(صفحه272)
إلى المتجاهر بمثل شرب الخمر، أو أقوى منه، كما لا يخفى.
وأمّا العدالة، فقد أفتى في المتن بعدم اشتراطها، وإن كان ذلك مقتضىالاحتياط الاستحبابي؛ والوجه فيه: أنّ اعتبارها لعلّه ينافي الغرض من الزكاة؛من خروج الفقراء والمساكين عن هذه العناوين بعد كون العدالة فيهم قليلة.
نعم، لا ينبغي الإشكال في تفاوت مراتب الرجحان في الأفراد من حيثالاشتغال بالعلوم الحوزويّة، وشدّة الفقر، وقرابة الفقير، ورحميّته وأمثال ذلك.
نعم، قوّى في المتن عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، أو إغراءًبالفعل القبيح، وفي المنع ردع عن المنكر، وإن نوقش في الأوّل بأنّ الحرامالمنهيّ عنه هو التعاون على الإثم والعدوان لا الإعانة عليه(1)، ولكن دفعنا هذهالمناقشة في المكاسب المحرّمة، في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يصنعه خمراً(2)،مع العلم بأنّ نظر الشارع في جعل الزكاة وتشريعها لا يكون ذلك.
ثمّ إنّه جعل في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي اعتبار العدالة في العاملين،الذين هم من الأصناف الثمانية من المستحقّين، وإن نفى البعد عن كفاية الوثاقة.
ولعلّ الدليل على الاعتبار هو اقتضاء شغلهم، والتناسب بين الحكموالموضوع ذلك؛ لأنّه مع عدم الوثاقة لا يؤمن من العمل على طبق وظيفةالجباية؛ من الأخذ من كلّ من تجب الزكاة عليه وإن كان من القرابة والأحبّة،كما أنّه لا يؤمن من الصرف فيما يشتهيه ويريده وإن لم يكن ذا سهم في الزكاة،وهكذا بعض الاُمور الاُخر.
- (1) النافش هو السيّد الخوئي قدسسره في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 151.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، المكاسب المحرّمة: 91 ـ 103.
(صفحه 273)
وأمّا الغارم وابن السبيل وفي الرقاب، فلا تكون العدالة معتبرة فيهم، فضلعن المؤلّفة التي عرفت(1) عدم اعتبار الإيمان فيهم أيضاً، وفي سبيل اللّه بناءًعلى التفسير الذي اخترناه(2).
(صفحه274)
الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك، كالأبوين وإن علوا، والأولادوإن نزلوا، والزوجة الدائمة التي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط، أو غيره منالأسباب الشرعيّة، فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق وإن سقط عنه وجوبه لعجزه؛ منغير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق، أو إتمام ما يجب عليه بها، كما لو كان قادراً علىإطعامهم، وعجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها.
نعم، لا يبعد جوازه للتوسعة عليهم وإن كان الأحوط خلافه. ويجوز دفعها إليهملأجل إنفاقهم على من تجب نفقته عليهم دونه، كالزوجة للوالد أو الولد مثلاً، كما أنّهيجوز دفع الغير إليهم ولو للإنفاق. ولو كان من تجب عليه باذلاً فالأحوط عدم الدفعوإن كان الأقوى في غير الزوجة جوازه. ولو عال أحداً تبرّعاً جاز له ولغيره دفعزكاته إليه حتّى للإنفاق؛ من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريباً أو أجنبيّاً.ولابأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها وإن أنفقها عليها، وكذا غيرها ممّن تجبنفقته عليه بسبب من الأسباب1.
1ـ اعتبار هذا الأمر مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ولا إشكال(1)، وتقتضيهمناسبة الحكم والموضوع، يدلّ عليه روايتان مهمّتان:
إحداهما: صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: خمسةلا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب، والاُمّ، والولد، والمملوك، والمرأة، وذلك أنّهمعياله لازمون له(2).
- (1) السرائر 1: 459، الحدائق الناضرة 12: 210، مستند الشيعة 9: 308، جواهر الكلام 16: 32، المستند فيشرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 157.
- (2) الكافي 3: 552 ح5، تهذيب الأحكام 4: 56 ح150، الاستبصار 2: 33 ح101، وعنها وسائل الشيعة9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح1.
