانهأو ولده أو أهله فراراً بها من الزكاة، فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال: إذدخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة.
قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال: جائز ذلك له. قلت: إنّه فرّ بهمن الزكاة، قال: ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها، فقلت له: إنّهيقدر عليها. قال: فقال: وما علمه أنّه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه؟قلت: فإنّه دفعها إليه على شرط، فقال: إنّه إذا سمّـاها هبة جازت الهبة وسقطالشرط وضمن الزكاة.
قلت له: وكيف يسقط الشرط وتمضي الهبة ويضمن الزكاة؟ فقال: هذشرط فاسد، والهبة المضمونة ماضية، والزكاة له لازمة عقوبة له.
ثمّ قال: إنّما ذلك له إذا اشترى بها داراً أو أرضاً أو متاعاً.
ثمّ قال زرارة: قلت له: إنّ أباك قال لي: من فرّبها من الزكاة فعليهأن يؤدّيها، فقال: صدق أبي، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب عليهفلا شيء عليه فيه... الحديث(1).
وغير خفيّ أنّ الهبة المضمونة في الرواية معناها هو ضمان الواهب لاالمتّهب،وهذا بخلاف العارية المضمونة التي معناها ضمان المستعير، مع اشتراط المعير
- (1) الكافي 3: 525 ح4، تهذيب الأحكام 4: 35 ح92، الفقيه 2: 17 ح54، وعنها وسائل الشيعة 9: 163، كتابالزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب12 ح2.
(صفحه108)
الضمان فيها، أو مع التعدّي أو التفريط.
والرواية صحيحة من حيث السنّد ـ وإن كان فيه إبراهيم بن هاشم؛لما قلناه مراراً(1) من صحّة رواياته ـ ظاهرة من حيث الدلالة؛ لحكومتهعلىالروايات المعبّرة فيها بالحول مع عدم تفسيره بشيء.
ولا يصغى إلى ما ربما يقال(2) من أنّه لا يرفع اليد عن الضروريّات بالخبرالواحد وإن كان صحيحاً، ومنه يعلم أنّه لا وجه لتأييد المحدّث الكاشاني قدسسره بمثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة المشتملة على عنوان الحول(3).
نعم، للصحيحة ذيل ذكره صاحب الوسائل في الباب الأوّل من أبوابماتجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه، وهو قوله عليهالسلام : ثمّ لم يتعرّض ـ أيالنّبي صلىاللهعليهوآله ـ لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصامووأفطروا، فأمر صلىاللهعليهوآله مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون، زكّوا أموالكمتقبل صلواتكم. قال: ثمّ وجّه عمّال الصدقة، وعمّال الطسوق(4)،(5).
والإنصاف أنّ مثل هذه التقطيعات الرائجة في الوسائل كثيرة، ومن الظاهراقتضاؤها البُعد عن الواقع والحقيقة.
- (1) مثل ما مرّ في الخمس والأنفال: 123 من تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة؛ لأنّ المؤلّف قدسسره كتبالخمس والأنفال قبل الزكاة بسنين، وقد طبع أيضاً قبلها كذلك، ويأتي هنا في ص152.
- (2) كما قال به في الوافي 10: 135.
- (3) كما أيّده بها في الحدائق الناضرة 12: 75.
- (4) والروايتان مشتركتان في الصحّة، غاية الأمر أنّ الرواية الاُولى منقولة عن الكافي، عن زرارة ومحمّد بنمسلم، والثانية عن الفقيه، عن عبداللّه بن سنان، منه قدسسره .
- (5) الفقيه 2: 8 ح26، الكافي 3: 497 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 9: 9، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاةب1 ح1.
(صفحه 109)
هذا، ولكنّه لابدّ من تأويل هذا الذيل؛ لدلالته على أنّ الفصل بين تكليفالزكاة، وأمر الرسول صلىاللهعليهوآله بجبايته كان أكثر من الحول العرفي؛ لأنّ آية الزكاة(1)نزلت في شهر رمضان، والأمر بالتزكية وجباية الزكاة كان بعد الفطر من العامالقابل.
ومن الواضح: مضيّ أكثر من اثنى عشر شهراً، فاللازم توجيهه بمثل وجودمصلحة مقتضية كذلك، ككون الزكاة مأخوذة في أوّل مرّة، أو أمراً آخر كانقد رأه الرسول صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّه لا قائل بذلك أصلاً.
وإن ذكر بعض الأعلام قدسسرهم (2) أنّ غاية دلالتها تأخير المطالبة منالرسول صلىاللهعليهوآله ، لا تأخير وجوب الزكاة؛ وإن كان يقع الإشكال أيضاً في ذلك،ولابدّ من ردّها إلى أهلها أيضاً، فتدبّر.
وكيف كان، فالمهمّ في المقام هي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة،وهي تدلّ على أنّ الوجوب إنّما يتحقّق بدخول الشهر الثاني عشر، خصوصبملاحظة تشبيه المقام بالإفطار في شهر رمضان، وأنّ الهبة بعد حلول الشهرالثاني عشر بمنزلة السفر بعد الإفطار، والهبة قبله بمنزلة الإفطار بعد السفر؛فإنّه صريح في حدوث وجوب الزكاة في هذا الوقت، فما ذهب إليه المحدّثالكاشاني لا تمكن المساعدة عليه.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الروايات الواردة في مجموع المسألة علىثلاث أقسام:
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 213.
(صفحه110)
قسم وقع فيه التعبير بالحول ولزوم مضيّة في وجوب الزكاة، من دون بيانوشرح لمعنى الحول.
وقسم ظاهر في لزوم مضيّ أكثر من الحول؛ بمعنى اثنا عشر شهراً.
وقسم مثل صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، الظاهرة في أنّه بدخول الشهرالثاني عشر تصير الزكاة واجبة، ويجوز التصرّف قبل دخوله ولو بيومأو يومين، وكان غرضه من ذلك الفرار عن الزكاة، وأن لا يدخل عليه الثانيعشر مالكاً لمجموع النصاب.
وقد عرفت أنّه لابدّ من الالتزام بمفاد الصحيحة لما مرّ. غاية الأمر أنّه يقعالكلام في أنّ المستفاد من الصحيحة، هل هو الوجوب المستقرّ، كما قوّاه فيالعروة، أو الوجوب غير المستقرّ، كما قوّاه في المتن؟ ـ وقد عرفت(1) ما رتّبعلى القولين ـ الظاهر هو الأوّل؛ لدلالتها على مجيء وقت الزكاة ووجوبهبمجرّد دخول الشهر الثاني عشر، وأنّه يجوز التصرّف في النصاب قبل دخولهولو كان بيوم أو يومين، وكان الغرض منه الفرار عن الزكاة.
ثمّ إنّه على مبنى الاُستاذ الماتن قدسسره يصير المقام كبيع الفضولي المفتقرإلىالإجازة، بناءً على أن تكون الإجازة فيه كاشفة بالكشف الحقيقيّ الراجعإلى أنّها تكشف عن التأثير في النقل والانتقال من حين صدور العقد وتحقّقه.
إن قلت: بناءً على ما ذكر لا يصير مبنى الاُستاذ في المقام خالياً عن الدليل،بل الدليل عين ما ذكر في الفضولي في الفرض المتقدّم.
قلت: الظاهر وجود الفرق بين المقام؛ فإنّه يمكن أن يُقال هناك: إنّ مقتضى