(صفحه328)
تكليفيّ محض، وليس فيه شائبة الحكم الوضعي بوجه، فلا يخالف ماذكرنا هنما أثبتناه في كتابنا القواعد الفقهيّة(1)؛ من عدم اختصاص الأحكام الوضعيّةبالبالغين، وشمولها لغيرهم، من دون فرق بين ما إذا كان رفعه مخالفاً للإمتنانعلى الغير ـ كالضمان في مثل إتلاف مال الغير وغصبه ـ وبين غيره.
الثاني: الحرّية(2)، وقد وردت روايات كثيرة(3) في اعتبارها في زكاة المال،والأمر في زكاة الفطرة يكون كذلك، وإن لا يكون فيها تسالم كالتسالم في زكاةالمال؛ لوجود الاختلاف في بعض مصاديق العبد كالمكاتب، إلاّ أنّ الأمر سهلبعد عدم وجود الموضوع، كما تقدّمت(4) الإشارة إليه في زكاة المال.
الثالث: الغنى، الذي هو عبارة عن ملكيّة مؤونة سنته له ولعياله الواجبيالنفقة بالفعل أو بالقوّة، كما إذا كان قادراً على التكسّب زائداً على ما يقابلالدين ومستثنياته، ويدلّ على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى أنّه المشهور(5)، بلإجماعيّ كما عن الجواهر(6) ـ بعض الروايات، مثل:
صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: سُئل عن رجل يأخذ من الزكاة
- (1) القواعد الفقهيّة 1: 345 ـ 352.
- (2) بلا خلاف فيه أيضاً، كما في ذخيرة المعاد: 471 س25، والحدائق الناضرة 12: 259، وجواهر الكلام16: 175، بل هو مجمع عليه، كما في تذكرة الفقهاء 5: 368 مسألة277، ومنتهى المطلب 8 : 424، ومداركالأحكام 5: 308.
- (3) وسائل الشيعة 9: 91 ـ 92، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب4.
- (5) مختلف الشيعة 3: 137 مسألة106، مفاتيح الشرائع 1: 214 مفتاح242، مصباح الهدى في شرح العروةالوثقى 10: 150 ـ 151، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 375، وفي الحدائقالناضرة 12: 261 ـ 262، أنّه الأشهر الأظهر.
- (6) جواهر الكلام 16: 179، وكذا في منتهى المطلب 8 : 425، وغيره.
(صفحه 329)
عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا(1).
والظاهر أنّ الأخذ كان بعنوان الفقر، لا بالعناوين الاُخر المذكورة في آيةالصدقة(2).
وموثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام : على الرجل المحتاجصدقة الفطرة؟ قال: ليس عليه فطرة(3).
والإنصاف أنّ إيجاب زكاة الفطرة على كلّ غنيّ موصوف بما ذكر من أهمّالتكاليف الإسلاميّة التي روعيت فيها المصالح الاجتماعيّة الموجبة لزوال الفقروالاحتياج عن الجامعة الإسلاميّة؛ فإنّ كلّ غنيّ مكلّف بزكاة الفطرة إذا أدّاهعن نفسه وعمّن يعوله لا يبقى في المجتمع الإسلامي فقير ومحتاج، كما نراهبالوجدان بالإضافة إلى جملة ممّن يهتمّ بهذا التكليف.
لكن في مقابل الروايات بعض ما يدلّ بظاهره على الوجوب على غير الغنيأيضاً، مثل:
ما رواه الشيخ بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام :أَعَلى مَن قَبِل الزكاة زكاة؟ فقال: أمّا من قَبِل زكاة المال فإنّ عليه زكاةالفطرة(4).
- (1) تهذيب الأحكام 4: 73 ح201، الاستبصار 2: 40 ح125، وعنهما وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة،أبواب زكاة الفطرة ب2 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 73 ح205، الاستبصار 2:41 ح129، وعنهما وسائل الشيعة 9: 322، كتاب الزكاة،أبواب زكاة الفطرة ب2 ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 73، 74 و 87 ح204، 207 و 254، الاستبصار 2: 41 ح128 و 131، المقنعة: 248،وعنها وسائل الشيعة 9: 322، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب2 ح10.
