(صفحه318)
الاُمور التسعة المتقدّمة(1) في كيفيّة التعلّق، كما يظهر من صحيحة أبي المعزالمتقدّمة، الدالّة على اشتراك الأغنياء مع الفقراء في الأموال؛ أي كلّ مال متعلّقللزكاة ـ : إنّ تعبيرات الروايات في بيان مقدار الزكاة الواجبة مختلفة جدّاً.
فبعضها ظاهر في الإشاعة والشركة الحقيقيّة، مثل ما عبّر فيها بالكسرالمشاع؛ كقوله عليهالسلام : «فيما سقته السماء العشر»، ونظير ذلك في زكاة النقدين.
ومن الواضح: أنّ الكسور التسعة المعروفة ظاهرة في الإشاعة، فإذا قلنبأنّ زيداً مثلاً مالك لثلت الدار، وعمرواً لثلثي الآخر، فالمتفاهم عرفاً ثبوتالشركة بينهما بنسبة الكسرين.
والبعض الثاني ظاهر في الكلّي في المعيّن؛ وهو ما جعلت الزكاة فيه منسنخ الجنس الزكوي، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة الفضلاء المتقدّمة(2): «في كلّأربعين شاة شاة»؛ أي منهنّ من دون بيان النسبة، والبعض الثالث لا يلائم معأحد الأمرين، وهو ما جعلت الزكاة فيه من غير سنخ الجنس الزكوي، مثلقوله عليهالسلام : «في خمس من الإبل شاة»(3).
ولأجل الاختلاف في التعبيرات التزم بعض الأعلام قدسسره ـ على ما فيالشرح ـ ، بثبوت الشركة في الماليّة، ومعناها أنّ الفقير يشارك المالك في العين،لكن لا من حيث إنّه عين بل من حيث إنّه مال، فلا يستحقّ شيئاً منالخصوصيّات الفرديّة والصفات الشخصيّة، وإنّما يستحقّ ماليّة العشر مثلاً منهذا الموجود الخارجي، واختيار التطبيق بيد المالك، نظير إرث الزوجة
(صفحه 319)
ممّا يثبت في الأرض من بناءٍ وأخشاب وآلات، قيمة لا عيناً وإن كان بينهمالفرق من بعض الجهات.
وهذا لا ينافي تحقّق الفضوليّة إذا باع مجموع العين الزكويّة، كالخمس منالإبل؛ لعدم توقّفها على أن لا يكون المبيع بأجمعه ملكاً للبائع، كما في العينالمرهونة التي باعها الراهن من دون إذن المرتهن، بل المقام أولى بثبوت الشركةفي المبيع، غاية الأمر لا بالإضافة إلى الخصوصيّات الشخصيّة أيضاً، بل فيالماليّة، كما في صحيحة عبدالرحمن المتقدّمة في ذيل المقام الأوّل، الدالّة على أخذالزكاة من المشتري، أو يتبع بها البائع.
إلاّ أن يقال بعدم وضوح عدم اختلاف الأجناس الزكويّة في كيفيّة تعلّقالزكاة، على ما مرّ من دلالة صحيحة أبي المعزا المتقدّمة على ذلك؛ نظراً إلى أنّذلك وإن كان هو مقتضى الصحيحة المزبورة الظاهرة في ذلك، ولعلّه كانمتسالماً عليه بينهم، إلاّ أنّه لابدّ في ذلك من ملاحظة جميع التعبيرات الواردة فيالروايات التي عرفت ظهور بعضها في الإشاعة والشركة الحقيقيّة، وبعضها فيالكلّي في المعيّن، وبعضها في غيرهما.
ولأجله ربما يقع الإشكال على سيّد العروة القائل بثبوت الزكاة مطلقاً بنحوالكلّي في المعيّن، بأنّه كيف يمكن الالتزام بالكليّ في المعيّن في مثل قوله:«فيخمس من الإبل شاة»؟ مع أنّه يعتبر في الكلّي في المعيّن ثبوت المصاديقلنفس ذلك الكلّي.
غاية الأمر تعيّنه في الخارج، كبيع صاع من صبرة الحنطة ـ مثلاً ـ المعيّنة.والعجب تصريحه بأنّه إذا باع الكلّ يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّمحتاجاً إلى إجازة الحاكم، ولا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار
(صفحه320)
البيع على الأحوط(1).
والإنصاف أنّ ملاحظة جميع الجوانب ورعاية جميع الجهات تلجئنإلىالالتزام بما أفاده(2) من الشركة في الماليّة وإن كان بعيداً في نفسه؛ لعدمثبوت مشابه لها في الموارد الفقهيّة إلاّ نادراً مع الفرق أيضاً، وعدم كون نظرالسائل في صحيحة أبي المعزا ـ الظاهرة في اشتراك الأغنياء مع الفقراء فيالأجناس الزكويّة ـ إلى هذا النحو من الشركة قطعاً، إلاّ أنّه لا محيص عنالأخذ بها، كما لا يخفى.
وكيف كان، فلا تكون أدلّة الزكاة والروايات الواردة فيها من سنخ واحد،كآية الخمس(3) في الغنائم التي هي بمعنى مطلق الفائدة، كما قرّر في محلّه(4)،حيث يكون التعبير فيه بهذا العنوان الذي هو الكسر المشاع، وكذا الرواياتالواردة في الخمس. وكيف كان، فالمسألة مشكلة جدّاً، كما لا يخفى.
- (1) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2688.
- (2) أي السيّد الخوئي قدسسره .
- (4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 10 ـ 15.
(صفحه 321)
(صفحه322)
زكاة الأبدان
المقصد الثاني: في زكاة الأبدان
وهي المسمّاة بزكاة الفطرة، وقد ورد فيها: «أنّه يتخوّف الفوت على من لمتدفععنه»(1) و«أنّها من تمام الصّوم، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآله من تمام الصلاة(2)».
والكلام فيمن تجب عليه، وفي جنسها، وفي قدرها، وفي وقتها، وفي مصرفها1:
1ـ وهي واجبة إجماعاً من المسلمين كما في العروة(3)، ولم ينقل الخلاف فيهإلاّ من شاذّ من العامّة(4) كما في محكي الجواهر(5)، بل يظهر من بعض الروايات
- (1) الفقيه 2: 118 ح508، الكافي 4: 174 ح21، علل الشرائع: 389 ح1، وعنها وسائل الشيعة 9: 328، كتابالزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب5 ح5.
- (2) الفقيه 2: 119 ح515، المقنعة: 264، وعنهما وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرةب1 ح5.
- (3) العروة الوثقى 2: 159 ـ 160 فصل في زكاة الفطرة، وكذا في جواهر الكلام 16: 173، وفي الخلاف2: 129 مسألة156، ومستند الشيعة 9: 377، أنّه إجماعيّ، وفي تذكرة الفقهاء 5: 365، أنّها واجبة بإجماعالعلماء، وفي منتهى المطلب 8 : 421، قد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة، وفي مصابيحالظلام 10: 555، أنّ وجوبها إجماعي الشيعة، بل وضروريّ مذهبهم، وفي كتاب الزكاة (تراث الشيخالأعظم): 398، أنّ وجوبها كاد يعدّ من الضروريّات.
- (4) المغني لابن قدامة 2: 645، الشرح الكبير 2: 645، المجموع 6: 85 ، مقدّمات ابن رشد 1: 253، بدايةالمجتهد 1: 287.
- (5) جواهر الكلام 16: 173.