(صفحه195)
مسألة 13: لو كان عنده أنواع من التمر ـ كالزاهدي والخستاوي والقنطار وغيرذلك ـ يُضمّ بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب، والأحوط الدفع من كلّ نوع بحصّته؛وإن كان الأقوى جواز الاجتزاء بمطلق الجيّد عن الكلّ وإن اشتمل على الأجود.ولايجوز دفع الرديء عن الجيّد على الأحوط. وهكذا الحال في أنواع العنب1.
1ـ لو كان عنده أنواع من التمر، كالأنواع والعناوين المذكورة في المتن، فهنأمران:
الأوّل: أنّه هل النصاب المعتبر في زكاة الغلاّت يلاحظ بالإضافة إلىالمجموعويضمّ بعضها إلى بعض، أو أنّه يلاحظ بالإضافة إلى كلّ نوع مشتمل علىفصله الخاصّ؟ الظاهر هو الأوّل؛ لاشتراك الجميع في الجنس، وهو عنوانالتمر، والنصاب معتبر فيهلا في كلّ نوع خاصّ.
الثاني: لا إشكال في جواز الدفع من كلّ نوع بحصّته، فإذا كانت عندهأنواع مختلفة بعضها أجود وبعضها جيّد وثالثها الرّديء، يجوز في مقام أداءالزكاة التثليث، ودفع ثلث الزكاة من كلّ منها، وهذا هو المطابق للاحتياطولجميع المباني في باب الزكاة، حتّى على القول بالشركة الحقيقيّة(1) بين المالكوالأصناف في المال الزكوي.
ولكن جعل في المتن هذا الاحتياط غير واجب، بل جوّز الاجتزاء بمطلقالجيّد عن الجميع وإن اشتمل على الأجود أيضاً، بل صرّح في الذيل بعدم دفعالرديء عن الجيّد احتياطاً، كما في العروة(2).
ولكن بعض الأعلام قدسسره في الشرح اختار الجواز، نظراً إلى انطباق الطبيعة
- (1) يأتي البحث عنها في ص318 ـ 321.
- (2) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2687.
(صفحه196)
المأمور بها عليه؛ للاشتراك في الجنس كما عرفت، وإلى عدم وقوع التقييد فيشيء من نصوص الباب بصنف خاصّ، كما كان كذلك في زكاة الأنعام؛ حيثورد المنع عن دفع الشاة الهرمة أو المريضة أو المعيبة(1)، ولم يرد مثل هذالتقييد في زكاة الغلاّت بوجه. نعم، في بعض النصوص: أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله منععن خرص الجعرور ومعافارة ولم يقبلهما عن الزكاة(2).
ولكن هذين من أردأ أنواع التمر قليلة اللحى عظيمة النوى، لا تستعملغالباً إلاّ للإحراق أو أكل الحيوانات، ولا يعدّان من المأكول، بل ربما ينصرفعنهما اسم التمر لشدّة الرداءة(3)، إنتهى.
أقول: لابدّ إمّا من الالتزام بعدم كونهما من التمر، فاللازم القول بعدمالمدخليّة في بلوغ النصاب المعتبر بوجه، ولا يمكن الالتزام به، وإمّا من الالتزامبعدم جواز دفع الرديء عن الجيّد، كما احتاط في المتن تبعاً لما دلّ على أنّالرسول صلىاللهعليهوآله لم يقبلهما كذلك.
- (2) وسائل الشيعة 9: 205 ـ 207، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام ب19.
- (3) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 382 ـ 383.
(صفحه 197)
مسألة 14: يجوز تقبّل كلّ من المالك والحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرصأهل الخبرة. والظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيهالنصوص، وهو معاملة عقلائيّة برأسها، وفائدتها صيرورة المال المشاع معيّناً علىالنحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل. ولابدّ في صحّتها وقوعها بين المالك ووليّالأمر، وهو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص، فلايجوز للمالك الاستبداد بالخرضوالتصرّف بعده كيف شاء.
نعم، بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء، من دون احتياجإلى الضبط والحساب. ويشترط فيه الصيغة؛ وهي ما دلّت على ذاك التقبّل وتلكالمعاملة. والظاهر أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالم على المتقبّل، إلاّ أن يكونمستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي، فلا يضمن ماتلف، ويجب ردّمابقى إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم، ثمّ إن زاد ما في يد المالكالمتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه، ووقت الخرص بعد تعلّقالزكاة1.
