(صفحه61)
المستفيضة بل المتواترة، كما حكي ادّعاؤها عن صاحب الجواهر(1) وإننوقشفي اتّصافها بهذه الصفة(2).
ولعلّ مراده هو التواتر المعنوي الراجع إلى العلم الإجمالي بصدور بعضهذه الروايات، فتكون حجّة في القدر المتيقّن:
منها: صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال سُئل عنالزكاة؟ فقال: الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب والفضّة، والحنطة والشعيروالتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عمّا سوى ذلك(3).
ومنها: صحيحة أبي بصير والحسن بن شهاب، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال:وضع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الزكاة على تسعة أشياء وعفا عمّا سوى ذلك: على الذهبوالفضّة، والحنطة والشعير والتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم(4).
ومنها: رواية محمّد (بن جعفر خ ل) الطيّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عمّتجب فيه الزكاة؟ فقال: في تسعة أشياء: الذهب والفضّة، والحنطة والشعيروالتمر والزبيب، والإبل والبقر والغنم، وعفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عمّا سوى ذلك.
فقلت: أصلحك اللّه، فإنّ عندنا حبّاً كثيراً، قال: فقال: وما هو؟ قلت: الأرُز،قال: نعم، ما أكثره، فقلت: أفيه الزكاة؟ فزبرني، قال: ثمّ قال: أقول لك: إنّرسول اللّه صلىاللهعليهوآله عفا عمّا سوى ذلك، وتقول لي: إنّ عندنا حبّاً كثيراً أفيه
- (1) جواهر الكلام 15: 111.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 133.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 3 ح4، الاستبصار 2: 3 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب8 ح11.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 3 ح3، الاستبصار 2: 2 ح3، وعنهما وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب8 ح10.
(صفحه62)
الزكاة؟!(1).
ومنها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليهالسلام : لمّا اُنزلت آيةالزكاة «خُذْ مِنْ أَمْوَ لِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِم بِهَا»(2) في شهر رمضان،فأمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مناديه فنادى في النّاس:
إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة،ففرض اللّه عليكم من الذهب والفضّة، والإبل والبقر والغنم، ومن الحنطةوالشعير والتمر والزبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان، وعفا لهمعمّا سوى ذلك، الحديث(3).
ومنها: غير ذلك من الروايات التي جمعها في الوسائل في الباب الثامن منأبواب «ما تجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه»، فلا ينبغي الارتياب فيالوجوب بالإضافة إلى التسعة المذكورة في المتن.
المقام الثاني: في عدم الوجوب فيما عدا هذه التسعة. وهنا روايات ظاهرةفي الوجوب، مثل:
صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّه قال: كلّ ما كيل بالصاع فبلغالأوساق فعليه الزكاة، وقال: جعل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الصدقة في كلّ شيء أنبتتالأرض إلاّ ما كان في الخضر والبقول، وكلّ شيء يفسد من يومه(4).
- (1) تهذيب الأحكام 4: 4 ح9، الاستبصار 2: 4 ح9، وعنهما وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبوابما تجب فيه الزكاة ب8 ح12.
- (3) الفقيه 2: 8 ح26، الكافي 3: 497 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 9: 53، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيهالزكاة ب8 ح1.
- (4) الكافي 3: 510 ح2، وعنه وسائل الشيعة 9: 63، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب9 ح6.
(صفحه 63)
وصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال عليهالسلام :البرّ والشعير والذرّة والدخن والأرُز والسُلت والعدس والسمسم، كلّ هذيزكّى وأشباهه(1).
وصحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : هل في الأرُز شيء؟ فقال:نعم، ثمّ قال: إنّ المدينة لم تكن يومئذٍ أرض أرُز، فيقال فيه، ولكنّه قد جعلفيه، وكيف لا يكون فيه وعامّة خراج العراق منه(2).
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : في الذرّة شيء؟ فقال لي:الذرّة والعدس والسُلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير، وكلّ ما كيلبالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة(3).
والظاهر أنّها متّحدة مع صحيحة زرارة المتقدّمة، ولا تكون رواية اُخرىوإن كان ظاهر الوسائل ذلك.
