(صفحه316)
ويدلّ عليه ظاهر الروايات، خصوصاً مثل قوله عليهالسلام : «فيما سقته السماءالعشر»(1) في الغلاّت، و «في كلّ أربعين شاة شاة»(2) في الأنعام، و«في عشرينمثقالاً في الذهب مثلاً نصف مثقال»(3)؛ فإنّه لا خفاء في أنّ مثل هذه التعبيراتله ظهور قويّ في التعلّق بالعين؛ لظهور كلمة «في» في الظرفيّة الحقيقيّة،كما يقال: الماء في الحوض، والحوت في البحر.
وذكر في الشرح أنّه لا يقاس ذلك بمثل «في القتل خطأً الديةعلى العاقلة»(4)، أو «في إفطار شهر رمضان الكفّارة»(5)؛ للفرق الواضح بينالموردين؛ ضرورة أنّ الظرفيّة متعذّرة في أمثال هذه الموارد؛ لأنّه لا مجاللأن يكون ما هو من سنخ الأموال ظرفه الفعل أو الأفعال؛ لأنّه لا محصّل له،ولأجله لابدّ من حمل كلمة «في» على السببيّة، بخلاف المقام الذي يمكن الحملعلى الظرفيّة الحقيقيّة.
قال: وأوضح من الكلّ ما تضمّن التعبير بالشركة، كموثّقة أبي المعزا، عنأبي عبد اللّه عليهالسلام قال: إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ أشرك بين الأغنياء والفقراء فيالأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم(6).
ضرورة أنّه لا معنى للشركة إلاّ في العين الخارجيّة، ولا معنى لها في الذمّة
- (1) وسائل الشيعة 9: 182 ـ 185، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلاّت ب4.
- (3) وسائل الشيعة 9: 138 و 140، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1 ح3 ـ 5 و 9 ـ 12.
- (4) اقتباس ممّـا ورد في وسائل الشيعة 29: 397، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب6 ح1 وغيره.
- (5) اقتباس من الروايات الواردة في وسائل الشيعة 10: 44 ـ 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنهالصائم ب8 .
- (6) الكافي 3: 545 ح3، وعنه وسائل الشيعة 9: 215، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب2 ح4.
(صفحه 317)
كما هو واضح.
وفي صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : رجللم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لمامضى؟ قال:نعم، تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع(1).
فإنّ الأخذ من المشتري دليل على أنّ البائع لم يكن مالكاً لمقدار الزكاة(2).
وبالجملة: ظواهر الروايات تقتضي التعلّق بالعين، وأنّ الزكاة لا تكونمتعلّقة بالذمّة ابتداءً، كالدين على العهدة، والذي يمكن أن يوقع الشكّفي الخلاف عدم لزوم الدفع على المزكّي من نفس العين الزكويّة، بل له الدفعمن الخارج عيناً أو قيمة على ما تقدّم(3)، مع أنّه لا دلالة له على عدم التعلّقبالعين، غاية الأمر أنّ المزكّي حيث إنّه الصاحب الأصلي والشريك العمدةقد أرفق له ببعض ما ذكر، فالحقّ مع المشهور.
المقام الثاني: في كيفيّة التعلّق بالعين، وأنّها هل هي بنحو الإشاعةوالشركة الحقيقيّة، أو بنحو الكلّي في المعيّن كما اختاره في العروة(4)، أو بنحوالشركة في الماليّة كما اختاره في الشرح(5)، وهنا احتمالات اُخر ضعيفةلايعبأ بها.
فنقول ـ بعد وضوح عدم اختلاف الأجناس الزكويّة التي هي عبارة عن
- (1) الكافي 3: 531 ح5، وعنه وسائل الشيعة 9: 127، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام ب12 ح1.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 385 ـ 387.
- (4) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2688.
- (5) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 387 ـ 390.
(صفحه318)
الاُمور التسعة المتقدّمة(1) في كيفيّة التعلّق، كما يظهر من صحيحة أبي المعزالمتقدّمة، الدالّة على اشتراك الأغنياء مع الفقراء في الأموال؛ أي كلّ مال متعلّقللزكاة ـ : إنّ تعبيرات الروايات في بيان مقدار الزكاة الواجبة مختلفة جدّاً.
فبعضها ظاهر في الإشاعة والشركة الحقيقيّة، مثل ما عبّر فيها بالكسرالمشاع؛ كقوله عليهالسلام : «فيما سقته السماء العشر»، ونظير ذلك في زكاة النقدين.
ومن الواضح: أنّ الكسور التسعة المعروفة ظاهرة في الإشاعة، فإذا قلنبأنّ زيداً مثلاً مالك لثلت الدار، وعمرواً لثلثي الآخر، فالمتفاهم عرفاً ثبوتالشركة بينهما بنسبة الكسرين.
