(صفحه 197)
مسألة 14: يجوز تقبّل كلّ من المالك والحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرصأهل الخبرة. والظاهر أنّ التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيهالنصوص، وهو معاملة عقلائيّة برأسها، وفائدتها صيرورة المال المشاع معيّناً علىالنحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل. ولابدّ في صحّتها وقوعها بين المالك ووليّالأمر، وهو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص، فلايجوز للمالك الاستبداد بالخرضوالتصرّف بعده كيف شاء.
نعم، بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء، من دون احتياجإلى الضبط والحساب. ويشترط فيه الصيغة؛ وهي ما دلّت على ذاك التقبّل وتلكالمعاملة. والظاهر أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالم على المتقبّل، إلاّ أن يكونمستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي، فلا يضمن ماتلف، ويجب ردّمابقى إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم، ثمّ إن زاد ما في يد المالكالمتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه، ووقت الخرص بعد تعلّقالزكاة1.
1ـ التخريص بمعنى التخمين الذي كان بعض الأشخاص متخصّصاً فيه،ويعمل بدلاً عن الكيل والوزن، إمّا لأجل السهولة، أو لعدم الكيل والوزن فيسالف الأزمنة في جميع الأمكنة، سيّما القرى مع كثرتها، وقد وردت الرواياتالكثيرة(1) ـ في باب المزارعة ـ الصحيحة في هذا الباب، مع ثبوت الشركةالواقعيّة بين المالك والعامل على ما توافقا عليه نصفاً أو ثلثاً أو غيرهما.
وأمّا في المقام، فقد وردت بعض الروايات الصحيحة؛ وهي:
- (1) وسائل الشيعة 19: 49 ـ 51، كتاب المزارعة والمساقاة ب14.
(صفحه198)
رواية سعد بن سعد الأشعري المتقدّمة(1) التي وقع فيها السؤال عنالإمام عليهالسلام عن أنّه هل على العنب زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال:نعم، إذا خرصه أخرج زكاته. وكذا بعض الروايات الاُخر(2).
ثمّ إنّ فائدته ـ كما صرّح به في آخر المسألة ـ أنّه إن زاد ما في يد المالكالمتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، وإن نقص كان عليه، والمراد منه تقبّل كلّمن المالك والحاكم أو المبعوث من قبله لذلك حصّة الآخر بخرص أهل الخبرةوتخمينه. وذكر في المتن أنّه معاملة عقلائيّة مستقلّة برأسها، وفائدتها صيرورةالمال المشاع معيّناً بنحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل، كما عرفت مثلها فيالمزارعة(3).
ثمّ إنّ هنا اُموراً مرتبطة بهذه المعاملة العقلائيّة:
الأوّل: أنّ صحّة هذه المعاملة العقلائيّة بنظر الشرع إمّا لما عرفت من دلالةبعض الروايات الصحيحة عليها، وإمّا لإلغاء الخصوصيّة من باب المزارعةالتي تكون الشركة الحقيقيّة موجودة فيها، وهنا يكون بعض المباني الاُخر،فجريان الخرص فيه بطريق أولى، كما لا يخفى.
الثاني: أنّها حيث تكون عقداً، فلابدّ في صحّتها من وقوعها بين الطرفين،هما المالك والحاكم أو المنصوب من قبله لذلك، فلا يجوز للمالك فقط الاستبدادبالخرص والتصرّف بعده كيف شاء، وكذا لا يجوز للطرف الآخر ذلك، بليحتاج إلى تقبّل الطرفين.
- (2) وسائل الشيعة 9: 194 ـ 195، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلاّت ب12.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المزارعة: 163 ـ 164.
(صفحه 199)
الثالث: أنّه يشترط فيه الصيغة، لا صيغة خاصّة، بل كلّ ما يدلّ على ذاكالتقبّل وملك المعاملة.
الرابع: ما استظهره في المتن من أنّ التلف بآفة سماويّة وظلم ظالمـ ولامحالة يكون خارجاً عن اختيار المتقبّل ـ إنّما هو على المتقبّل، إلاّ أنيكونمستغرقاً، أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي، فلا يضمن ما تلف، بليجب ردّ ما بقي إلى الحاكم.
والسرّ فيه: أنّ التخريص أمارة، وحجّيتها إنّما هي مع عدم انكشافالخلاف، فمع الانكشاف لا تكون حجّة.
الخامس: وقت الخرص إنّما هو بعد تعلّق الزكاة؛ ضرورة أنّه لا مجال لهقبله، خصوصاً مع احتمال عدم التعلّق رأساً.
