(صفحه 87)
أنّها ظاهرة الدلالة في ثلاث شياه بمقتضى أنّ في كلّ مائة شاة.
وأمّا صحيحة الفضلاء، فهي صريحة في أنّ الواجب حينئذٍ شياه أربع،ولاريب في تقدّم النصّ على الظاهر، ومن المحتمل أن يكون السكوت مستندإلى التقيّة.
ثانيهما: أنّه لو سلّمنا المعارضة إلاّ أنّه لا ينبغي الشكّ في لزوم تقديمصحيحة الفضلاء؛ لمخالفتها للعامّة؛ فإنّ جمهورهم قد أفتوا بما يطابق صحيحةابن قيس ما عدا أحمد بن حنبل، حيث نُسب إليه موافقة الخاصّة(1)، فتُحمَلصحيحة ابن قيس على التقيّة(2).
أقول: يمكن أن يقال بأنّ الحكم في الصحيحة بأنّه إذا زادت على المائتينواحدة ففيها ثلاث من الغنم ـ مع جعل الغاية هي الثلاثمائة ـ دليل على أنّقوله عليهالسلام : «فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» هو الورود في المائة الرابعة،وهكذا. وعليه: فالصحيحة أيضاً تدلّ على ثبوت أربع شياه إذا زادت علىالثلاثمائة، كصحيحة الفضلاء.
وأمّا الحمل على التقيّة، فمتفرّع على عدم ثبوت الشهرة الفتوائيّة بين القدماءمطابقة لما في صحيحة الفضلاء، وإلاّ فقد عرفت(3) مكرّراً أنّها أوّلالمرجّحات، ولا تصل معها النوبة إلى الحمل على التقيّة، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هاهنا سؤالاً؛ وهو: أنّه ما الفائدة في جعل النصاب الخامس مننصب الغنم هو الأربعمائة، والحكم فيها بأنّ في كلّ مائة شاة، مع عدم الفرق
- (1) المغني لابن قدامة 2: 472 ـ 473.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 169 ـ 170.
(صفحه88)
بينه، وبين النصاب الرابع الذي حكم فيه بثبوت الأربع؟ وبعبارة اُخرى:ما الفائدة في جعل النصاب الخامس؟ بل كان المناسب جعله هو خمسمائة حتّىيكون مقتضى أنّ في كلّ مائة شاة خمس شياه، فيغاير مع النصاب القبلي الذييكون الفرض فيه أربع شياه، وهو ما زادت على الثلاثمائة واحدة.
وحكي عن صاحب الجواهر قدسسره الفرق بالكليّة والشخصيّة وإن اتّحدتالفريضة، وأنّ الواجب في شخص الثلاثمائة وواحدة أربع شياه. وأمّا فيالأربعمائة، فالواجب كلّي؛ وهو: أنّ في كلّ مائة شاة وإن انطبق على الأربعأيضاً في هذا المورد بالخصوص(1).
وأنت خبير بأنّه لا يدفع الإشكال؛ إذ ثبوت الأربع في ثلاثمائة وواحدةلايلتئم مع جعل الكلّي بعد الأربعمائة في كلّ مائة شاة، ولا يمكن تخصيص هذالكلّي بالأربعمائة، الذي هو مصداقه الواضح، مضافاً إلى كونه مخالفاً لنظرالمشهور(2).
وبعبارة اُخرى: أيّة فائدة تترتّب على جعل نصابين هنا، مع عدم اختلافهمفي الفرض والواجب؟.
- (1) جواهر الكلام 15: 148 ـ 149، والحاكي هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى،موسوعة الإمام الخوئي 23: 171.
- (2) البيان: 292، مسالك الأفهام 1: 366 و 367، مجمع الفائدة والبرهان 4: 66، جواهر الكلام 15: 145،مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 136، وهو خيرة الكافي في الفقه: 167، والخلاف 2: 21 مسألة17،والمبسوط 1: 199، والنهاية: 181، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 201، والمهذّب 1: 164، وغنيةالنزوع: 123، وإشارة السبق: 111، وكشف الرموز 1: 241، ومختلف الشيعة 3: 53 مسألة20، وتبصرةالمتعلّمين في أحكام الدين: 58، ونهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 328، والدروس الشرعيّة 1: 234،واللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة: 22، والتنقيح الرائع 1: 302 ـ 303، والموجز الحاوي (الرسائلالعشر): 124، وغيرها، فليراجع مفتاح الكرامة 11: 215 ـ 216 وغيره.