والبعض الثاني ظاهر في الكلّي في المعيّن؛ وهو ما جعلت الزكاة فيه منسنخ الجنس الزكوي، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة الفضلاء المتقدّمة(2): «في كلّأربعين شاة شاة»؛ أي منهنّ من دون بيان النسبة، والبعض الثالث لا يلائم معأحد الأمرين، وهو ما جعلت الزكاة فيه من غير سنخ الجنس الزكوي، مثلقوله عليهالسلام : «في خمس من الإبل شاة»(3).
ولأجل الاختلاف في التعبيرات التزم بعض الأعلام قدسسره ـ على ما فيالشرح ـ ، بثبوت الشركة في الماليّة، ومعناها أنّ الفقير يشارك المالك في العين،لكن لا من حيث إنّه عين بل من حيث إنّه مال، فلا يستحقّ شيئاً منالخصوصيّات الفرديّة والصفات الشخصيّة، وإنّما يستحقّ ماليّة العشر مثلاً منهذا الموجود الخارجي، واختيار التطبيق بيد المالك، نظير إرث الزوجة
(صفحه 319)
ممّا يثبت في الأرض من بناءٍ وأخشاب وآلات، قيمة لا عيناً وإن كان بينهمالفرق من بعض الجهات.
وهذا لا ينافي تحقّق الفضوليّة إذا باع مجموع العين الزكويّة، كالخمس منالإبل؛ لعدم توقّفها على أن لا يكون المبيع بأجمعه ملكاً للبائع، كما في العينالمرهونة التي باعها الراهن من دون إذن المرتهن، بل المقام أولى بثبوت الشركةفي المبيع، غاية الأمر لا بالإضافة إلى الخصوصيّات الشخصيّة أيضاً، بل فيالماليّة، كما في صحيحة عبدالرحمن المتقدّمة في ذيل المقام الأوّل، الدالّة على أخذالزكاة من المشتري، أو يتبع بها البائع.
إلاّ أن يقال بعدم وضوح عدم اختلاف الأجناس الزكويّة في كيفيّة تعلّقالزكاة، على ما مرّ من دلالة صحيحة أبي المعزا المتقدّمة على ذلك؛ نظراً إلى أنّذلك وإن كان هو مقتضى الصحيحة المزبورة الظاهرة في ذلك، ولعلّه كانمتسالماً عليه بينهم، إلاّ أنّه لابدّ في ذلك من ملاحظة جميع التعبيرات الواردة فيالروايات التي عرفت ظهور بعضها في الإشاعة والشركة الحقيقيّة، وبعضها فيالكلّي في المعيّن، وبعضها في غيرهما.
ولأجله ربما يقع الإشكال على سيّد العروة القائل بثبوت الزكاة مطلقاً بنحوالكلّي في المعيّن، بأنّه كيف يمكن الالتزام بالكليّ في المعيّن في مثل قوله:«فيخمس من الإبل شاة»؟ مع أنّه يعتبر في الكلّي في المعيّن ثبوت المصاديقلنفس ذلك الكلّي.
غاية الأمر تعيّنه في الخارج، كبيع صاع من صبرة الحنطة ـ مثلاً ـ المعيّنة.والعجب تصريحه بأنّه إذا باع الكلّ يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّمحتاجاً إلى إجازة الحاكم، ولا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار
(صفحه320)
البيع على الأحوط(1).
والإنصاف أنّ ملاحظة جميع الجوانب ورعاية جميع الجهات تلجئنإلىالالتزام بما أفاده(2) من الشركة في الماليّة وإن كان بعيداً في نفسه؛ لعدمثبوت مشابه لها في الموارد الفقهيّة إلاّ نادراً مع الفرق أيضاً، وعدم كون نظرالسائل في صحيحة أبي المعزا ـ الظاهرة في اشتراك الأغنياء مع الفقراء فيالأجناس الزكويّة ـ إلى هذا النحو من الشركة قطعاً، إلاّ أنّه لا محيص عنالأخذ بها، كما لا يخفى.
وكيف كان، فلا تكون أدلّة الزكاة والروايات الواردة فيها من سنخ واحد،كآية الخمس(3) في الغنائم التي هي بمعنى مطلق الفائدة، كما قرّر في محلّه(4)،حيث يكون التعبير فيه بهذا العنوان الذي هو الكسر المشاع، وكذا الرواياتالواردة في الخمس. وكيف كان، فالمسألة مشكلة جدّاً، كما لا يخفى.
- (1) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2688.
- (2) أي السيّد الخوئي قدسسره .
- (4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الخمس: 10 ـ 15.