(صفحه226)
نعم، عملهم في البحر كان ملازماً عادة لحقارتهم واستضعافهم الموجبلعدم قدرتهم على منع الملك الذي يأخذ كلّ سفينة غصباً، وقد كثر استعمالالمساكين في الكتاب العزيز في كفّارة اليمين وغيرها من موارد متعدّدة(1).
ويمكن أن يقال في المقام ـ خصوصاً بلحاظ ما أشرنا إليه من الرواية ـ : إنّالمسكين هو الفقير الذي تكون شدّة فقره موجباً لتحمّله ذلّ السؤال وقبولحقارته وإن كان آبياً عن ذلك.
والرواية هي صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام أنّه سأله عن الفقيروالمسكين؟ فقال: الفقير: الذي لا يسأل، والمسكين: الذي هو أجهد منه، الذييسأل(2).
والظاهر أنّ المراد من قوله عليهالسلام : «الذي يسأل» هو الذي كانت شدّة جهدهموجبة لما ذكرنا من تحمّل ذلّ السؤال، وإلاّ فهو أيضاً قد لا يسأل.
وفي رواية أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : قول اللّه ـ عزّوجلّ ـ : «إِنَّمَا الصَّدَقَـتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَـكِينِ»؟ قال: الفقير: الذي لا يسألالناس، والمسكين: أجهد منه، والبائس: أجهدهم، الحديث(3).
وقد فسّرهم في المتن بالذين لا يملكون مؤونة أنفسهم ومن يقومون بهـ اللاّئقة بحالهم ـ لا بالفعل ولا بالقوّة، وفرّع عليه أنّه من كان ذا اكتساب يموّن
- (1) سورة البقرة 2: 83 ، 177 و 215، سورة النساء 4: 8 و 36، سورة المائدة 5: 89 و 95، سورة الأنفال 8 : 41،سورة النور 24: 22.
- (2) الكافي 3: 502 ح18، وعنه وسائل الشيعة 9: 210، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب1 ح2.
- (3) الكافي 3: 501 ح16، تهذيب الأحكام 4: 104 ح297، وعنها وسائل الشيعة 9: 210، كتاب الزكاة، أبوابالمستحقّين للزكاة ب1 ح3.
(صفحه 227)
به نفسه وعياله على وجه كان لائقاً بحاله، لا ينطبق عليه شيء من العنوانين،وكذا صاحب الصنعة والضيعة وغيرهما ممّا يحصل ذلك.
نعم، لو كان قادراً على الاكتساب ولكن لم يفعل تكاسلاً وتسامحاً، فقد نهىعن ترك الاحتياط بعدم الأخذ وعدم الإعطاء، بل نفى خلوّ عدم الجواز عنالقوّة؛ لصدق القادر عليه عرفاً.
(صفحه228)
مسألة 1: مبدأ السنة التي تدور صفتا الفقر والغنى مدار مالكيّة مؤونتها وعدمههو زمان إعطاء الزكاة، فيلاحظ كفايته وعدمها في ذلك الزمان، فكلّ زمان كانمالكاً لمقدار كفاية سنته كان غنيّاً، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصيرفقيراً1.
1ـ مبدأ السنة التي تدور صفتا الفقر والغنى مدار مالكيّة مؤونتها وعدمههو زمان إعطاء الزكاة وإرادتها، فاللازم ملاحظة الكفاية وعدمها في ذلكالزمان، فكلّ زمان يكون مالكاً لمقدار كفاية سنته فعلاً أو قوّة كان غنيّلايستحقّ الزكاة.
وقد فرّع عليه: أنّه إذا نقص عن ذلك بعد صرف البعض يتّصف بالفقرويستحقّ الزكاة، ولا دلالة في العبارة على أنّ المقدار المستحقّ من الزكاة فيهذه الصورة هو المقدار الناقص أو أعمّ منه، والظاهر المطابق للاحتياط هوالأوّل، كما لا يخفى، وسيأتي في المسألة الثالثة إن شاء اللّه تعالى.
(صفحه229)
مسألة 2: لو كان له رأس مال يكفي لمؤونة سنته لكن لم يكفه ربحه، أو ضيعةتقوم قيمتها بمؤونة سنة أو سنوات لكن لا تكفيه عوائدها، لا يكون غنيّاً، فيجوز لهأن يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المؤونة1.
1ـ وجه عدم كونه غنيّاً، وأنّه يجوز له إبقاء رأس المال بحاله ـ وكذا الضيعةالتي يكون على فرض البيع كافياً بمؤونة سنة أو سنوات ـ أنّك عرفت(1) أنّهلم يأت الإسلام لأن يجعل الفقير في الجملة فقيراً مطلقاً، ومن كان قائمبالتجارة أو بمديريّة الضيعة فاقداً لهما، بل اقتران الأمر بإيتاء الزكاة مع الأمربإقامة الصلاة في موارد كثيرة من الكتاب(2) لعلّه شاهد على أنّ الشارع أرادإدارة الدنيا والآخرة بجعل الفقير غنيّاً لا بالعكس.
وعليه: ففي مفروض المسألة ـ التي يكفي نفس رأس المال لمؤونة سنته،لكن ربحه الحاصل مع التجارة لا يكفي لذلك ـ لا يتحقّق صفة الغني بوجه،وكذا صاحب الضيعة إذا أراد بيعها فهو يكفي، ومع الاقتصار على العوائدلاتكفي؛ فإنّه لا يكون غنيّاً حينئذٍ.
- (2) تقدّم تخريجها في ص13.
(صفحه230)
مسألة 3: الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته، كما أنّ الأحوطللفقير عدم أخذه، وأنّ الأحوط أيضاً في المكتسب الذي لا يفي كسبه، وصاحبالضيعة التي لا يفي حاصلها، والتاجر الذي لا يكفي ربحه بمؤونته، الاقتصارعلى التتمّة أخذاً وإعطاءً1.
1ـ في هذه المسألة احتاط وجوباً في موارد متعدّدة:
أحدها: عدم إعطاء الفقير أزيد من مؤونة سنته؛ ولعلّه لأجل أنّ الملاك فياستحقاقه للزكاة هو فقدانه لمؤونة السنة، فهذا ربما يكون دليلاً؛ لأنّ المقدارالذي يعطى إليه هو المقدار الذي يفتقر إليه لا الزائد عنه؛ وإن كان الجمود لعلّهيقتضي غير ذلك.
ثانيها: عدم أخذ الفقير أزيد من مؤونة سنته؛ لعين ما ذكرنا من الوجه.
ثالثها: المشتمل على ثلاثة فروض: المكتسب الذي لا يفي كسبه، وصاحبالضيعة التي لا يفي حاصلها، والتاجر الذي لا يكفي ربحه بمؤونته؛ فإنّ مقتضىالاحتياط تتميم الناقص من الزكاة، لا رفع اليد عن هذه الاُمور، ولا أخذجميع المؤونة من الزكاة، بل المقدار الذي يحتاج إليه لذلك مع حفظ كسبهوضعيته وتجارته، كما لا يخفى.