(صفحه312)
مسألة 14: يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقةولو مندوبة؛ سواء كان التملّك مجّاناً أو بالعوض، ولو أراد الفقير بيعه بعد تقويمهعند من أراد كان المالك أحقّ به، لكن زوال الكراهة غير معلوم. نعم، لو كانتالصدقة جزء حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به، ولا يشتريه غير المالك،أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره، جاز شراؤه من دون كراهة1.
1ـ يدلّ عليه صحيحة منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّه عليهالسلام : إذتصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردّها إلاّ فيميراث(1).
وقد رواها في الوسائل في باب الواحد بعنوان الرواية الاُخرى مع وضوحالوحدة وعدم التعدّد، كما نبّهنا عليه مراراً، والنهي محمول على الكراهة؛ضرورة أنّ مقتضى الظاهر هو النهي الإرشادي، ولا قائل به، خصوصاً فيمطلق الصدقة، وكيف كان، فالرواية لا تختصّ بالصدقة المندوبة، ومقتضىصراحتها أنّه لا فرق بين التملّك المجّاني أو بالعوض.
نعم، لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد، كان الأحقّ بذلك هوالمالك؛ لرواية محمّد بن خالد أنّه سأل أبا عبد اللّه عليهالسلام عن الصدقة؟ ـ إلى أنقال الإمام عليهالسلام ـ : فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن،فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، وإن لم يردها فليبعها(2).
وهل المستفاد منها زوال الكراهة الثابتة للمالك؟ ربما يقال: نعم؛ للملازمة
- (1) تهذيب الأحكام 9: 150 ح614، وعنها وسائل الشيعة 19: 207، كتاب الوقوف والصدقات ب12 ح1.
- (2) الكافي 3: 538 ح5، تهذيب الأحكام 4: 98 ح276، وعنهما وسائل الشيعة 9: 131، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الأنعام ب14 ح3.
(صفحه313)
العرفيّة، ولكنّها غير معلومة. نعم، لو كانت الصدقة جزء حيوان لا يتمكّنللفقير الانتفاع به، ولا يشتريه غير المالك، أو يحصل له ضرر بشراء غيره،جاز للمالك شراؤه من دون كراهة؛ لانصراف النصّ المحمول على الكراهة عنمثل هذا المورد، خصوصاً مع التصريح بالجواز في مثل الميراث، فتدبّر.
(صفحه314)
مسألة 15: لو دفع شخص زكاته إلى شخص ليصرفها في الفقراء، أو خمسه إليهليصرفه في السّادة، ولم يعيّن شخصاً، وكان المدفوع إليه مصرفاً، ولمينصرف اللفظعنه، جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة، وكذا له أن يصرفه في عياله،خصوصاً إذا قال: هذا للفقراء أو للسّادة، أو هذا مصرفه الفقراء والسّادة وإن كانالأحوط عدم الأخذ إلاّ بإذن صريح، وكذا الحال لو دفع إليه مال آخر ليصرفه فيطائفة وكان المدفوع إليه بصفتهم1.
1ـ لو دفع شخص زكاته إلى شخص ليصرفها في مصرفها الذي هي عبارةعن مثل الفقراء، ولم يعيّن شخصاً خاصّاً، وكان المدفوع إليه مصرفاً ومنالفقراء، ففي الحقيقة يوكّل المدفوع إليه في الإيصال إلى الفقير، ففي المرتبةالاُولى لابدّ من ملاحظة الانصراف عن شخصه وعدمه، كما عرفت في الوصيّفي ذيل المسألة السابقة من أنّه يجوز له أخذ الزكاة، مضافاً إلى الشرائط عندعدم الانصراف عنه، وإلاّ فلا يجوز، وكذا بالإضافة إلى عياله.
وفي المرتبة الثانية يلاحظ تعبير الدافع عند الدفع، فتارةً: يعبّر بأنيوصلهإلى فقير، غاية الأمر عدم تعيين شخص خاصّ. واُخرى: يعبّر بأنّ هذللفقراء، أو أنّ هذا مصرفه الفقراء. وثالثة: يصرّح بجواز أخذ شخصالمدفوع إليه منها مع حفظ الشرائط، وقد جوّز الأخذ في جميع الصور،واحتاط استحباباً بعدم الأخذ إلاّ مع الإذن الصريح؛ والسرّ أنّه لا وجه لعدمالجواز بعد عدم ثبوت الانصراف، كما هو المفروض، وكون المدفوع إليه واجدللشرائط.
