(صفحه362)
والظاهر أنّ سيّد العروة حملهما على الاستحباب، وجعل مقتضى الاحتياطالاستحبابي عدم النقل مع وجود المستحقّ في البلد؛ مع أنّ الظاهر أنّه لا وجهللحمل المذكور بعد عدم وجود نصّ في المقام دالّ على الجواز حتّى يكونمقتضى الجمع ذلك؛ فإنّك عرفت أنّ الروايات المتعدّدة الصريحة موردها زكاةالمال، ولا دليل ظاهراً على الملازمة بين الزكاتين في هذا الحكم وإن كان فيبادئ النظر ذلك، خصوصاً مع أنّ العزل على خلاف القاعدة، ومع أنّه يكونهدف الشارع خروج الفقراء والمستحقّين عن هذا الوصف ولو في أيّام قلائل،فالإنصاف أنّ ما أفاده الماتن قدسسره من الاحتياط الوجوبي غير قابل للالتزامبأقلّ منه، فتدبّر.
(صفحه 363)
(صفحه364)
مصرف زكاة الفطرة
القول في مصرفه
الأقوى أنّ مصرفها مصرف زكاة المال وإن كان الأحوط الاقتصار على دفعهإلى الفقراء المؤمنين وأطفالهم، بل المساكين منهم وإن لم يكونوا عدولاً، ويجوزإعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود المؤمنين.
والأحوط أن لا يدفع إلى الفقير أقلّ من صاع أو قيمته؛ وإن اجتمع جماعةلاتسعهم كذلك. ويجوز أن يُعطى الواحد أصواعاً، بل إلى مقدار مؤونة سنته،والأحوط عدم الإعطاء والأخذ أزيد من مؤونتها.
ويستحبّ اختصاص ذوي الأرحام والجيران وأهل الهجرة في الدين والفقهوالعقل وغيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجّحات. ولا يترك الاحتياط بعدم الدفعإلى شارب الخمر والمتجاهر بمثل هذه الكبيرة، ولا يجوز أن يدفع إلى من يصرفهفي المعصية1.
1ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الاُولى: أنّ مصرف زكاة الفطرة هو مصرف زكاة المال، وفي محكيّالمدارك(1) أنّه مقطوع به في كلامهم، وعمدة الدليل على ذلك عموم الصدقات
- (1) مدارك الأحكام 5: 353.
(صفحه365)
الواقع في آية الصدقة(1)، والجمع المحلّى باللام مفيد للعموم، مع أنّ في المقامخصوصيّة أشرنا إليها مكرّراً(2)؛ وهو: أنّ أوّل ما نزلت في الزكاة إنّما كان فيزكاة الفطرة؛ لأنّه لم يكن للناس في ذلك الزمان أموال حتّى يتعلّق بها زكاةالمال، فالآية تشمل زكاة الفطرة قطعاً.
وأمّا كون الاحتياط الاقتصار على الدفع إلى فقراء المؤمنين وأطفالهم، بلالمساكين منهم؛ فلأجل بعض الروايات الظاهرة في تعيّن الدفع إلى الفقراءوالمساكين، مثل:
صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في حديث: أنّ زكاة الفطرة للفقراءوالمساكين(3).
ونظيره ما ورد في بعض الروايات الاُخر من أنّها لمن لا يجد(4). ولكنلا دلالة لشيء منها على الانحصار، خصوصاً مع التوجّه إلى عموم الآيةكما عرفت، وإلى أنّ الفقراء هم المنظورون في أصل تشريع الزكاة، فهي محمولةعلى الاستحباب كما في المتن.
ثمّ إنّه لا دليل على اعتبار العدالة كما في زكاة المال، خصوصاً بعد عدمإمكان اتّصاف الصغار بالعدالة أصلاً.
الثانية: جواز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود
- (3) تهذيب الأحكام 4: 75 ح210، الاستبصار 2: 42 ح134، وعنهما وسائل الشيعة 9: 357 ـ 358، كتابالزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب14 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 9: 358، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب14 ح3 و 4.
(صفحه366)
المؤمنين، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك، وأورد فيه روايات كثيرة دالّةعلى ذلك مع استثناء الناصبين، ولعلّ استثناء الناصب لأنّه محكوم بالكفرـ كماتقدّم في بحثه(1) ـ وإن كان منتحلاً للإسلام.
منها: موثّقة الفضيل المتقدّمة(2) في بعض المسائل السّابقة، المشتملةعلى قول أبي عبد اللّه عليهالسلام : هي لأهلها إلاّ أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمنلاينصب.
ومنها: صحيحة علي بن يقطين أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليهالسلام عن زكاةالفطرة أيصلح أن تعطى الجيران والظؤورة(3) ممّن لا يعرف ولا ينصب، فقال:لا بأس بذلك إذا كان محتاجاً(4).
ومنها: رواية مالك الجهني قال: سألت أبا جعفر عليهالسلام عن زكاة الفطرة؟فقال: تعطيها المسلمين، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفاً، وأعط ذا قرابتك منهإن شئت(5).
ومنها: غير ذلك من الروايات(6) الدالّة عليه.
الثالثة: في أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي أن لا يدفع إلى فقير واحد أقلّمن صاع أو قيمته وإن اجتمع جماعة لا تسعهم كذلك، ويدلّ عليه مرسلتان:
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 252 ـ 255.
- (3) الظؤورة: جمع ظئر، وهي المرضعة، مجمع البحرين (ظأر).
- (4) الفقيه 2: 118 ح507، وعنه وسائل الشيعة 9: 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب15 ح6.
- (5) الكافي 4: 173 ح18، تهذيب الأحكام 4: 87 ح255، وعنهما وسائل الشيعة 9: 359، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الفطرة ب15 ح1.
- (6) وسائل الشيعة 9: 359 ـ 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب15.