(صفحه57)
ظاهراً في المؤمنين، كقوله ـ تعالى ـ : «يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآاْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ»(1)الآية، فيستفاد من مثلها أنّ تخصيص الخطاب بالمؤمنين ليس لأجلاختصاص الحكم بهم.
وأمّا عدم صحّة الزكاة منه لو أدّاها حال كفره، فمستنده أنّ الزكاة منالاُمور العباديّة، ولا يتمشّى فيها القصد من الكافر، ولكنّه مورد للمناقشة بعدتصحيح الأمر بأنّ الزكاة من الاُمور القربيّة لا العباديّة؛ لأنّ النسبة هي العموموالخصوص المطلق، كما حقّقناه في الاُصول(2) تبعاً للماتن قدسسره بأنّ الكافر المقرّباللّه المنكر لصفة الوحدانيّة أو النبوّة يعقل فيه قصد القربة؛ لما نرى من اجتماعأهل الكتاب في معابدهم، والاشتغال بأعمال يكون الداعي لهم إليها التقرّبإلى اللّه ـ تعالى ـ بالمعنى الشامل للوصول إلى الثواب والفرار عن العقاب.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ العمل العباديّ الذي يكون في الإسلام وليس لهسابقة في الأديان ـ كالزكاة في المقام ـ لا يكون الكافر المنكر للنبوّة معتقدبكونه مأموراً به من اللّه تعالى، ومقرّباً للعبد إليه. وعليه: كيف يتمشّى منهقصد القربة مع هذا الاعتقاد؟ نعم، يمكن فرضه في الأعمال العباديّة المشتركة،وهي قليلة جدّاً.
ثمّ إنّه ذكر في المتن أنّ «للإمام عليهالسلام أو نائبه أخذ الزكاة من الكافر قهراً، بلله أخذ عوضها منه لو كان أتلفها أو تلفت عنده على الأقوى».
وعمدة الدليل على جواز ذلك أنّ الزكاة تتعلّق بالعين على الخلاف في كيفيّة
- (2) سيرى كامل در اُصول فقه 3: 443 ـ 454.
(صفحه58)
التعلّق من الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن، أو الشركة في الماليّة، والاختيارفي مثل هذا المورد وإن كان أوّلاً وبالذات بيد صاحب المال، إلاّ أنّه يمكنالاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع، فكما أنّه يجوز لوليّ الصغير أخذماله المغصوب من المغصوب منه والتقاصّ ولو من غير الجنس ممّا يعادله فيالماليّة، فكذا فيما نحن فيه لوحدة المناط.
وعمدة ما استشكل به بعض الأعلام قدسسره في شرح العروة ـ المطابقة لما فيالمتن إلاّ في التعرّض لصورة التلف ـ أنّ السيرة العمليّة خلفاً عن سلف قائمةعلى عدم مطالبة الكافر بالزكاة؛ إذ لم يعهد لا في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا في عهدالخلفاء جباية الزكوات من الكفّار، ولم ينقل ذلك في تاريخ ولا رواية، بل كانتالجباية مختصّة بالمسلمين فحسب، ولا سيّما مطالبة الكافر الذي أسلم بزكواتالسنين المتعدّدة الماضية.
قال: وأشكل من ذلك أخذ عوضها منه لو اُتلف، والحكم بضمانه لها؛ضرورة أنّ القدر المتيقّن من السيره المزبورة، وكذا من حديث جبّالإسلام(1) هو صورة التلف ـ بالمعنى الأعمّ من الإتلاف ـ وعدم بقاء العين؛إذ لم تُعهَد مطالبة الكافر، ولا سيّما بعد أن أسلم، بزكوات السنين الماضية يقيناً،فما ذكره في المتن من الحكم بأخذ العوض منه لو اُتلف مشكل جدّاً(2).
- (1) السيرة النبويّة لابن هشام 3: 291، الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 286، المسند لابن حنبل 6: 232 قطعةمن ح17792، وص243 ح17829، وص246 ح17844، الأغاني 16: 82 ، دلائل النبوّة للبيهقي 4: 264،كنز العمّال 1: 66 ح243، السيرة الحلبيّة 3: 21، عوالي اللئالي 2: 54 ح145، وعنه مستدركالوسائل 7: 448، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب15 ح2، وج18: 220، كتاب القصاص،أبواب القصاص في النفس ب9 ح3، مجمع البحرين 1: 264.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 127.
