(صفحه257)
مسألة 18: قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية، والمدار صرفه فيها لا كونالاستدانة لأجلها، فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها لم يعط من هذا السهم، بخلافالعكس1.
1ـ لا إشكال بمقتضى ما استفدنا من الرواية(1) في اعتبار كون الدين فيتحقّق هذا السهم في غير معصية(2)؛ من دون فرق بين السرّف وغيره،فلو استدان لأجل المعصية وصرف الدين في غرضه وهو المعصية، فلايستحقّالزكاة. وأمّا لو استدان لغير المعصية، بل لما يحتاج إليه في إعاشته مثلاً، ثمّ بدا لهأن يصرف في المعصية وصرفه فيها، فالظاهر أيضاً عدم الاستحقاق؛ لأنّهملازم لأن يكون الشارع قد روّج المعصية وأجاز إعطاء الزكاة لمن استدانولو مع الصرف فيها.
وبعباة اُخرى: المستفاد من الرواية أن لا يكون المصرف معصية؛ سواءكانت الاستدانة لأجلها، أم لم تكن كذلك.
- (2) وادّعى عليه الإجماع في الخلاف 4: 235 ـ 236 مسألة20، وغنية النزوع: 124، ومنتهى المطلب 8 : 349،وتذكرة الفقهاء 5: 257 مسألة172، وفي جواهر الكلام 15: 596، لا أجد فيه خلافاً، وفي مصباح الفقيه13 (كتاب الزكاة): 557، بلا نقل خلاف فيه.
(صفحه258)
السابع: في سبيل اللّه، ولا يبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمينوالإسلام، كبناء القناطر وإيجاد الطرق والشوارع وتعميرها، وما يحصل به تعظيمالشعائر وعلوّ كلمة الإسلام، أو دفع الفتن والمفاسد عن حوزة الإسلام، وبينالقبيلتين من المسلمين وأشباه ذلك، لا مطلق القربات، كالاصلاح بين الزوجينوالولد والوالد1.
1ـ في عنوان سبيل اللّه ـ الذي له سهم بمقتضى الكتاب(1) والروايات، واتّفقعليه الفريقان ـ احتمالات ثلاثة:
أحدها: ما نفى عنه البعد في المتن ممّا هو المشهور(2)؛ وهو عبارة عن المصالحالعامّة للإسلام والمسلمين، كالأمثلة المذكورة في المتن.
ثانيها: ما نسب إلى الصدوق(3)، والمفيد(4)، والشيخ(5) قدسسرهم ، وذهب إليهالجمهور(6) من الاختصاص بما يصرف في سبيل الجهاد والمقاتلة مع أعداءالدين، وحفظ ثغور المسلمين.
ثالثها: ما هو مقتضى الجمود على ظاهر العنوان؛ وهو مطلق الاُمور
- (1) تقدّم تخريجه في ص225.
- (2) الحدائق الناضرة 12: 199، مستند الشيعة 9: 289، جواهر الكلام 15: 613، المستند في شرح العروةالوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 111، وادّعى الإجماع في الخلاف 4: 236 مسألة21، وغنيةالنزوع: 124، وهو خيرة المبسوط 1: 252، والمهذّب 1: 169، والوسيلة: 128، والسرائر 1: 457 ـ 458،والمعتبر 2: 577، والجامع للشرائع: 144، وإرشاد الأذهان 1: 287، وقواعد الأحكام 1: 350 وغيرها.
- (6) المغني لابن قدامة 2: 700، المجموع 6: 200، تذكرة الفقهاء 5: 260.
(صفحه259)
القربيّة، كالمثالين المذكورين في المتن.
وربما يستدلّ على الاحتمال الثاني بما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عنيونس بن يعقوب أنّ رجلاً كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات وكان لا يعرف هذالأمر، فأوصى بوصيّة عند الموت، وأوصى أن يُعطى شيء في سبيل اللّه، فسئلعنه أبو عبد اللّه عليهالسلام كيف نفعل؟ وأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال:لو أنّ رجلاً أوصى إليَّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ لوضعته فيهما، إنّ اللّهـ تعالى ـ يقول: «فَمَنم بَدَّلَهُو بَعْدَ مَا سَمِعَهُو فَإِنَّمَآ إِثْمُهُو عَلَى الَّذِينَيُبَدِّلُونَهُوآ»(1)، فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر (هذا الوجه خ ل) ـ يعنىبعض الثغور ـ فابعثوا به إليه(2).
