(صفحه 299)
وقت وجوبها المغاير لوقت التعلّق في الغلاّت الأربع، كما تقدّم(1)، بل فيما يعتبرفيه الحول كالأنعام أيضاً؛ نظراً إلى احتمال أن يكون وقت الوجوب هو وقتالاستقرار بمضيّ السنة.
وقد جعل مقتضى الاحتياط الاستحبابي عدم جواز تأخير الدفع معوجود المستحقّ وإن قوّى الجواز خلافاً للمحقّق في الشرائع(2)، ولعلّ المستنددلالة بعض الروايات المتقدّمة ـ كموثقة يونس ـ عليه، خصوصاً مع انتظارمستحقّ معيّن أو أفضل.
ثمّ إنّه يظهر من المتن أنّ التأخير كذلك يجوز إلى شهرين أو أزيد في خلالالسنة، واحتاط بعدم التأخير عن أربعة أشهر.
ولعلّ المستند في ذلك رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام أنّه قالفي الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكونمن أوّله وآخره ثلاثه أشهر، قال: لا بأس(3).
ثمّ إنّ من الآثار المهمّة المترتّبة على جواز العزل ـ وإن كان مخالفاً للقاعدةعلى ما عرفت، وجواز العزل لا ينافي ثبوت الضمان في نفسه، كأكل مال الغيربدون رضاه في صورة خوف التلف من الجوع الجائز عقلاً وشرعاً، ومع ذلكيكون ضامناً للمثل أو القيمة ـ عدم ثبوت الضمان مع تحقّق التلف من غير تعدٍّولا تفريط، كما تدلّ عليه الروايات الكثيرة التي تقدّم بعضها(4)، وقد وقع
- (2) شرائع الإسلام 1: 167.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 45 ح118، الكافي 3: 523 ح7، مستطرفات السرائر: 99 ح24، وعنها وسائلالشيعة 9: 308، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب53 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 9: 285 ـ 287، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب39.
(صفحه300)
التصريح في المتن أنّه مع التأخير من غير عذر يكون ضامناً.
الثالث: لا يجوز تقديم الزكاة بعنوانها قبل وقت الوجوب؛ لأنّه كالصلاةقبل الوقت. نعم، يجوز التقديم بعنوان القرض ثمّ الاحتساب بعنوان الزكاةإنكان حين الاحتساب مصرفاً للزكاة، وكان الدافع واجداً لشرائط الوجوب،وهو مع أنّه مطابق للقاعدة غير مخالف لها، يدلّ عليه جملة من الروايات،وقد عقد في الوسائل باباً لذلك وأورد فيه روايات:
منها: رواية يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليهالسلام يقول: قرض المؤمنغنيمة وتعجيل أجر (خير خ ل)، إن أيسر قضاك، وإن مات قبل ذلكاحتسبت به من الزكاة(1).
ومنها: رواية عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في حديث، أنّ عثمان بنعمران (بهرام خ ل) قال له: إنّي رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشيءوليس هو إبّان زكاتي؟ فقال له أبو عبد اللّه عليهالسلام : القرض عندنا بثمانية عشر،والصدقة بعشرة، وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته، فإذا كان إبّانزكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللّه عظيم(2).
ثمّ إنّه أفاد في ذيل المسألة أنّه إن جاء أجل القرض يجوز له الاحتسابالمذكور؛ أي مع وجود الشرائط، ويجوز له الاستعادة منه والدفع إلى غيره، إلأنّ الأحوط الأولى الأوّل، والوجه واضح.
- (1) الكافي 3: 558 ح1، الفقيه 2: 32 ح127، وعنها وسائل الشيعة 9: 299، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّينللزكاة ب49 ح1.
- (2) الكافي 4: 34 ح4، وعنه وسائل الشيعة 9: 300، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب49 ح2.
(صفحه 301)
مسألة 5: الأفضل، بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة، سيّما إذطلبها؛ لأنّه أعرف بمواقعها؛ وإن كان الأقوى عدم وجوبه إلاّ إذا حكم بالدفع إليهلمصلحة الإسلام أو المسلمين، فيجب اتّباعه وإن لم يكن مقلّداً له1.