(صفحه275)
ثانيتهما: رواية إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام في حديثقال: قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاةعليهم؟ فقال: أبوك، واُمّك، قلت: أبي واُمّي؟ قال: الوالدان، والولد(1).
ويستفاد من الرواية حكم الزوجة؛ لأنّها القدر المتيقّن من العيال الذي يلزمالرجل وإن كانت الرواية الثانية موردها القرابة، ومع ذلك لا دلالة لهعلى الانحصار بقرينة الذيل.
لكن في مقابلهما رواية عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي قال: كتبتإلىأبي الحسن الثالث عليهالسلام : إنّ لي ولداً رجالاً ونساءً، أفيجوز أن اُعطيهم منالزكاة شيئاً؟ فكتب عليهالسلام : إنّ ذلك جائز لك(2). وذكر في الوسائل بعد نقل الروايةأنّه حمله الشيخ على صرفه في التوسعة؛ يعني مازاد على القدر الواجب عليهمن الكفاية. ولكن بناءً على مبنانا ـ لو اُغمض النظر عن سند الرواية ـ تكونموافقة الاُوليين مع الشهرة الفتوائيّة مرجّحة لهما عليها، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المراد بالزوجة هي الدائمة في مقابل المنقطعة التي لا تجب نفقتهعلى زوجها، مع عدم سقوط وجوب النفقة عن زوجها بالشرط، أو غيره منالأسباب الموجبة للسقوط، كالنشوز ـ وسيأتي حكم النشوز ـ ونحوه.
وذكر في المتن أنّه لا يجوز دفع الزكاة إليهم؛ أي إلى من تجب نفقته علىالمالك وإن سقط عنه وجوبه لعجزه، كما أنّه لا فرق في العدم بين إعطاء تمام
- (1) الكافي 3: 551 ح1، تهذيب الأحكام 4: 56 ح149، وص100 ح283، الاستبصار 2: 33 ح100، وعنهوسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب13 ح2.
- (2) الكافي 3: 552 ح9، تهذيب الأحكام 4: 56 ح152، الاستبصار 2: 34 ح102، وعنها وسائل الشيعة9: 243، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب14 ح3.
(صفحه276)
الإنفاق، أو إعطاء إتمام ما يجب عليه بها، كالمثال المذكور في المتن. نعم، نفىالبعد فيه عن الجوازللتوسعة عليهموإن جعلالاحتياط الاستحبابي فيخلافه.
كما أنّه جوّز الدفع إليهم لا لأجل أنفسهم، بل لأجل الصرف في إنفاق منتجب نفقته عليه، كزوجتي الوالد والولد؛ فإنّ الواجب على معطي الزكاةنفقتهما، لا نفقة من تجب نفقته عليهما، ولا مانع من دفع الغير إليهم ولو للإنفاق.
ولو كان من تجب عليه باذلاً، فقد قوّى الجواز في غير الزوجة، واحتاطاستحباباً بالعدم في غيرها. أمّا أصل الجواز؛ فلأنّه لا مانع في الدافع والمدفوعإليه؛ لفرض عدم وجوب نفقته على الدافع.
وأمّا استثناء الزوجة؛ فقد قال سيّد العروة: إنّه لا ينبغي الإشكال في عدمجواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل، بل نفى البعد عن عدم الجواز إذا أمكنإجبار الزوج على الإنفاق في صورة امتناعه(1)، والعلّة تغاير وجوب الإنفاقللزوجة مع وجوب نفقة الأقارب، حيث إنّ الأوّل دين عليه دون الثاني؛ فإنّهليس إلاّ مجرّد التكليف، كما حقّق في بحثه في النكاح(2). ولو تصدّى لعيلولةأحد بنحو التبرّع، يجوز له ولغيره دفع الزكاة ولو للإنفاق إليه، من غير فرقبين القريب والأجنبي.
ولا بأس بدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها المستحقّ لها؛ وإن صرفها الزوجفي النفقة الواجبة عليه بالإضافة إلى الزوجة. وهكذا في غير الزوجة ممّن تجبنفقته عليه بسبب من الأسباب.
- (1) العروة الوثقى 2: 133 مسألة2741.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 591 ـ 593 و 602.