(صفحه138)
المتن له أن يدفع قيمتها السوقيّة من الدراهم والدنانير وغيرهما من سائرالأجناس إن كان ذلك خيراً للفقراء، وإلاّ فقد تأمّل فيه وإن جعل عدم خلوّالجواز عن الوجه.
أقول: الظاهر جواز دفع القيمة السوقيّة من الدراهم والدنانير وأشباههممن الأوراق النقديّة المتداولة بعنوان الثمن غالباً؛ لدلالة بعض الروايات، مثل:
صحيحة محمّد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليهالسلام : هليجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب على الذهبدراهم بقيمة ما يسوى، أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كلّ شيء مافيه؟فأجاب عليهالسلام : أيّما تيّسر يُخرج(1).
بدعوى إلغاء الخصوصيّة؛ ضرورة أنّه لا خصوصيّة للحنطة والشعيروالذهب.
ومثلها صحيحة عليّ بن جعفر عليهالسلام ـ الواردة في الذهب وإبداله بالدرهم،وبالعكس ـ قال: سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن الرجل يعطي عن زكاته عنالدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة، أيحلّ ذلك؟ قال: لا بأس به(2).
هذا بالنسبة إلى الدفع من الدراهم والدنانير وأشباههما.
وأمّا بالإضافة إلى الأجناس الاُخر، فقد دلّت معتبرة يونس بن يعقوب
- (1) الكافي 3: 559 ح1، تهذيب الأحكام 4: 95 ح271، الفقيه 2: 16 ح52، وعنها وسائل الشيعة 9: 167،كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام ب14 ح1.
- (2) الكافي 3: 559 ح2، قرب الإسناد: 229 ح896 ، الفقيه 2: 16 ح51، مسائل علي بن جعفر: 125 ح92،تهذيب الأحكام 4: 95 ح272، وعنها وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّةب14 ح2.
(صفحه 139)
ـ المنقولة من كتاب قرب الإسناد ـ على عدم البأس، قال: قلتلأبي عبداللّه عليهالسلام : عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم منها ثيابوطعاماً وأرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس(1).
ولكن نوقش في الدلالة؛ نظراً إلى أنّ الرواية ناظرة إلى ما إذا عيّن زكاتهوأفرزها خارجاً ليعطيها لعائلة من عوائل المسلمين، وبما أنّ العيال يتضمّنالنساء والقاصرين بطبيعة الحال، ولا يتيسّر لهم غالباً الانتفاع من عين الزكاةالتي هي من النقدين في غالب الأحوال إلاّ بالتبديل بطعام أو ثياب ونحوهما.
ومن المعلوم عدم جواز التصرّف في الزكاة بعد الإفراز والعزل إلاّ بإذن ممّنبيده الأمر؛ فلأجل ذلك احتاج السائل إلى الاستجازة من الإمام عليهالسلام فيالتصرّف المزبور(2).
هذا، ولكنّ المناقشة مدفوعة؛ بأنّ فهم العرف من الرواية يقضي بخلافذلك، ويحكم بأنّه إذا كان الدفع من الأجناس الاُخر خيراً لهم، فلا مانع منه،كما أفاده في المتن، بل حيث إنّ هذا التقييد قد وقع في كلام السال يمكن أنيقالبعدم مدخليّته، وأنّ الحكم بالجواز مطلق غير مقيّد.
وقد ذكر بعض الفضلاء من الحاضرين في مجلس البحث، ما يرجع إلىأنّ«أُعطيهم من الزكاة» بصورة المجهول، والمراد: أنّ الزكاة من قبل من تجب عليهتدفع إلى يونس، الذي كان مأذوناً من قبل الإمام عليهالسلام ، وبعد الأخذ بعنوانه عليهالسلام هل يجوز له أن يبدّلها طعاماً وثياباً، بمناسبة أنّ خير الفقراء فيه؟
- (1) قرب الإسناد: 49 ح159، وعنه وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّةب14 ح4.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 192.
(صفحه140)
ومقصوده السؤال عن صحّة هذا العمل ومشروعيّته.
ويرد عليه: أنّ حمل «أُعطيهم» على صورة المجهول، مع وضوح فاعله ومنيعطى إليه، وكون المعطى معنوناً بعنوان الزكاة غير صحيح، ويونس بنيعقوب لم يعلم أنّه كان وكيلاً للإمام عليهالسلام في مثل هذه الجهات، مع أنّ التعرّضللإجازة الشخصيّة لا يجدي في مقام النقل. وإن كان مراده السؤال عن الحكمالشرعي الكلّي بالنسبة إلى كلّ من يعطي الزكاة ولو كان وكيلاً له في هذهالجهة أو مطلقاً، فهو عين النقل والرواية؛ لعدم مدخليّة شخص فيما ذكر،فالإنصاف أنّ الرواية لا تكون في مقام الاستجازة والإجازة الشخصيّين،كما لا يخفى.