1ـ قد تقدّم(1) البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاُولى من القول فيبقيّة أحكام الزكاة، وقد مرّت(2) حكاية القول بالوجوب عن بعض الأقدمينمن الفقهاء، وما يمكن أن يستدلّ به على ذلك مع الجواب عنه.
والذي ينبغي التعرّض له هنا ما استدركه من أنّه إذا حكم الفقيه في عصرالغيبة بالدفع إليه، لا لأنّه أعرف بمواقعها، بل لمصلحة الإسلام أو المسلمينيجب اتّباعه على العموم ولو بالإضافة إلى غير المقلّدين له؛ لنفوذ حكمهفيما يرجع إلى ذلك كذلك، كحكمه بالجهاد النافذ على العموم، وحكمه برؤيةالهلال، ونظائرهما.
(صفحه0)
مسألة 6: يستحبّ ترجيح الأقارب على غيرهم، وأهل الفضل والفقه والعقلعلى غيرهم، ومن لا يسأل من الفقراء على غيره1.
1ـ أمّا ما يدلّ على استحباب ترجيح الأقارب على غيرهم، فكروايةإسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال: قلت له: لي قرابة اُنفق علىبعضهم واُفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة، أفاُعطيهم منها؟ قال:مستحقّون لها؟ قلت: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم، الحديث(1).
وأمّا ما يدلّ على استحباب ترجيح أهل الفضل، فكرواية عبد اللّه بنعجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر عليهالسلام : إنّي ربما قسّمت الشيء بينأصحابي أصِلهم به(2)، فكيف اُعطيهم؟ قال: أعطهم على الهجرة في الدينوالفقة والعقل(3). ولا يراد من الأمر إلاّ الاستحباب بداهة.
وأمّا ما يدلّ على استحباب ترجيح من لا يسأل على من يسأل، فكروايةعبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليهالسلام عن الزكاة، يُفضّلبعض من يُعطى ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال: نعم، يُفضّل الذي لا يسألعلى الذي يسأل(4).
- (1) الكافي 3: 551 ح1، تهذيب الأحكام 4: 56 ح149، وص100 ح283، الاستبصار 2: 33 ح100، وعنهوسائل الشيعة 9: 245، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب15 ح2.
- (2) (من صلة الرحم) منه قدسسره .
- (3) تهذيب الأحكام 4: 101 ح285، الفقيه 2: 18 ح59، الكافي 3: 549 ح1، وعنها وسائل الشيعة 9: 262،كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب25 ح2.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 101 ح284، الكافي 3: 550 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 9: 262، كتاب الزكاة، أبوابالمستحقّين للزكاة ب25 ح1.
(صفحه303)
مسألة 7: يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجودالمستحقّ. والتعيين في غير الجنس محلّ إشكال وإن لا يخلو من وجه، فتكون أمانةفي يده لا يضمنها إلاّ مع التعدّي أو التفريط، أو التأخير مع وجود المستحقّ، وليسله تبديلها بعد العزل1.
1ـ قد مرّت دلالة الروايات المتقدّمة على جواز العزل وإن كان على خلافالقاعدة، ومقتضى إطلاق البعض بل صراحة البعض الآخر، كالموثّقة(1) جوازالعزل حتّى مع وجود المستحقّ، والذي ينبغي التعرّض له في هذه المسألةأمران:
أحدهما: أنّه هل يجوز التعيين في غير الجنس الزكوي، أم لا؟ وقد جعله فيالمتن محلّ إشكال وإن نفى خلوّ الجواز عن الوجه، ولعلّ منشأ الإشكال كونالعزل على خلاف القاعدة يقتصر من الجواز فيه على القدر المتيقّن، وهوالتعيين من الجنس الزكوي، وكون المعزول لا يخالف أصل الزكاة.
فكما أنّه يجوز في مقام الإعطاء الدفع من غير الأمر المتعلّق للزكاةكما تقدّم(2)، كذلك في العزل؛ لأنّ الظاهر عدم زيادة حكمه على أصل الزكاة،والزكاة المعزولة في يده إنّما هي بعنوان الأمانة، ولا يتحقّق الضمان فيه إلاّ معالتعدّي أو التفريط، كما هو شأن كلّ وديعة وأمانة.
ثمّ إنّه يدلّ على الضمان مع التأخير إذا كان المستحقّ موجوداً، مثل صحيحةمحمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم
- (1) أي موثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة في ص299.