ولأجل هذه الروايات أنّ المنقول عن ابن الجنيد الفتوى بالوجوب(4)،وعن المشهور الحمل على الاستحباب(5) كما في نظائره، جمعاً بينها، وبين
- (1) الكافي 3: 510 ح1، تهذيب الأحكام 4: 3 ح7، وص65 ح175، الاستبصار 2: 3 ح7، المقنعة: 245،وعنها وسائل الشيعة 9: 62، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب9 ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 4: 65 ح178، وعنه وسائل الشيعة 9: 64، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاةب9 ح11.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 65 ح177، وعنه وسائل الشيعة 9: 64، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاةب9 ح10.
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 70 مسألة45.
- (5) مستمسك العروة الوثقى 9: 57، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي23: 135 و 137.
(صفحه64)
الروايات المتقدّمة الظاهرة في الحصر على التسعة، وعن صاحب الحدائقإنكار الاستحباب والإصرار على الجمع بالحمل على التقيّة(1).
والتحقيق أن يقال: إنّه بعد فرض التعارض بين الطائفتين، وعدم إمكانالجمع بينهما عرفاً، بحيث يخرج عن عنوان التعارض والحديثين المختلفين، أنّالترجيح مع الطائفة الاُولى؛ لأنّها موافقة للشهرة الفتوائيّة التي هي أوّلالمرجّحات، كما ذكرناه مراراً(2).
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام قدسسرهم في الشرح أنّ هنا رواية واحدة لأجلها نحكمبالاستحباب؛ وهي رواية عليّ بن مهزيار الطويلة قال: فرأت في كتاب عبداللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّهقال: وضع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة والشعير والتمروالزبيب، والذهب والفضّة، والغنم والبقر والإبل، وعفا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عمّا سوىذلك، فقال له القائل: عندنا شيء كثير يكون أضعاف ذلك، فقال: وما هو؟فقال له: الأرُز.
فقال أبو عبد اللّه عليهالسلام : أقول لك: إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وضع الزكاة على تسعةأشياء وعفا عمّا سوى ذلك، وتقول: عندنا أرُز وعندنا ذرّة، وقد كانت الذرّةعلى عهد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ؟!
فوقّع عليهالسلام : كذلك هو، والزكاة على كلّ ما كيل بالصّاع.
قال: وكتب عبد اللّه: وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّه سأله
- (1) الحدائق الناضرة 12: 108.
- (2) دراسات في الاُصول 2: 431 ـ 436، سيرى كامل در اُصول فقه 16: 532 وما بعدها، كما تقدّم في كتابالصلاة 1: 25، 187 و 234.
(صفحه 65)
عن الحبوب؟ فقال: وما هي؟ فقال: السمسم والأرُز والدخن، وكلّ هذا غلّةكالحنطة والشعير، فقال أبو عبد اللّه عليهالسلام : في الحبوب كلّها زكاة.
وروي أيضاً عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّه قال: كلّ ما دخل القفيز فهو يجريمجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال: فأخبرني جعلت فداك، هل علىهذا الأرُز وما أشبهه من الحبوب الحمّص والعدس زكاة؟ فوقّع عليهالسلام : صدِّقوالزكاة في كلّ شيء كيل(1).
قال في وجه الحكم بالاستحباب بلحاظ الرواية ما لفظه: إنّ تصديقالإمام عليهالسلام لتلك الروايات المتعارضة المرويّة عن الصادق عليهالسلام ليس له وجهصحيح عدا إرادة الاستحباب فيما عدا التسع، وإلاّفلا يمكن في مثله الحمل علىالتقيّة بالضرورة؛ إذ لا معنى للتقيّة في تصديق الخبرين المتعارضين(2). إنتهىموضع الحاجة.
قلت: ما أفاده أخيراً من أنّه لا معنى للتقيّة في الخبرين المتعارضين وإنكانحقّاً، إلاّ أنّ الالتزام بعدم التعارض ـ خصوصاً بعد ما عرفت من ثبوتالتعارض والاختلاف العرفي جزماً بين الطائفتين من الروايات المتقدّمة ـ دونهخرط القتاد.
فالإنصاف اضطراب الرواية ومناقضة صدرها وذيلها؛ لأنّ الصدر ظاهرفي الحصر في التسعة، بحيث صار موجباً لتوبيخ الإمام عليهالسلام السائل عن غيره،والذيل ظاهر في ثبوت الزكاة في غيرها، كالثبوت في مثلها، ولأجل اضطرابه
- (1) الكافي 3: 510 ح3، وص511 ح4، تهذيب الأحكام 4: 5 ح11، الاستبصار 2: 5 ح11، وعنها وسائلالشيعة 9: 55 و 61، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة ب8 ح6، وب9 ح1.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 136 ـ 137.