بقي الكلام في المدار في القيمة، وقد فصّل فيه في المتن بين صورة وجودالعين وعدم تحقق التلف له، فالمدار وقت الأداء والبلد الذي تكون العين فيهموجودة، وبين صورة التلف بالضمان، فالمدار قيمة يوم التلف وبلده.
أقول: أمّا صورة وجود العين، فواضح أنّ المدار في القيمة فيها ما اُفيد؛ لأنّهبعد دلالة الأدلّة المتقدّمة على جواز دفع القيمة، فالقدر المسلّم هي القيمةالقائمة مقام العين؛ وهي لا تتحقّق إلاّ بالقيمة المذكورة، كما لا يخفى.
وأمّا صورة تلف العين مع الضمان، كما إذا تلفت مع التعدّي أو التفريط،فقد استظهر في المتن أنّ المدار قيمة التلف وبلده وإن احتاط استحباباً برعايةأكثر الأمرين من ذلك، ومن يوم الأداء وبلده؛ والوجه فيه: أنّ التحقيق أنّالمستفاد «من قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1) ـ في المغصوب ومثله
- (1) يراجع لتوضيح هذه القاعدة إلى القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدسسره 1: 87 ـ 164.
(صفحه 141)
وإن كانت هي قيمة يوم الأداء ولو طال الزمان بعد تحقّق التلف، إلاّ أنّموردها صورة وجوب أداء شخص العين؛ لتعلّق مثل الغصب به.
وأمّا في المقام، فقام الدليل على عدم لزوم دفع العين، وجواز دفع القيمةوإن كانت العين موجودة، ففي الحقيقة يكون صاحب العين الزكويّة موظّفبدفع مقدار ماليّة الزكاة، لا من خصوص العين الزكويّة، وربما يؤيّده القولبالشركة الحقيقيّة.
وقد عرفت(1) دلالة بعض الروايات عليه، ولعلّه تقتضيه ظاهر الآيةالشريفة الواردة في الصدقات(2) على تأمّل؛ لوجود الفرق بين آية الخمس(3)،وآية الزكاة(4) المعروفة؛ لأنّ الاُولى ناظرة إلى نفس متعلّق الوجوب، وهوالكسر المشاع؛ لوضوح أنّه من الكسور المشاعة، والثانية متعرّضة لمصاريفالزكاة من دون تعرّض لكونها على سبيل الإشاعة أو على سبيل غيرها.
وقد مرّ(5) أنّه لا يمكن الإشاعة في كثير من مواردها، كما فيالشّاة الواجبة فيخمس من الإبل ونظائرها، ولذا التزمنا بالشركة في الماليّة دون المال، فتأمّل.
إلاّ أنّه مع ذلك يكون الاحتياط المذكور في المتن حسناً، فلا ينبغي أنيترك،كما لا يخفى.
- (1) في ص135، وسيأتي البحث عنها مفصّلاً في ص316 ـ 321.
(صفحه142)
اعتبار النصاب في زكاة النقدين
الفصل الثاني في زكاة النقدين
ويعتبر فيها ـ مضافاً إلى ما عرفت من الشرائط العامّة ـ اُمور:
الأوّل: النصاب، وهو في الذهب عشرون ديناراً، وفيه عشرة قراريط هي نصفالدينار، والدينار مثقال شرعيّ؛ وهو ثلاثة أرباع الصيرفي، فيكون العشرون دينارخمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً، وزكاته ربع المثقال وثُمنه، ولا زكاة فيها دون عشرين،ولا فيما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير؛ وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة، ففيها قيراطان؛إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً.
وهكذا كلّما زاد أربعة، وليس فيما نقص عن أربعة دنانير شيء، لكن لا بمعنىعدم تعلّق الزكاة به رأساً كما قبل العشرين، بل المراد بالعفو عمّا بين النصابين هو: أنّمازاد عن نصاب إلى أن بلغ نصاباً آخر متعلّق للفرض السابق، فالعشرون مبدالنصاب الأوّل إلى أربعة وعشرين؛ وهو متعلّق للفرض الأوّل؛ أي نصف الدينار،فإذا بلغت أربعة وعشرين زاد قيراطان إلى ثمانية وعشرين، فزاد قيراطان وهكذا1.
1ـ لا إشكال ولا خلاف في اعتبار النصاب في زكاة النقدين(1)، بل عليه
- (1) منتهى المطلب 8 : 157، الحدائق الناضرة 12: 85 ، رياض المسائل 5: 84 ، مستند الشيعة 9: 141،مستمسك العروة الوثقى 9: 115، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 255.