(صفحه 211)
النصاب مثلاً.
هذا، مضافاً إلى أنّ التعبير عن هذه الأربعة المتعلّقة للزكاة بالغلاّت الأربعـ كما في الكلمات ـ يدلّ على أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بها بهذا العنوان الذي لايتحقّقإلاّ بعد استثناء المؤونة وكسرها، وإلى أنّ جعل الخمس لنبي هاشم عوضاً عنالزكاة المرتبطة بغيرهم يؤيّد اعتبار المؤنة فيها كاعتبارها فيه، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المحقّق الهمداني قدسسره استدلّ للمشهور بما ملخصّة: أنّ مسألة الاستثناءوعدمه من الفروع العامّة البلوى الكثيرة الدوران في جميع الأعصاروالأمصار، فلابدّ من معرفتها والفحص عنها على كلّ من يجب عليه الزكاة،ومنهم أصحاب الأئمّـة عليهمالسلام لامتناع الغفلة عنها عادة بعد ما عرفت من شدّةالابتلاء، وحينئذٍ فإمّا أن يكونوا قائلين بالاستثناء أو بالعدم.
فعلى الأوّل: لم يكن ذلك إلاّ لوصوله إليهم من الإمام عليهالسلام ؛ لقضاء العادةبامتناع قيام السيرة في مثل هذا الحكم عن اجتهاد ورأي بمرئى منه ومسمعمن غير مراجعته عليهالسلام .
وعلى الثاني: فهو من غرائب التاريخ، بل غير قابل للتصديق؛ إذ كيفيمكن الشهرة في العصور المتأخّرة على خلاف السيرة الجارية في عصرالإمام عليهالسلام ؟! فيصحّ أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام عليهالسلام بطريقالحدس من رأي أتباعه المطابق لما عليه المشهور، بل ذكر أنّه لو جازاستكشاف رأي المعصوم عليهالسلام من فتوى الأصحاب في شيء من الموارد، فهذمن أظهر مصاديقه(1).
- (1) مصباح الفقيه (كتاب الزكاة) 13: 382 ـ 383.
(صفحه212)
واُورد عليه بأنّ المتصدّي لأمر الزكاة في عصرهم عليهمالسلام كان هو حكّامالجور، والعمّال المنصوبون من قبلهم، القائمون بجباية الزكوات، والمشهور بينفقهاء العامّة، ـ بل المتسالم عليه لديهم ما عدا عطاء ـ هو عدم الاستثناء(1)،فكانت السيرة العمليّة الجارية عليها عامّة الناس هو ذلك، ولأجله لميتيسّرللإمام عليهالسلام إبراز ما عنده نفياً أو إثباتاً، فبطبيعة الحال كان الحكم الواقعيمخفيّاً، أو لا أقلّ من أنّه لم يمكن بتلك المثابة من الظهور، ولا غرابة في ذلك؛فإنّ استثناء حصّة السّلطان المتسالم عليها الآن كان خفيّاً في ذلك العصر علىمثل محمّد بن مسلم مع جلالته وعلوّ شأنه بحيث تصدّى للسؤال عنه(2).
أقول: يمكن أن يقال بأنّ المتصدّي لأمر الزكاة في عصر الأئمّـة عليهمالسلام وإنكانهو حكّام الجور والعمّال من قبلهم، والمشهور بين فقائهم وإن كان ما ذكر،بحيث صارت موجبة لجريان السيرة العمليّة، العامّة بين الناس، إلاّ أنّه إن كانما عند الإمام عليهالسلام موافقاً لهم، فلم لم يصدر منهم ولو في مورد واحد ما يدلّعلى الموافقة؟ خصوصاً مع شدّة الابتلاء واهتمام الحكّام المزبور والعمّال بهذالأمر المادّي غير اليسير نوعاً، مع كثرة اهتمامهم بالاُمور الماليّة وكثرتها.
فمن ذلك يعلم أنّه لم يكن يتيسّر للإمام عليهالسلام إبراز ما عنده من النفي، واختفيذلك بحسب الروايات، وإلاّ فكيف يمكن ثبوت الشهرة في العصور المتأخّرةعلى خلاف السيرة الجارية في عصر الإمام عليهالسلام ؟ فمن ذلك يعلم صدق ما أفاده
- (1) الخلاف 2: 67 مسألة78، تذكرة الفقهاء 5: 154، المجموع 5: 428، المغني لابن قدامة 2: 572، مغنيالمحتاج 1: 386.