1ـ التخريص بمعنى التخمين الذي كان بعض الأشخاص متخصّصاً فيه،ويعمل بدلاً عن الكيل والوزن، إمّا لأجل السهولة، أو لعدم الكيل والوزن فيسالف الأزمنة في جميع الأمكنة، سيّما القرى مع كثرتها، وقد وردت الرواياتالكثيرة(1) ـ في باب المزارعة ـ الصحيحة في هذا الباب، مع ثبوت الشركةالواقعيّة بين المالك والعامل على ما توافقا عليه نصفاً أو ثلثاً أو غيرهما.
وأمّا في المقام، فقد وردت بعض الروايات الصحيحة؛ وهي:
- (1) وسائل الشيعة 19: 49 ـ 51، كتاب المزارعة والمساقاة ب14.
(صفحه198)
رواية سعد بن سعد الأشعري المتقدّمة(1) التي وقع فيها السؤال عنالإمام عليهالسلام عن أنّه هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال:نعم، إذا خرصه أخرج زكاته. وكذا بعض الروايات الاُخر(2).
ثمّ إنّ فائدته ـ كما صرّح به في آخر المسألة ـ أنّه إن زاد ما في يد المالكالمتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه، والمراد منه تقبّل كلّمن المالك والحاكم أو المبعوث من قبله لذلك حصّة الآخر بخرص أهل الخبرةوتخمينه. وذكر في المتن أنّه معاملة عقلائيّة مستقلّة برأسها، وفائدتها صيرورةالمال المشاع معيّناً بنحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل، كما عرفت مثلها فيالمزارعة(3).
ثمّ إنّ هنا اُموراً مرتبطة بهذه المعاملة العقلائيّة:
الأوّل: أنّ صحّة هذه المعاملة العقلائيّة بنظر الشرع إمّا لما عرفت من دلالةبعض الروايات الصحيحة عليها، وإمّا لإلغاء الخصوصيّة من باب المزارعةالتي تكون الشركة الحقيقيّة موجودة فيها، وهنا يكون بعض المباني الاُخر،فجريان الخرص فيه بطريق أولى، كما لا يخفى.
الثاني: أنّها حيث تكون عقداً، فلابدّ في صحّتها من وقوعها بين الطرفين،هما المالك والحاكم أو المنصوب من قبله لذلك، فلا يجوز للمالك فقط الاستبدادبالخرص والتصرّف بعده كيف شاء، وكذا لا يجوز للطرف الآخر ذلك، بليحتاج إلى تقبّل الطرفين.
- (2) وسائل الشيعة 9: 194 ـ 195، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلاّت ب12.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المزارعة: 163 ـ 164.
(صفحه 199)
الثالث: أنّه يشترط فيه الصيغة، لا صيغة خاصّة، بل كلّ ما يدلّ على ذاكالتقبّل وملك المعاملة.
الرابع: ما استظهره في المتن من أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالمـ ولامحالة يكون خارجاً عن اختيار المتقبّل ـ إنّما هو على المتقبّل، إلاّ أنيكونمستغرقاً، أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي، فلا يضمن ما تلف، بليجب ردّ ما بقي إلى الحاكم.
والسرّ فيه: أنّ التخريص أمارة، وحجّيتها إنّما هي مع عدم انكشافالخلاف، فمع الانكشاف لا تكون حجّة.
الخامس: وقت الخرص إنّما هو بعد تعلّق الزكاة؛ ضرورة أنّه لا مجال لهقبله، خصوصاً مع احتمال عدم التعلّق رأساً.
السادس: مقتضى إطلاق المتن جريان التخريص بالإضافة إلى جميعالغلاّت الأربع، خصوصاً مع التشبيه بباب المزارعة، مع أنّ جريانه في النخلوالكرم كأنّه إجماعيّ على ما قيل(1).
وفي الزرع محلّ خلاف وإن كان المشهور هو الجواز(2)، إلاّ أنّه يمكن أن يقال
- (1) الخلاف 2: 60 ـ 61 مسألة 73، المعتبر 2: 535 و 537، مصابيح الظلام 10: 323، 331 و 332، مفتاحالكرامة 11: 355، جواهر الكلام 15: 429 ـ 430، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 23: 392، وفي مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 416، ومستمسك العروة الوثقى 9: 187بلا خلاف.
- (2) حكاه في مفتاح الكرامة 11: 356 عن التخليص للسيّد محمّد بن عميد الدِّين، ولم نعثر على الكتاب،المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 393، وادّعى الإجماع في الخلاف 1: 60مسألة73، وهو خيرة جماعة، منهم: العلاّمة في تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 43، والمحقّق الثانيفي جامع المقاصد 3: 24.