(صفحه32)
العقل ولو في آن واحد، هذا من جهة.
ومن جهة اُخرى: أنّ عروض الجنون في زمان قصير لا يوجب سلبعنوان العقل بحسب المسامحة العرفيّة، وقد صرّح السيّد في العروة بأنّ الجنونآناً ما بل ساعة وأزيد لا يضرّ؛ لصدق كونه عاقلاً(1).
هذا، ولكنّ الظاهر أنّه وإن كانت الدقّة العقليّة غير لازمة فيما يرتبطبالشرع، إلاّ أنّ المسامحات العرفيّة التي تكون عندهم معدودة من المسامحات،ممّا لا مساغ للحكم بابتناء الأحكام عليها، فالدم إذا لم يكن دماً عرفلايترتّب عليهالحكم؛ وإن كان دماً عقلاً باعتبار استحالة تغيّر العرض وتبدّله،وإذا كان دماً عرفاً مع عدم لحاظ التسامح العرفي يكون الحكم مترتّباً عليه.
ثمّ إنّه فرق بين الجنون العارض فيما يعتبر فيه الحول، وبين النوم والسُّكروالإغماء.
أقول: إنّ الحكم في النوم واضح؛ لعدم خلوّ الإنسان عنه قاعدتاً. وعليه:فلا مجال للحكم بالقطع فيه.
وأمّا السُّكر والإغماء، فحيث إنّه لم يقم هنا دليل على اعتبار العقل، فلوجه للحكم باعتبار عدمهما، وليس مضيّ الحول فيمايعتبر فيه عبادة حتّىيكون الأمران منافيين لها.
نعم، قد ورد في الروايات المشار إليها عنوان «امرأة مختلطة»(2)، ومنالمعلوم عدم صدقها بمجرّد واحد منهما، كما لا يخفى.
- (1) العروة الوثقى 2: 86 ، ذيل الشرط الثاني من شرائط وجوب الزكاة.
- (2) الكافي 3: 542 ح2 و 3، تهذيب الأحكام 4: 30 ح75 و 76، وعنهما وسائل الشيعة 9: 90، كتاب الزكاة،أبواب من تجب عليه الزكاة ب3 ح1 و 2.
(صفحه 33)
ثالثها: الحريّة، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه1.
رابعها: الملك، فلا زكاة في الموهوب ولا في القرض إلاّ بعد قبضهما، ولا فيالموصى به إلاّ بعد الوفاة والقبول؛ لاعتباره في حصول الملكيّة للموصى له علىالأقوى2.
1ـ حيث إنّ موضوع العبد منتف في زماننا، فالبحث فيه وفي أقسامهالمذكورة في محلّه بلا فائدة، ونعرض عنه.
ولكنّه ينبغي أن يعلم أنّ اشتراط هذا الأمر إنّما هو بالنسبة إلى الزكاة دونالصلاة والصوم؛ ضرورة لزومهما على العبد؛ لأنّه يجب عليه الأمران؛ سواءقلنا بملكه، أم لم نقل، والدليل على الاشتراط هو الإجماع(1)، بل التسلّم.
2ـ الدليل على اعتبار هذا الأمر في وجوب تعلّق الزكاة ـ مضافاً إلى نفيالإشكال والخلاف فيه، كما عن غير واحد(2) ـ قوله ـ تعالى ـ : «خُذْ مِنْأَمْوَ لِهِمْ صَدَقَةً»(3)، الظاهر في تعلّق الزكاة بما يكون معدوداً من أموالهم.وواضح: أنّ إضافة الحال إلى الشخص ظاهرة في ملكيّته له في مقابلالمباحات التي لا مالك لها، وفي مقابل ما يكون المالك فيه هي الجهة والعنوان،كما في الوقف على العلماء والفقراء مثلاً، والروايات الواردة في هذا المجال
- (1) الخلاف 2: 42 ـ 43 مسألة 45، تذكرة الفقهاء 5: 16 مسألة9، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 301،الحدائق الناضرة 12: 28.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 9: 11، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 29، وفيالمعتبر 2: 490 عليه اتّفاق العلماء، وفي منتهى المطلب 8 : 50 وهو قول العلماء كافّة، وفي نهاية الإحكامفي معرفة الأحكام 2: 302 عليه الإجماع.
(صفحه34)
متعدّدة، بل متظافرة، مثل:
رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليهالسلام في الرجل ينسىء أو يعين(يعير خ ل) فلا يزال ماله ديناً، كيف يصنع في زكاته؟ قال: يزكّيه ولا يزكّيماعليه من الدَّين، إنّما الزكاة على صاحب المال(1).