- (2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 354 ـ 355.
(صفحه 213)
المحقّق المزبور قدسسره ، وأنّ ما استدلّ به بنفع المشهور صحيح.
الدعوى الثانية: أنّ المؤن المذكورة وإن كانت مستثناة كما عرفت، لكنمقتضى الاحتياط بل الأقوى اعتبار النصاب قبل إخراجها، فإذا بلغ النصابتعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، ولكن تخرج المؤن من الكلّ، ثمّ تخرجالزكاة من الباقي قلّ أو كثر، ولو استوعبت المؤنة تمام الحاصل، فلا زكاة أصلاً؛والوجه في هذه الدعوى ظهور أدلّة النصاب في أنّه ملحوظ.
ففي صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم المتقدّمة(1) التصريح بثبوت الزكاةفيما يحصل بيده بعد إخراج المقاسمة التي يأخذها السّلطان، وهكذا ظاهرغيرها، ولا غرو في التفصيل بين المقاسمة والخراج، وبين المؤونة المصروفة فيتحصيل الغلّة في كون اعتبار النصاب في الأوّل بعدهما وفي الثاني قبله،خصوصاً مع ملاحظة ما عرفت من صعوبة إقامة الدليل على الثاني، وكونهلبيّاً يقتصر فيه على المقدار المتيقّن، بخلاف الأوّل.
ثمّ إنّ المراد بالمؤونة ما أفاده في المتن، غاية الأمر أنّه ينبغي توضيح بعضموارده:
مثل ما يصرفه مالك البستان ممّا يعدّ من مؤونة تعمير البستان واحتياجهفي حفظه وبقائه إليه، لا من مؤونة ثمرته، إلاّ إذا كان صرفه من المشتريللثمرة أو نحوه لأجل الثمر الذي اشتراه أو ملكه بالإجارة؛ فإنّه يرتبط حينئذٍبعنوان الثمرة ويكون من المؤونة المستثناة.
ومثل اُجرة الأرض؛ ولو كانت الأرض مغصوبة ولم يرد الغاصب إعطاءما عليه من الاُجرة؛ فإنّ ثبوت الاُجرة في ذمّته يكفي في الاستثناء وإن كان
(صفحه214)
الزرع مملوكاً له في هذه الصورة أيضاً.
ومثل ما إذا كان العامل هو المالك أو المتبرّع بالعمل؛ فإنّه لا يجوز لهاحتساب اُجرته حينئذٍ، ولو كان غيرهما يجوز ذلك، والوجه واضح.
ومثل اُجرة الأرض والعوامل؛ فإنّهما إن كانا مملوكين له، فلا تعدّ من المؤن.وإن كان اشتراهما للزرع والسقي، فقد وقع التفصيل فيه بين ما يبقى عينها بعداستيفاء الحاصل، فاحتاط عدم الاحتساب، نعم، لو حصل فيهما نقصان منحيث القيمة، ففي احتساب النقصان وجه وجيه؛ للارتباط بهذه الثمرة والزرع،لكن مقتضى الاحتياط الخلاف، كما هو ظاهر.
(صفحه 215)
مسألة 3: الظاهر أنّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله؛ سواء كان من مالهأو اشتراه، فلو كان بعضه من ماله الغير المزكّى، فالظاهر صيرورة الفقراء شريكاً معالزارع بمقدار حصّتهم، وتحسب البقيّة من المؤونة1.
1ـ قد استظهر في هذه المسألة أنّه يلاحظ في البذر ـ الذي عرفت أنّه منالمؤونة المستثناة ـ قيمته يوم الزرع لا مثله، مع إمكان اختلاف القيمة جدّاً؛سواء كان من ماله الشخصي، أو اشتراه من الغير؛ وذلك لأنّها هي التي ينطبقعليها عنوان المؤونة المصروفة في هذه الزراعة.
ولو كان بعض البذر من ماله غير المزكّى، فقد استظهر فيه صيرورة الفقراءشريكاً مع الزارع بمقدرا حصّتهم. وعليه: فالبقيّة بعد الشركة تحسب منالمؤونة، وتجري عليها أحكامها، وهو يدلّ على كون المبنى هي الشركةالحقيقيّة، وسيأتي(1) هذا البحث إن شاء اللّه.