وهكذا الكلام بالإضافة إلى الخمس للسّادة، وكذلك كلّ مورد دفع إليهمال ليصرفه في طائفة وكان المدفوع إليه بصفتهم، كما إذا دفع إليه ليصرفه
(صفحه315)
فيمن اشتغل بالمراتب العلميّة الحوزويّة، وفرض اشتغال نفسه بها، ويتّفق هذالمعنى كثيراً.
قد تمّت المسائل المرتبطة بزكاة المال، لكن بنظري القاصر كان على سيّدنالاُستاذ الماتن قدسسره التعرّض لمسألة مستقلّة أهمل ذكرها وإن كان يعلم نظره فيهمن بعض فتاويه ومطاوي كلماته، لكنّ المسألة كانت صالحة للتعرّضالاستقلالي، كما صنعه السيّد الطباطبائي قدسسره في العروة، حيث قال في المسألةالحادية والثلاثين من مسائل زكاة الغلاّت ما هذه عبارته: الأقوى أنّ الزكاةمتعلّقة بالعين، لكن لا على وجه الإشاعة، بل على وجه الكلّي في المعيّن(1).
أقول: إنّ البحث في هذه المسألة يقع في مقامين:
الأوّل: أنّ الزكاة متعلّقة بنفس العين الزكويّة لا أنّها متعلّقة بالذمّة، غايةالأمر أنّ الأداء من العين وفاءً عمّا في الذمّة، والمشهور بل كاد أن يكون هوالمتسالم عليه بين الأصحاب هو الأوّل(2)، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحدبالصراحة، بل نسب إلى مثل الشذوذ(3).
- (1) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2688.
- (2) مفاتيح الشرائع 1: 203 مفتاح233، الحدائق الناضرة 12: 141، مفتاح الكرامة 11: 365، مستند الشيعة 9:216، المسألة الثانية، جواهر الكلام 15: 237 ـ 238، مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 235 ـ 236،مستمسك العروة الوثقى 9: 175، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23:385.
وادّعى الإجماع في تذكرة الفقهاء 5: 186 ـ 187 مسألة123، وفرع أ، ومنتهى المطلب 8 : 244، ونهجالحقّ وكشف الصدق: 455، الفصل الثالث في الزكاة، ومجمع الفائدة والبرهان 4: 124، ومصابيح الظلام10: 365.
- (3) الحدائق الناضرة 12: 141، جواهر الكلام 15: 238، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 23: 385.
(صفحه316)
ويدلّ عليه ظاهر الروايات، خصوصاً مثل قوله عليهالسلام : «فيما سقته السماءالعشر»(1) في الغلاّت، و «في كلّ أربعين شاة شاة»(2) في الأنعام، و«في عشرينمثقالاً في الذهب مثلاً نصف مثقال»(3)؛ فإنّه لا خفاء في أنّ مثل هذه التعبيراتله ظهور قويّ في التعلّق بالعين؛ لظهور كلمة «في» في الظرفيّة الحقيقيّة،كما يقال: الماء في الحوض، والحوت في البحر.
وذكر في الشرح أنّه لا يقاس ذلك بمثل «في القتل خطأً الديةعلى العاقلة»(4)، أو «في إفطار شهر رمضان الكفّارة»(5)؛ للفرق الواضح بينالموردين؛ ضرورة أنّ الظرفيّة متعذّرة في أمثال هذه الموارد؛ لأنّه لا مجاللأن يكون ما هو من سنخ الأموال ظرفه الفعل أو الأفعال؛ لأنّه لا محصّل له،ولأجله لابدّ من حمل كلمة «في» على السببيّة، بخلاف المقام الذي يمكن الحملعلى الظرفيّة الحقيقيّة.
قال: وأوضح من الكلّ ما تضمّن التعبير بالشركة، كموثّقة أبي المعزا، عنأبي عبد اللّه عليهالسلام قال: إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ أشرك بين الأغنياء والفقراء فيالأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم(6).
ضرورة أنّه لا معنى للشركة إلاّ في العين الخارجيّة، ولا معنى لها في الذمّة
- (1) وسائل الشيعة 9: 182 ـ 185، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلاّت ب4.
- (3) وسائل الشيعة 9: 138 و 140، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب والفضّة ب1 ح3 ـ 5 و 9 ـ 12.
- (4) اقتباس ممّـا ورد في وسائل الشيعة 29: 397، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب6 ح1 وغيره.
- (5) اقتباس من الروايات الواردة في وسائل الشيعة 10: 44 ـ 49، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنهالصائم ب8 .
- (6) الكافي 3: 545 ح3، وعنه وسائل الشيعة 9: 215، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب2 ح4.