ومثلها بعض الروايات الاُخر(2). ومن المعلوم أنّه لا يطلق عنوان صاحبالمال إلاّ على المالك الشخصي.
وقد فرَّع في المتن على اعتبار هذا الأمر عدم وجوب الزكاة في الموهوب إلبعد قبضه؛ نظراً إلى عدم حصول الملكيّة قبله، ولذا لو مات الواهب قبل قبضالمتّهب ينتقل إلى ورثته دونه، وكذا في القرض.
وأمّا حصول الملكيّة للموصى به في الوصيّة، فيتوقّف ـ مضافاً إلىحصولوفاة الموصي ـ على قبول الموصى له، وهو وإن كان مورداً للاختلاف، إلاّ أنّهقد قوّى الماتن توقّف حصول الملكيّة له على قبوله، وقد تقدّم منّا التحقيق فيذلك في كتاب الوصيّة، فراجع(3).
- (1) الكافي 3: 521 ح12، وعنه وسائل الشيعة 9: 103، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب9 ح1.
- (2) وسائل الشيعة 9: 93 ـ 95 و 103 ـ 104، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب6 و 9.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 140.
(صفحه 35)
خامسها: تمام التمكّن من التصرّف، فلا زكاة في الوقف وإن كان خاصّاً، ولا فينمائه إذا كان عامّاً وإن انحصر في واحد، ولا في المرهون وإن أمكن فكّه، ولا فيالمجحود وإن كانت عنده بيّنة يتمكّن من انتزاعه بها أو بيمين، ولافي المسروق،ولا في المدفون الذي نسي مكانه، ولا في الضالّ، ولا في الساقط في البحر، ولا فيالموروث عن غائب ولم يصل إليه أو إلى وكيله، ولافي الدَّين وإن تمكّن مناستيفائه1.
1ـ قد وقع الاختلاف في التعبير عن اعتبار هذا الأمر، فالمحكيّ عنالمحقّق قدسسره أنّه اعتبر الملكيّة أوّلاً، ثمّ تمام الملك ثانياً، ثمّ جواز التصرّف فيهثالثاً(1).
والمراد بالعنوان المذكور في المتن هو التمكّن التامّ من التصرّف في المالالمتعلّق للزكاة، أعمّ من التصرّف الخارجي في مقابل مثل الغصب الذي هوالاستيلاء على ما للغير عدواناً، ومن التصرّفات الاعتباريّة المتحقّقة بمثل البيعوالصلح ونحوهما، والموارد التي حَكم فيها بعدم الزكاة في التفريع على هذالأمر، بين ما لا يكون قادراً فيه على التصرّف الخارجي، وبين مالاتكون فيهالقدرة على التصرّف الاعتباري.
والإنصاف عدم نهوض الدليل على اعتبار هذا الأمر بعنوانه العامّ، بلالوارد فيه روايات، مثل:
موثّقة سدير الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول في رجل كان لهمال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من
- (1) شرائع الإسلام 1: 141.
(صفحه36)
موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعدذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّها فوقع على المالبعينه، كيف يزكّيه؟ قال: يزكّيه لسنة واحدة؛ لأنّه كان غائباً عنه وإنكاناحتبسه(1).
والظاهر أنّ المقصود من قوله عليهالسلام : «احتبسه» هو كون المتصدّي للحبسنفسه. وحكي عن المحقّق الهمداني قدسسره أنّ في بعض النسخ «احتسب»؛ أيوإنكان المالك حسب المدفون من أمواله(2).
وكيف كان، فلا خدشة في دلالة الرواية على عدم وجوب الزكاة في المالالغائب؛ لعدم القدرة على التصرّف الخارجي فيه نوعاً، خصوصاً في مثل موردالرواية، فتدبّر.
وموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الرجل يكون لهالولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ومات الرجل، كيف يصنع بميراثالغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتّى يجيء. قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتّىيجيء. قلت: فإذا هو جاء أيزكّيه؟ فقال: لا حتّى يحول عليه الحول في يده(3).
وبهذا القيد الأخير يقيّد الإطلاق في الرواية السابقة.
كما أنّه بهاتين الروايتين يُجاب عن صاحب الوسائل، حيث إنّه ذكر فيعنوان الباب الخامس من أبواب من تجب عليه الزكاة «فإن غاب ـ يعني
- (1) الكافي 3: 519 ح1، وعنه وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب5 ح1.
- (2) مصباح الفقيه (كتاب الزكاة): 11، الطبعة الحجريّة سنة 1364، والحاكي هو السيّد الخوئي في المستندفي شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 35.
- (3) الكافي 3: 524 ح1، وعنه وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب5 ح2.