(صفحه 89)
وقد حكي عن المحقّق قدسسره في الشرائع جوابان آخران:
أحدهما: أنّ الثمرة تظهر في محلّ الوجوب، من حيث جواز التصرّفوعدمه؛ فإنّ الأربعمائة إذا كانت نصاباً فمحلّ الوجوب هو هذا المجموع؛ لأنّالمجموع نصاب، فلا يجوز التصرّف فيها قبل إخراج الزكاة، ولو فرض أنّهنقص منها واحدة، فمحلّ الوجوب عندئذٍ هي الثلاثمائة وواحدة؛ لأنّهالنصاب، وما بينهما عفو يجوز التصرّف فيه.
فلو كانت له ثلاثمائة وخمسون مثلاً يجوز له التصرّف فيما زاد على الثلاثمائةوواحدة ـ أعني: التسعة والأربعين الباقية ـ وهكذا إلى الثلاثمائة وتسعةوتسعين، فإذا بلغت أربعمائة فلا يجوز التصرّف في شيء منها.
هذا إذا كانت الأربعمائة نصاباً مستقلاًّ، وإلاّ جاز التصرّف فيما زاد علىالثلاثمائة وواحدة إلى أن تبلغ الخمسمائة إلاّ واحدة، فجواز التصرّف ثمرةظاهرة.
ثانيهما: أنّ الثمرة تظهر في الضمان فيما لو تلف جزء من المجموع بعد الحولمن غير تعدّ وتفريط؛ فإنّ المجموع إن كان نصاباً وزّع التالف على المالكوالفقير بنسبة الزكاة، فيسقط بتلك النسبة جزء من الوجوب، وإنكان زائدعلى النصاب اختصّ التلف بالمالك؛ لأنّ النصاب كلّيّ ولم يطرأ تلف على هذالكلّي، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة على صياع عديدة فتلف منها صاع؛فإنّه يحسب على البائع؛ لعدم عروض التلف على الصاع الكلّي الذي يملكهالمشتري في ضمن هذا المجموع(1).
- (1) شرائع الإسلام 1: 143، وحكى عنه السيّد الخوئي في المسند في شرح العروة الوثقى 23: 171 ـ 173بتوضيح منه قدسسره .
(صفحه90)
ويزيد هذا الجواب وضوحاً ما لو كان التالف كثيراً، كما لو تلف من أربعمائةخمسون؛ فإنّ الاختلاف فاحش، وتكون الثمرة أظهر وأنفع.
والجوابان مختلفان في المبنى؛ فإنّ الأوّل مبنيّ على ثبوت الإشاعة والشركةالحقيقيّة بين المالك ومستحقّ الزكاة، والثاني لا يبتني على ذلك، بل يجتمع معالكلّي في المعيّن، كالصاع من الصبرة على ما عرفت(1)، وسيأتي(2) التحقيق في هذهالجهة إن شاء اللّه تعالى.
وخلاصته بطلان كلا المبنيين، الشركة الحقيقيّة، والكلّي في المعيّن، خصوصمعملاحظة أنّالزكاة الواجبة قد لاتكون من جنس مايجب فيهالزكاة، كخمسمن الإبل وثبوت شاة واحدة، التي ربما لا تكون بموجودة عند المالك أصلاً.
وحينئذٍ فما معنى دعوى الشركة، وكذا الكلّي في المعيّن؟ بل لابدّ من الالتزامبالشركة بنحوٍ آخر ممكنة التحقّق في مثل المثال المذكور، مع أنّ دعوىالشركة وكذا الثاني لا تجدي في حلّ الإشكال؛ فإنّ مرجعه إلى أنّه كيف يمكنفرض نصابين متعاقبين، مع كون الزكاة فيهما واحدة؟
ففي المثال المذكور في كلامه يكون الإشكال متحقّقاً بالإضافة إلىثلاثمائةإذا زادت واحدة، والأربعمائة المشتملة على أربع مئات.
ودعوى كون ما بينهما عفواً لا تجدي في رفع الإشكال أصلاً.
فالإنصاف عدم تماميّة شيء من الجوابين، وحلّ الإشكال في غايةالإشكال، فتدبّر.
(صفحه 91)
مع أنّ العفو عمّا بين النصابين ـ كما في المسألة الآتية ـ لا يرجع إلىخروجهعن دائرة تعلّق الزكاة، بل إلى بقاء النصاب الأوّل، واستمراره إلىالنصابالثاني الذي هو بعده، فلا فرق بين الثلاثمائة وواحدة، وبين الثلاثمائة وخمسينمثلاً من هذه الجهة، كما لا يخفى.
بل الفرق بينه، وبين الأربعمائة التي هي النصاب البدوي، والفرض أنّمقدار الزكاة فيهما واحد.