(صفحه208)
وجه، لكنّ الأحوط خلافه. وفي احتساب ثمن الزرع والثمر إشكال، لا يبعد ···
مسألة 2: الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها؛ من غير فرق بين السّابقة علىزمان التعلّق واللاحقة، والأحوط ـ لو لم يكن الأقوى ـ اعتبار النصاب قبل إخراجها،فإذا بلغ النصاب تعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، ولكن تخرج المؤن منالكلّ، ثمّ يخرج العشر أو نصف العشر من الباقي قلّ أو كثر. ولو استوعبت المؤونةتمام الحاصل فلا زكاة.
والمراد بالمؤونة: كلّ ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة ويصرفه في تنميتهوحفظها وجمعها، كالبذر، وثمن الماء المشترى لسقيها، واُجرة الفلاّح والحارثوالحارس والسّاقي والحصّاد والجذّاذ. واُجرة العوامل التي يستأجرها للزرع،واُجرة الأرض ولو كانت غصباً ولم ينو إعطاء اُجرتها لمالكها، ومايصرفه لتجفيفالثمرة وإصلاح النخل وتسطيح الأرض وتنقية النهر، بل وفي إحداثه لو كان هذالزرع والنخل والكرم محتاجاً إليه.
والظاهر أنّه ليس منها ما يصرفه مالك البستان مثلاً في حفر بئر، أو نهر، أو بناءدولاب، أو ناعور، أو حائط، ونحو ذلك ممّا يعدّ من مؤونة تعمير البستان، لا منمؤونة ثمرته.
نعم، إذا صرف ذلك مشتري الثمرة ونحوه لأجل الثمر الذي اشتراه أو ملكهبالإجارة، يكون من مؤونته، ولا يحسب منها اُجرة المالك إذا كان هو العامل،ولااُجرة المتبرّع بالعمل، ولا اُجرة الأرض والعوامل إذا كانت مملوكة له، بلالأحوط عدم احتساب ثمن العوامل والآلات ـ التي يشتريها للزرع والسّقي ممّا يبقى عينها بعد استيفاء الحاصل.
نعم، في احتساب ما يرد عليها من النقص بسبب استعمالها في الزرع والسّقي
(صفحه209)
الاحتساب، لكن يقسّط على التبن والحنطة مثلاً بالنسبة1.
1ـ قد قوّى في المتن اعتبار خروج المؤن جميعها؛ من دون فرق بين المؤنالسابقة على زمان تعلّق الزكاة، وبين اللاّحقة له، ولكن جعل الأحوطلولميكن الأقوى اعتبار النصاب قبل إخراج المؤن، فإذا بلغ النصاب تعلّقالزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، ولكن تخرج المؤن من الكلّ ثمّ يخرجالعشر أو نصف العشر من الباقي قلّ أو كثر، ولو استوعبت المؤونة تمامالحاصل فلا زكاة، فهنا دعويان:
الاُولى: إخراج جميع المؤن المصروفة؛ من غير فرق بين السابقة على زمانالتعلّق أو اللاحقة له، وهذه مسألة خلافيّة وإن كان المنسوب إلىالمشهور(1)هو الاستثناء، لكن في المقابل جماعة كثيرة من الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرينقدّس اللّه أسرارهم(2).
وعمدة ما يمكن أن يستدلّ به للمشهور ـ مضافاً إلى دعوى أنّ الزكاة مثلالخمس، وقد ورد في الثاني: الخمس بعد المؤونة(3). وإن نوقش فيه بأنّالخمس إنّما يتعلّق بالربح مثلاً، ولا يلاحظ الربح إلاّ بعد المؤونة، وهذا بخلاف
- (1) مختلف الشيعة 3: 65 مسألة41، فوائد القواعد: 250، الروضة البهيّة 2: 35، الحدائق الناضرة 12: 129،مستند الشيعة 9: 191، جواهر الكلام 15: 388، كتاب الزكاة (تراث الشيخ الأعظم): 227، مصباح الفقيه13 (كتاب الزكاة): 372، المستند في شرح العروة الوثقى 23: 350، وهو خيرة جملة كثيرة من الفقهاءالعظام، فيلاحظ مفتاح الكرامة 11: 327 ـ 328.
- (2) الخلاف 2: 67 مسألة78، المبسوط 1: 217، الجامع للشرائع: 134، فوائد القواعد: 250 ـ 251، مداركالأحكام 5: 142، ذخيرة المعاد: 442 ـ 443، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 181، مفاتيحالشرائع 1: 190 مفتاح215، الحدائق الناضرة 13: 123 ـ 125، مستند الشيعة 9: 190 ـ 192، كتاب الزكاة(تراث الشيخ الأعظم): 228.
- (3) الفقيه 2: 22 ح80 ، وعنه وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه ب12 ح2.
(صفحه210)
الزكاة، حيث لم يدلّ دليل على تعلّقها بالفائدة لتلاحظ بعد إخراج المؤونة(1) التعليل الوارد في صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال:
يترك للحارس أجراً معلوماً، ويترك من النخل معافارة واُمّ جعرور،ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه(2).
فإنّ هذا التعليل يدلّ على العموم؛ لعدم خصوصيّة للحفظ بعنوانه.
ولكن ربما يناقش في هذا الدليل بأنّ مؤونة الحفظ تمتاز عن سائر المؤن؛نظراً إلى أنّ الحاجة الماسّة إلى الحراسة لا تكون إلاّ بعد بلوغ الثمر، حذراً منالسرقة أو التلف، فهي مؤونة حفظ العين بعد تحقّقها، وأين هذا من المؤنالسّابقة على زمان التعلّق المصروفة في سبيل تحصيل العين وتكوينه(3)؟!