(صفحه 59)
هذا كلّه مع بقاء الكافر على كفره. وأمّا لو أسلم، فتارة: يكون إسلامه بعدتمام الحول، واُخرى: يكون قبله ولو بلحظة.
ففي الصورة الاُولى: يكون مقتضى حديث الجبّ سقوط الزكاة عنهوعدم الأخذ منه، غاية الأمر أنّه لا إشكال في ذلك في صوره عدم بقاء العين.وأمّا في صوره البقاء وثبوت موضوع حقّ الفقراء مثلاً، فقد استشكل فيه فيالمتن.
وحكي عن بعض الأعاظم قدسسره في التعليقة على العروة عدم السقوطحينئذٍ(1)، والظاهر أنّ وجهه كونه مقتضى القاعدة بعد المناقشة في سند حديثالجبّ، أو إطلاق دلالته لهذه الصورة؛ فإنّك عرفت آنفاً أنّ القدر المتيقّن منحديث الجبّ صورة التلف.
وأمّا الصورة الثانية: فالظاهر كما في المتن الوجوب عليه؛ إذ لا يكونهناك ما يدلّ على مضيّ جميع أجزاء الحول في حال الإسلام، كما لا يخفى.
- (1) التعليقة على العروة الوثقى للسيّد الخوئي قدسسره : 178 ـ 179.
(صفحه60)
ما تجب فيه الزكاة وما تُستحبّ
القول فيما تجب فيه الزكاة وما تُستحبّ
مسألة 1: تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، وفي النقدين:الذهب والفضّة، وفي الغلاّت الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ولا تجبفيما عدا هذه التسعة. وتُستحبّ في الثمار وغيرها ممّا أنبتت الأرض حتّى الاُشنان،دون الخضر والبقول، كالقتّ والباذنجان والخيار والبطّيخ ونحو ذلك. واستحبابهفي الحبوب لا يخلو من إشكال.
وكذا في مال التجارة والخيل الإناث. وأمّا الخيل الذكور وكذا البغال والحمير،فلا تُستحبّ فيها. والكلام في التسعة المزبورة ـ التي تجب فيها الزكاة ـ يقع في ثلاثةفصول:1.
1ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:
الأوّل: وجوب الزكاة في التسعة الاُولى المذكورة في المتن، والظاهر أنّهلا إشكال بل لا خلاف فيه بين المسلمين، بل هو من ضروريّات الفقهلو لم يكن من ضروريّات الدين(1)، وقد دلّ على إثباتها فيها الروايات
- (1) غنية النزوع: 115، منتهى المطلب 8 : 37، تذكرة الفقهاء 5: 43، مستند الشيعة 9: 62، جواهر الكلام15: 23 و 111، العروة الوثقى 2: 85 ، أوّل كتاب الزكاة، المستند في شرح العروة الوثقى 23: 3 و 133.
(صفحه61)
المستفيضة بل المتواترة، كما حكي ادّعاؤها عن صاحب الجواهر(1) وإننوقشفي اتّصافها بهذه الصفة(2).
ولعلّ مراده هو التواتر المعنوي الراجع إلى العلم الإجمالي بصدور بعضهذه الروايات، فتكون حجّة في القدر المتيقّن:
منها: صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال سُئل عنالزكاة؟ فقال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب والفضّة، والحنطة والشعيروالتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عمّا سوى ذلك(3).
ومنها: صحيحة أبي بصير والحسن بن شهاب، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال:وضع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الزكاة على تسعة أشياء وعفا عمّا سوى ذلك: على الذهبوالفضّة، والحنطة والشعير والتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم(4).
ومنها: رواية محمّد (بن جعفر خ ل) الطيّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عمّتجب فيه الزكاة؟ فقال: في تسعة أشياء: الذهب والفضّة، والحنطة والشعيروالتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عمّا سوى ذلك.
فقلت: أصلحك اللّه، فإنّ عندنا حبّاً كثيراً، قال: فقال: وما هو؟ قلت: الأرُز،قال: نعم، ما أكثره، فقلت: أفيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثمّ قال: أقول لك: إنّرسول اللّه صلىاللهعليهوآله عفا عمّا سوى ذلك، وتقول لي: إنّ عندنا حبّاً كثيراً أفيه
- (1) جواهر الكلام 15: 111.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 133.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 3 ح4، الاستبصار 2: 3 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب8 ح11.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 3 ح3، الاستبصار 2: 2 ح3، وعنهما وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب8 ح10.