(صفحه330)
ولو اُغمض النظر عن سندها، وقلنا بإباء حملها على الاستحباب؛ للتعبيربكلمة «على»، خصوصاً في مقام الجواب عن السؤال فيها، الظاهر فيالوجوب، فلا محالة على فرض التعارض لابدّ من ترجيح الروايات المتقدّمة؛نظراً إلى موافقتها للشهرة الفتوائيّة، بل المجمع عليه كما عرفت.
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : الفقير الذي يتصدّق عليه هلعليه صدقة الفطرة؟ فقال: نعم، يعطي ممّا يتصدّق به عليه(1).
وحملها على الاستحباب ـ كما عن الشيخ في كتابيه في الأخبار ـ أهون منالرواية الاُولى، كما لا يخفى.
وعلى تقدير العدم، فالجواب ما ذكر من الترجيح.
ثمّ إنّ السيّد في العروة بعد تفسير الفقير في المقام بمن لا يملك ذلك ـ أيقوت السنة ـ قال: وإن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنةوإنكان عليه دين؛ بمعنى أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج، ويكفي ملكقوت السنة(2). ولكن جعل الاحتياط في المتن باعتبار الدين الحالّ في هذهالسنة لا غير.
ولا يبعد أن يقال بأنّ الملاك هو أداء الدين الحالّ في هذه السنة لا نفسالدين، وإن لم يكن له البناء على أدائه أصلاً، مثل ما يقال في مسألة الخمسالذي تكون المؤونة مستثناة منه: أنّ أداء الدين من المؤونة لا نفس الدين.
وذكر في المتن أنّ الأحوط الأولى لمن زاد على مؤونة يومه وليلته صاعٌ
- (1) الكافي 4: 172 ح11، تهذيب الأحكام 4: 74 ح208، الاستبصار 2: 41 ح132، المقنعة: 248، وعنهوسائل الشيعة 9: 324، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب3 ح2.
- (2) العروة الوثقى 2: 160 (الأمر الرابع).
(صفحه 331)
إخراجها، بل يستحبّ للفقير مطلقاً ـ ولو مع عدم زيادة الصاع المزبور الإدارة بالنحو المذكور فيه مع اشتراط أن لا يكون بينهم، وإلاّ فمقتضىالاحتياط اللازم أن يقتصر في الإدارة بينهم على خصوص غير القاصرينالمكلّفين، فلو أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها فيه ولا يردّها إلى غيره، كماهوظاهر.
(صفحه332)
مسألة 2: يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد؛ أي قبيلهولو بلحظة؛ بأن كان واجداً لها فأدرك الغروب، فلا يكفي وجودها قبله إذا زالعنده، ولا بعده لو لم يكن عنده، فتجب على من بلغ مثلاً عنده أو زال جنونه،ولا تجب على من بلغ بعده أو زال جنونه. نعم، يُستححبّ أداؤها إذا كان ذلك قبلالزوال من يوم العيد1.
1ـ المعتبر وجود الشرائط المذكورة في المسألة السّابقة عند دخول ليلةالعيد؛ أي قبله ولو بلحظة فقط؛ بأن كان مدركاً للغروب وهو واجد لجميعالشرائط؛ والدليل عليه ـ مضافاً إلى الشهرة(1)، بل الاجماع المدّعي في محكيّالجواهر(2) ـ بعض الروايات الواردة في بعض مصاديق المسألة، مثل:
رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في المولود يولد ليلة الفطر،واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر، قال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلعلى من أدرك الشهر(3).
والعجب أنّ صاحب الوسائل قد حكى في باب واحد روايتين لمعاوية بنعمّار بتوهّم التعدّد، وقد تبعه بعض الأعلام في الشرح(4)، مع وضوح الوحدة
- (1) كفاية الفقه، المشهور بـ «كفاية الأحكام» 1: 200، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 24: 387.
- (2) جواهر الكلام 16: 197، وكذا في مدارك الأحكام 5: 320، ومفاتيح الشرائع 1: 216 مفتاح244، ورياضالمسائل 5: 209، ومستند الشيعة 9: 385، وفي الحدائق الناضرة 12: 277، الظاهر أنّه لا خلاف فيه، وهوخيرة المبسوط 1: 240، وقواعد الأحكام 1: 357، ومصابيح الظلام 1: 577، وكتاب الزكاة (تراث الشيخالأعظم): 414، والعروة الوثقى 2: 161 مسألة2835.
- (3) الفقيه 2: 216 ح500، وعنه وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب11 ح1.
- (4) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 387 ـ 389.