(صفحه365)
الواقع في آية الصدقة(1)، والجمع المحلّى باللام مفيد للعموم، مع أنّ في المقامخصوصيّة أشرنا إليها مكرّراً(2)؛ وهو: أنّ أوّل ما نزلت في الزكاة إنّما كان فيزكاة الفطرة؛ لأنّه لم يكن للناس في ذلك الزمان أموال حتّى يتعلّق بها زكاةالمال، فالآية تشمل زكاة الفطرة قطعاً.
وأمّا كون الاحتياط الاقتصار على الدفع إلى فقراء المؤمنين وأطفالهم، بلالمساكين منهم؛ فلأجل بعض الروايات الظاهرة في تعيّن الدفع إلى الفقراءوالمساكين، مثل:
صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في حديث: أنّ زكاة الفطرة للفقراءوالمساكين(3).
ونظيره ما ورد في بعض الروايات الاُخر من أنّها لمن لا يجد(4). ولكنلا دلالة لشيء منها على الانحصار، خصوصاً مع التوجّه إلى عموم الآيةكما عرفت، وإلى أنّ الفقراء هم المنظورون في أصل تشريع الزكاة، فهي محمولةعلى الاستحباب كما في المتن.
ثمّ إنّه لا دليل على اعتبار العدالة كما في زكاة المال، خصوصاً بعد عدمإمكان اتّصاف الصغار بالعدالة أصلاً.
الثانية: جواز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود
- (3) تهذيب الأحكام 4: 75 ح210، الاستبصار 2: 42 ح134، وعنهما وسائل الشيعة 9: 357 ـ 358، كتابالزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب14 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 9: 358، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب14 ح3 و 4.
(صفحه366)
المؤمنين، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك، وأورد فيه روايات كثيرة دالّةعلى ذلك مع استثناء الناصبين، ولعلّ استثناء الناصب لأنّه محكوم بالكفرـ كماتقدّم في بحثه(1) ـ وإن كان منتحلاً للإسلام.
منها: موثّقة الفضيل المتقدّمة(2) في بعض المسائل السّابقة، المشتملةعلى قول أبي عبد اللّه عليهالسلام : هي لأهلها إلاّ أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمنلاينصب.
ومنها: صحيحة علي بن يقطين أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليهالسلام عن زكاةالفطرة أيصلح أن تعطى الجيران والظؤورة(3) ممّن لا يعرف ولا ينصب، فقال:لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً(4).
ومنها: رواية مالك الجهني قال: سألت أبا جعفر عليهالسلام عن زكاة الفطرة؟فقال: تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً، وأعط ذا قرابتك منهإن شئت(5).
ومنها: غير ذلك من الروايات(6) الدالّة عليه.
الثالثة: في أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي أن لا يدفع إلى فقير واحد أقلّمن صاع أو قيمته وإن اجتمع جماعة لا تسعهم كذلك، ويدلّ عليه مرسلتان:
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 252 ـ 255.
- (3) الظؤورة: جمع ظئر، وهي المرضعة، مجمع البحرين (ظأر).
- (4) الفقيه 2: 118 ح507، وعنه وسائل الشيعة 9: 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب15 ح6.
- (5) الكافي 4: 173 ح18، تهذيب الأحكام 4: 87 ح255، وعنهما وسائل الشيعة 9: 359، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الفطرة ب15 ح1.
- (6) وسائل الشيعة 9: 359 ـ 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب15.
(صفحه 367)
إحداهما: مرسله الحسين بن سعيد، عن بعض أصحابنا، عن أبيعبداللّه عليهالسلام قال: لا تعط أحداً أقلّ من رأس(1).
والتعبير بالرأس قرينة على كون المراد هي زكاة الفطرة، كما لا يخفى.
ثانيتهما: مرسلة الصدوق قال(2): وفي خبر آخر قال: لا بأس إن تدفععن نفسك وعمّن تعول إلى واحد، ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحدإلىنفسين(3).
