(صفحه90)
ويزيد هذا الجواب وضوحاً ما لو كان التالف كثيراً، كما لو تلف من أربعمائةخمسون؛ فإنّ الاختلاف فاحش، وتكون الثمرة أظهر وأنفع.
والجوابان مختلفان في المبنى؛ فإنّ الأوّل مبنيّ على ثبوت الإشاعة والشركةالحقيقيّة بين المالك ومستحقّ الزكاة، والثاني لا يبتني على ذلك، بل يجتمع معالكلّي في المعيّن، كالصاع من الصبرة على ما عرفت(1)، وسيأتي(2) التحقيق في هذهالجهة إن شاء اللّه تعالى.
وخلاصته بطلان كلا المبنيين، الشركة الحقيقيّة، والكلّي في المعيّن، خصوصمعملاحظة أنّالزكاة الواجبة قد لاتكون من جنس مايجب فيهالزكاة، كخمسمن الإبل وثبوت شاة واحدة، التي ربما لا تكون بموجودة عند المالك أصلاً.
وحينئذٍ فما معنى دعوى الشركة، وكذا الكلّي في المعيّن؟ بل لابدّ من الالتزامبالشركة بنحوٍ آخر ممكنة التحقّق في مثل المثال المذكور، مع أنّ دعوىالشركة وكذا الثاني لا تجدي في حلّ الإشكال؛ فإنّ مرجعه إلى أنّه كيف يمكنفرض نصابين متعاقبين، مع كون الزكاة فيهما واحدة؟
ففي المثال المذكور في كلامه يكون الإشكال متحقّقاً بالإضافة إلىثلاثمائةإذا زادت واحدة، والأربعمائة المشتملة على أربع مئات.
ودعوى كون ما بينهما عفواً لا تجدي في رفع الإشكال أصلاً.
فالإنصاف عدم تماميّة شيء من الجوابين، وحلّ الإشكال في غايةالإشكال، فتدبّر.
(صفحه 91)
مع أنّ العفو عمّا بين النصابين ـ كما في المسألة الآتية ـ لا يرجع إلىخروجهعن دائرة تعلّق الزكاة، بل إلى بقاء النصاب الأوّل، واستمراره إلىالنصابالثاني الذي هو بعده، فلا فرق بين الثلاثمائة وواحدة، وبين الثلاثمائة وخمسينمثلاً من هذه الجهة، كما لا يخفى.
بل الفرق بينه، وبين الأربعمائة التي هي النصاب البدوي، والفرض أنّمقدار الزكاة فيهما واحد.
(صفحه92)
مسألة 2: تجب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة، ولا تجب فيمانقصعن النصاب، كما لا يجب فيما بين النصابين شيء غير ما وجب في النصاب السابق؛بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق بما بين النصابين إلى النصاب اللاحق،فما بين النصابين عفو؛ بمعنى عدم تعلّق شيء به أكثر ممّا تعلّق بالنصاب السابق؛لابمعنى عدم تعلّق شيء به رأساً1.
1ـ لا شبهة في وجوب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة، كما أنّهلا شبهة في عدم الوجوب أصلاً فيما نقص عن النصاب الأوّل، كما أنّه لا ينبغيالارتياب في عدم الوجوب بالإضافة إلى ما بين النصابين، وأنّه لايجب شيءغير ما وجب في النصاب السابق.
وبعبارة اُخرى: ثبوت العفو بالإضافة إلى ما بين النصابين ليس بمعنى عدمتعلّق شيء به رأساً، بل بمعنى عدم تعلّق شيء به أكثر ممّا تعلّق بالنصابالسابق؛ ومرجعه إلى توسعة النصاب السابق، وعدم اختصاصه بعدد معيّن.
وعليه: فيمكن الاستشكال في بعض الأجوبة المذكورة في المسألة السابقةمن المحقّق صاحب الشرائع؛ فإنَّ ظاهره خروج ما بين النصابين عن دائرةتعلّق الزكاة.
(صفحه93)
مسألة 3: بنت المخاض: ما دخلت في السنة الثانية، وكذا التبيع والتبيعة. وبنتاللبون: ما دخلت في الثالثة، وكذا المُسِنّة؛ والحِقّة: ما دخلت في الرابعة. والجَذَعة:ما دخلت في الخامسة1.
1ـ لا إشكال في أنّ بنت المخاض ما دخلت في السنة الثانية، وظاهرالمتن أنّ التبيع والتبيعات هكذا، لكنّه ربما يناقش فيه بأنّه وإن كان قد فسّرفي كلمات الأصحاب بذلك، ونقله صاحب الوسائل بهذا النحو(1)، إلاّ أنّهربما يقال(2): إنّ بعض اللغويّين قد فسّره بولد البقر(3)؛ لأنّه يتبع اُمّه في الرعي،وهو صادق على ما في الحول أيضاً، فلم تركن النفس إلى ما تثق به في معنىاللفظ.
إلاّ أنّ الذي يسهّل الخطب توصيف التبيع بالحولي في صحيحة الفضلاء(4)؛فإنّ معنى الحول ليس هو السّنة حتّى يناقش في اعتبار الخروج عنهوالدخول في السنة الاُخرى، بل معناه لا ينطبق إلاّ على السّنة؛ فإنّه منالتحويل والانتقال، فلا يطلق الحول إلاّ بعد أن دارت السّنة وتحولّتإلى اُخرى، كما في سائر الموارد.
وأمّا بقيّة العناوين، فواضحة، وفي صحيحة زرارة المتقدّمة(5) ـ الواردة في
- (1) تقدّم تخريجها في ص83.
- (2) القائل هو الأصبهاني في المناهج السويّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، على ما حكاه عنه في جواهر الكلام15: 214، والكتاب مخطوط.
- (3) الصحاح 2: 924، فقه اللغة وسرّ العربيّة: 97، الفصل الرابع عشر من الباب الرابع عشر، المصباحالمنير 1: 72، أقرب الموارد 1: 73، مجمع البحرين 1: 218.
(صفحه94)
نصاب الإبل ـ أنّها إنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها»، فراجع.
كما أنّه غير خفيّ أنَّ هذه العناوين المأخوذة بعنوان الزكاة إنّما هي مجعولة فيمجموع الأنعام، فبنت المخاض في باب الإبل، والتبيع والتّبيعة في البقر،لا بالإضافة إلى كلّ واحدة منها.