ولكنّه نوقش فيها ـ مضافاً إلى ضعف السند ـ بضعف الدلالة؛ من جهة أنّموردها الوصيّة، وكون الموصي غير عارف بهذا الأمر، وقد عرفت أنّالجمهور ذهبوا إلى أنّ المراد من سبيل اللّه الجهاد والمقاتلة وأمثالهما، مع أنّالرواية لا تدلّ على الاختصاص؛ لعدم كونها في مقام التفسير، بل في مقامالتطبيق(3).
ويدلّ على الاحتمال الأوّل روايات:
كصحيحة علي بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن الأوّل عليهالسلام : يكون عنديالمال من الزكاة أفأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ قال: نعم، لا بأس(4).
- (2) الكافي 7: 14 ح4، تهذيب الأحكام 9: 202 ح805 ، الاستبصار 4: 128 ح485، الفقيه 4:148 ح515،وعنها وسائل الشيعة 19: 341، كتاب الوصايا ب33 ح4.
- (3) الناقش هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 112 ـ 113.
- (4) الفقيه 2: 19 ح61، وعنه وسائل الشيعة 9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب42 ح1.
(صفحه260)
وصحيحة جميل، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: سألته عن الصرورة، أيحجّهالرجل من الزكاة؟ قال: نعم(1).
وأمّا عدم جواز الصرف في مطلق الاُمور القربيّة ولو كانت متعلّقةبالأغنياء من جهة إدخال السرور على المؤمن، أو رفع المنازعة بين شخصينومثلهما، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ شرعيّة الزكاة إنّما هي للإعانة على الاُمورالمتوقّفة عليها نوعاً، وعلى مثل الفقراء والمساكين، وقد عرفت(2) أنّ اقترانالأمر بإيتاء الزكاة بالأمر بإقامة الصلاة في آيات كثيرة قرآنيّة، لعلّه للإشارةإلى اهتمام دين الإسلام بأمر كلتا الحياتين: الاُخرويّة والدنيويّة، ومضافاً إلىأنّالتعبير عنها بأنّها أوساخ الأموال ـ أنّه لا يناسب مع الدفع إلى الأغنياءلغرض زوجيّة غنيّين غير محتاجين بوجه.
فالإنصاف أنّ المراد من هذه الإضافة ـ أي إضافة السبيل إلى اللّه ـ هيما أفاده في المتن تبعاً للمشهور، كما لا يخفى.
- (1) مستطرفات السرائر: 33 ح35، مسائل علي بن جعفر: 143 ح168، وعنهما وسائل الشيعة 9: 291، كتابالزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب42 ح4، وفي البحار 99: 116 ح7 عن المستطرفات.
(صفحه 261)
الثامن: ابن السبيل؛ وهو المنقطع به في الغُربة وإن كان غنيّاً في بلده إذا كانسفره مباحاً، فلو كان في معصية لم يعط. وكذا لو تمكّن من الاقتراض وغيره، فيدفعإليه منها ما يوصله إلى بلده على وجه يليق بحاله وشأنه، أو إلى محلّ يمكنه تحصيلالنفقة ولو بالاستدانة.
ولو وصل إلى بلده وفضل ممّا اُعطي شيء ـ ولو بسبب التقتير على نفسه ـ أعادهعلى الأقوى حتّى في مثل الدابّة والثياب ونحوها، فيوصله إلى الدافع أو وكيله،ومع تعذّره أو حرجيّته يوصله إلىالحاكم، وعليه أيضاً إيصاله إلى أحدهما،أو الاستئذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوى1.
1ـ ابن السبيل آخر الأصناف الثمانية المذكورة في آية الصدقة(1)، والمراد بهـ كما في المتن تبعاً للمشهور(2) ـ هو المنقطع به في الغربة غير المتمكّن منالرجوع إلى بلده وإن كان غنيّاً فيه مع اعتبار أمرين:
أحدهما: كون سفره مباحاً، فلو كان في معصية لم يعط؛ من دون فرقظاهراً بين أن يكون الغرض من أصل السفر المعصية، وبين أن لا يكونالغرض ذلك، بل بدا له المعصية في إدامة سفره وإقامته خارج الوطن.
ثانيهما: عدم التمكّن من الاقتراض ونحوه، فإذا تمكّن من مثله لا يصدقعليه ابن السبيل المشعر بالملازمة للسفر؛ لأجل عدم القدرة على الرجوع كابن
- (2) حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 147، حاشية شرائع الإسلام،المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 267، ذخيرة المعاد: 457 س3 و 7، كفاية الفقه، المشتهربـ «كفاية الأحكام» 1: 189 و 190، الحدائق الناضرة 12: 203، مستمسك العروة الوثقى 9: 269، المستندفي شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 116.