وتندفع المناقشة بأنّ المتفاهم العرفي من التعليل المذكور ليس خصوصحفظ العين بعد تحقّقها، خصوصاً بعد كون الضمير المفعول راجعاً إلىالحائطلا إلى الثمر؛ ضرورة احتياج الحائط إلى الحفظ ولو قبل أن يثمر الأشجار، بلقبل وجدانها للأوراق والأغصان.
وما ورد في صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم المتقدّمة(4)؛ ممّا يدلّبظاهره على وجوب إخراج الزكاة بعد المقاسمة ممّا يحصل بيده، فالحصر فيهإضافيّ ملحوظ بالإضافة إلى الخراج؛ ضرورة أنّ الرواية لا تنفي اعتبار
- (1) المناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 351.
- (2) الكافي 3: 565 ح2، تهذيب الأحكام 4: 106 ح303، وعنهما وسائل الشيعة 9: 191، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الغلاّت ب8 ح4.
- (3) والمناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 353.
(صفحه 211)
النصاب مثلاً.
هذا، مضافاً إلى أنّ التعبير عن هذه الأربعة المتعلّقة للزكاة بالغلاّت الأربعـ كما في الكلمات ـ يدلّ على أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بها بهذا العنوان الذي لايتحقّقإلاّ بعد استثناء المؤونة وكسرها، وإلى أنّ جعل الخمس لنبي هاشم عوضاً عنالزكاة المرتبطة بغيرهم يؤيّد اعتبار المؤنة فيها كاعتبارها فيه، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المحقّق الهمداني قدسسره استدلّ للمشهور بما ملخصّة: أنّ مسألة الاستثناءوعدمه من الفروع العامّة البلوى الكثيرة الدوران في جميع الأعصاروالأمصار، فلابدّ من معرفتها والفحص عنها على كلّ من يجب عليه الزكاة،ومنهم أصحاب الأئمّـة عليهمالسلام لامتناع الغفلة عنها عادة بعد ما عرفت من شدّةالابتلاء، وحينئذٍ فإمّا أن يكونوا قائلين بالاستثناء أو بالعدم.
فعلى الأوّل: لم يكن ذلك إلاّ لوصوله إليهم من الإمام عليهالسلام ؛ لقضاء العادةبامتناع قيام السيرة في مثل هذا الحكم عن اجتهاد ورأي بمرئى منه ومسمعمن غير مراجعته عليهالسلام .
وعلى الثاني: فهو من غرائب التاريخ، بل غير قابل للتصديق؛ إذ كيفيمكن الشهرة في العصور المتأخّرة على خلاف السيرة الجارية في عصرالإمام عليهالسلام ؟! فيصحّ أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام عليهالسلام بطريقالحدس من رأي أتباعه المطابق لما عليه المشهور، بل ذكر أنّه لو جازاستكشاف رأي المعصوم عليهالسلام من فتوى الأصحاب في شيء من الموارد، فهذمن أظهر مصاديقه(1).
- (1) مصباح الفقيه (كتاب الزكاة) 13: 382 ـ 383.
(صفحه212)
واُورد عليه بأنّ المتصدّي لأمر الزكاة في عصرهم عليهمالسلام كان هو حكّامالجور، والعمّال المنصوبون من قبلهم، القائمون بجباية الزكوات، والمشهور بينفقهاء العامّة، ـ بل المتسالم عليه لديهم ما عدا عطاء ـ هو عدم الاستثناء(1)،فكانت السيرة العمليّة الجارية عليها عامّة الناس هو ذلك، ولأجله لميتيسّرللإمام عليهالسلام إبراز ما عنده نفياً أو إثباتاً، فبطبيعة الحال كان الحكم الواقعيمخفيّاً، أو لا أقلّ من أنّه لم يمكن بتلك المثابة من الظهور، ولا غرابة في ذلك؛فإنّ استثناء حصّة السّلطان المتسالم عليها الآن كان خفيّاً في ذلك العصر علىمثل محمّد بن مسلم مع جلالته وعلوّ شأنه بحيث تصدّى للسؤال عنه(2).
أقول: يمكن أن يقال بأنّ المتصدّي لأمر الزكاة في عصر الأئمّـة عليهمالسلام وإنكانهو حكّام الجور والعمّال من قبلهم، والمشهور بين فقائهم وإن كان ما ذكر،بحيث صارت موجبة لجريان السيرة العمليّة، العامّة بين الناس، إلاّ أنّه إن كانما عند الإمام عليهالسلام موافقاً لهم، فلم لم يصدر منهم ولو في مورد واحد ما يدلّعلى الموافقة؟ خصوصاً مع شدّة الابتلاء واهتمام الحكّام المزبور والعمّال بهذالأمر المادّي غير اليسير نوعاً، مع كثرة اهتمامهم بالاُمور الماليّة وكثرتها.
فمن ذلك يعلم أنّه لم يكن يتيسّر للإمام عليهالسلام إبراز ما عنده من النفي، واختفيذلك بحسب الروايات، وإلاّ فكيف يمكن ثبوت الشهرة في العصور المتأخّرةعلى خلاف السيرة الجارية في عصر الإمام عليهالسلام ؟ فمن ذلك يعلم صدق ما أفاده
- (1) الخلاف 2: 67 مسألة78، تذكرة الفقهاء 5: 154، المجموع 5: 428، المغني لابن قدامة 2: 572، مغنيالمحتاج 1: 386.
- (2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 354 ـ 355.