كالغلاّت والمواشي وإن نسب الخلاف إلى جماعة(1) ـ أنّ أكثر الأدلّة الواردةفي الزكاة، كالآيات التي عطف فيها إيتاء الزكاة على إقامة الصلاة(2)، إنّما هيبلسان التكليف، والحكم التكليفي يختصّ بالبالغ.
وقد حقّقنا في كتابنا «القواعد الفقهيّة» أنّ من جملة تلك القواعد عدماختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين، وشمولها لغير البالغين، كضمان الإتلاف،وضمان الغصب، ومثلهما من الأحكام؛ وأنّ حديث(3) رفع القلم عن الصبيّحتّى يحتلم ويتّصف بالبلوغ، لا دلالة فيه إلاّ على رفع الأحكام التكليفيّةالالزاميّة وجوباً أو حرمة بلحاظ استتباعها للمؤاخذة(4).
وعليه: فلا وجه لما عن بعض الأعلام قدسسره ممّا يرجع إلى أنّ إطلاق الحديثيعمّ الوضع والتكليف بمناط واحد(5)؛ لما عرفت من عموميّة الأحكامالوضعيّة.
نعم، أوردنا هناك(6) على الشيخ الأعظم قدسسره بأنّه بناءً على مختاره؛ من عدمكون الأحكام الوضعيّة مجعولة مستقلّة، كالأحكام التكليفيّة ـ بل إنّما هيمنتزعة عنها ومأخوذة منها، فالزوجيّة منتزعة من جواز الوطء والاستمتاعمثلاً، والملكيّة مأخوذة من جواز التصرّف المطلق، والضمان في الإتلاف مثل
- (1) المقنعة: 238، مسائل الناصريّات: 281، النهاية: 174، المبسوط 1: 234.
- (2) تقدّمت تخريجها في ص13.
- (3) الخصال: 94 ح40 وص175 ح233، وعنه وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العباداتب4 ح11.
- (4) القواعد الفقهيّة 1: 319 ـ 325.
- (5) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 6.
- (6) أي في القواعد الفقهيّة 1: 323 ـ 325.
(صفحه20)
منتزع من لزوم أداء المثل أو القيمة عقيبه(1) ـ يكون اللاّزم الالتزام بعدمثبوتها في الصبيّ؛ لعدم ثبوت التكليف في حقّه.
فإذا لم يكن الصبيّ مكلّفاً بلزوم أداء المثل أو القيمة عقيب الإتلاف؛ لأنّهحكم تكليفيّ، فكيف يكون إتلافه سبباً للضمان، مع أنّ الضمان منتزع عنالتكليف علىماهو المفروض من المبنى؟
بل وسّعنا دائرة الإشكال بناءً على مبنى المشهور(2)؛ نظراً إلى أنّ اعتبارالأحكام الوضعيّة إنّما هو بلحاظ الأحكام التكليفيّة المترتّبة عليها، وإلاّ تصيرلغواً بلا فائدة، فاعتبار الزوجيّة بين الرجل والمرأة إنّما يصحّ إذا كانتموضوعة لأثر، مثل جواز النظر والاستمتاع والوطء، وهكذا في الملكيّةالمعتبرة في باب البيع ومثله.
وكذا في الإتلاف الذي هو سبب للضمان، فإذا فرض في مورد عدم ثبوتالحكم التكليفي ـ كما في الصبيّ ـ كيف يصحّ جعل الحكم الوضعي؟ ولو قيلباستقلاله في الجعل والاعتبار كما هو المشهور(3).
ولكن اُجيب عن الإشكال الأخير ـ مضافاً إلى النقض بالنائم الذي لاشبهةفي ضمانه في مثل الإتلاف ـ بوجهين مذكورين هناك(4)، وكيف كان، فلا إشكالفي اختصاص المرفوع بالأحكام التكليفيّة.
- (1) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 3: 125 ـ 130.
- (2 ، 3) تمهيد القواعد: 37، الوافية: 202، زبدة الاُصول: 62، الفوائد الحائريّة: 95، هداية المسترشدين فيشرح اُصول معالم الدِّين 1: 58، فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 3: 125 ـ 127، القواعد الفقهيّةللمحقّق البجنوردي 4: 177.
- (3) أي في القواعد الفقهيّة 1: 324 ـ 325.