السادس: مقتضى إطلاق المتن جريان التخريص بالإضافة إلى جميعالغلاّت الأربع، خصوصاً مع التشبيه بباب المزارعة، مع أنّ جريانه في النخلوالكرم كأنّه إجماعيّ على ما قيل(1).
وفي الزرع محلّ خلاف وإن كان المشهور هو الجواز(2)، إلاّ أنّه يمكن أن يقال
- (1) الخلاف 2: 60 ـ 61 مسألة 73، المعتبر 2: 535 و 537، مصابيح الظلام 10: 323، 331 و 332، مفتاحالكرامة 11: 355، جواهر الكلام 15: 429 ـ 430، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 23: 392، وفي مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 416، ومستمسك العروة الوثقى 9: 187بلا خلاف.
- (2) حكاه في مفتاح الكرامة 11: 356 عن التخليص للسيّد محمّد بن عميد الدِّين، ولم نعثر على الكتاب،المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 393، وادّعى الإجماع في الخلاف 1: 60مسألة73، وهو خيرة جماعة، منهم: العلاّمة في تلخيص المرام في معرفة الأحكام: 43، والمحقّق الثانيفي جامع المقاصد 3: 24.
(صفحه200)
ـ على تقدير إمكان التخريص في الزرع بعد مجرّد انعقاد الحبّ، الذي عرفت(1)أنّه زمان تعلّق وجوب الزكاة ـ إنّ حجّية الأمارة في مورد لابدّ من أن يكونمستندة إلى دليل قطعيّ، إمّا بنفسه، أو لأجل قيام الدليل القطعي على اعتباره،وإلاّ فالشكّ في الحجّية مساوق للعدم، كما بيّن في الاُصول(2).
اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ ورود النصوص والروايات في المزارعة ممّا لا إشكالفيه، كما أنّ كون الحنطة والشعير هما القدر المسلّم من مورد المزارعة لا إشكالفيه كذلك.
فبالغاء الخصوصيّة عن تلك الروايات ـ خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا منثبوت الشركة الحقيقيّة في المزارعة، واختلاف المباني هنا من كون الزكاة هلعلى نحو تلك الشركة، أو الكلّي في المعيّن كما اختاره في العروة(3)، أو الشركة فيالماليّة كما هو مختار الشرح؟(4) ـ يعلم قطعاً ثبوت الحجّية في المقام، ولعلّ هذهو منشأ إطلاق المتن وذهاب المشهور إلى الجواز كما عرفت، فتأمّل.
- (2) كفاية الاُصول: 322 ـ 323، فوائد الاُصول 3: 119 ـ 120، و 126 ـ 132، سيرى كامل در اُصول فقه10: 187 ـ 215.
- (3) العروة الوثقى 2: 113 مسألة2688.
- (4) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 384 ـ 390.
(صفحه 201)
المطلب الثاني
إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السّلطان من عين الحاصل بعنوانالمقاسمة، وما يأخذه نقداً باسم الخراج ـ أيضاً على الأصحّ ـ إذا كان مضروباً علىالأرض باعتبار الجنس الزكوي، ولو كان باعتبار الأعمّ منه فبحسابه.
ولو أخذ العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً، فإن أخذوا من نفس الغلّة قهرفالظلم وارد على الكلّ، ولا يضمن المالك حصّة الفقراء، ويكون بحكم الخراج فيأنّ اعتبار الزكاة بعد إخراجه بالنسبة، وإن أخذوا من غيرها، فالأحوط عدمالاحتساب على الفقراء، خصوصاً إذا كان الظلم شخصيّاً، بل عدم جوازه حينئذٍلايخلو من قوّة، وإنّما يعتبر إخراج ما يأخذه بالنسبة إلى اعتبار الزكاة، فيخرج منالوسط، ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي.
وأمّا بالنسبة إلى اعتبار النصاب، فإن كان ما ضُرب على الأرض بعنوانالمقاسمة، فلا إشكال في أنّ اعتباره بعده؛ بمعنى أنّه يلاحظ بلوغ النصاب فيحصّته، لا في المجموع منها ومن حصّة السّلطان، ولو كان بغير عنوان المقاسمة ففيهإشكال، والأحوط لو لم يكن الأقوى اعتباره قبله1.
1ـ يقع الكلام فيه في اُمور:
الأوّل: لا إشكال كما أنّه لا خلاف(1) في أنّ ما يأخذه السّلطان من عين
- (1) الحدائق الناضرة 12: 123، رياض المسائل 5: 111، جواهر الكلام 15: 379، كتاب الزكاة (تراث الشيخالأعظم): 216 مسألة24، مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 360، مستمسك العروة الوثقى 9: 151،المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 342.