بناءً على أن لا يكون الذيل من كلام الصدوق نفسه، وإرسالهما منجبربالشهرة(4)، ومقتضى الإطلاق أنّه لا فرق في ذلك بين ما إذا اجتمع جماعةتسعهم كذلك، أو لا تسعهم.
الرابعة: يجوز أن يعطى الواحد أصواعاً، بل إلى مقدار مؤونة سنته،والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونتها.
ويدلّ على الأمر الأوّل روايات:
منها: صحيحة إسحاق بن المبارك في حديث قال: سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن صدقة الفطرة يعطيها رجلاً واحداً أو اثنين؟ فقال: تفرّقها أحبّ إليّ، قلت:
- (1) تهذيب الأحكام 4: 89 ح261، الاستبصار 2: 52 ح174، وعنهما وسائل الشيعة 9: 362، كتاب الزكاة،أبواب زكاة الفطرة ب16 ح2.
- (2) أي أبو عبداللّه عليهالسلام .
- (3) الفقيه 2: 116 ح499، وعنه وسائل الشيعة 9: 363، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب16 ح4.
- (4) الروضة البهيّة 2: 61، مدارك الأحكام 5: 354، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 205، ذخيرةالمعاد: 477 س3، مفاتيح الشرائع 1: 221 مفتاح249، الحدائق الناضرة 12: 311، رياض المسائل5: 231، مستند الشيعة 9: 436، المسألة الرابعة، وهو خيرة المختصر النافع: 124، والدروس الشرعيّة1: 251 وغيرهما.
(صفحه368)
اُعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع وأربعة أصيع؟ قال: نعم(1).
والمراد من التفريق ما لا ينافي الروايات المتقدّمة من عدم جواز الدفع أقلّمن صاع.
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: لا بأس أن يعطي الرجل الرجل عن رأسين وثلاثة وأربعة؛ يعنيالفطرة(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات(3) الدالّة عليه، على أنّه لا فرق في الأزيد عنصاع واحد بين الأعداد المذكورة، وبين إعطاء مؤونة السنة، كما هو واضح.
وعلى الأمر الثاني: أنّه إن كان الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونةالسنة بصورة التدريج ولو في ساعات مختلفة، أو أيّام كذلك، فلا إشكالفي عدم جواز الإعطاء والأخذ بالإضافة إلى مازاد بعد زوال الفقر وعروضالغنى بذلك. وإن كان دفعة، فيمكن أن يقال بأنّ الإعطاء والأخذ مجتمعانمع الفقر، إلاّ أنّ مقتضى الاحتياط الخلاف بعد كون التشريع بلحاظ الفقر،كما لا يخفى.
الخامسة: في استحباب اختصاص ذوي الأرحام، والجيران، وأهل الهجرةفيالدين والفقه والعقل، وغيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجّحات، ويدلّ
- (1) تهذيب الأحكام 4: 89 ح262، الاستبصار 2: 52 ح175، وعنهما وسائل الشيعة 9: 362، كتاب الزكاة،أبواب زكاة الفطرة ب16 ح1.
- (2) الفقيه 2: 116 ح498، الكافي 4: 173 ح17، تهذيب الأحكام 4: 90 ح263، وعنها وسائل الشيعة 9: 362،كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب16 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 9: 362 ـ 363، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب16.
(صفحه 369)
على ذلك أيضاً روايات(1) متعدّدة لا حاجة إلى نقلها بعد كون الحكماستحبابيّاً.
السادسة: أنّه لا يترك الاحتياط بعدم الدفع إلى شارب الخمر، والمتجاهربمثل هذه الكبيرة، ولا يجوز أن يدفع إلى من يصرفها في المعصية، وقد تقدّمالدليل على ذلك في زكاة المال، فراجع(2).
- (1) وسائل الشيعة 9: 262، 359 ـ 361 و 411 ـ 413، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب25، وأبوابزكاة الفطرة ب15، وأبواب الصدقة ب20.
- (2) في ص251، 258، 262، 272 و 296.