(صفحه26)
المراد به الثبوت لا الوجوب الاصطلاحي الذي لابدّ وأن يكون متعلّقاً بفعلالمكلّف، فلا محالة يكون المراد من الوجوب هو الثبوت، كما في قوله ـ تعالى ـ :«فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَ أَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» كناية عن ذبحالهدي من الغنم أو الإبل، الموجب لثبوت جنوبها على الأرض، فتدبّر.
ودعوى عدم الفصل بين الغلاّت والمواشي كماترى، ولو أبيت إلاّ عنالظهور في ثبوت الوجوب، فهنا صحيحة اُخرى صريحة، أو موثّقة تدلّ علىنفي الوجوب في الغلاّت؛ وهي:
ما رواه أبو بصير، عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه سمعه يقول: ليس في مال اليتيمزكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّةزكاة(1).
وممّا ذكرنا ظهر وجه تفصيل المتن بثبوت الاستحباب في الغلاّت دونالمواشي؛ لعدم الدليل عليه فيها، كما لا يخفى، ولا ملازمة بين الأمرين.
ثانيهما: ظرف زمان اعتبار البلوغ، والمذكور في المتن أنّ «المعتبر البلوغأوّل الحول فيما اعتبر فيه الحول، وفي غيره قبل وقت التعلّق».
أقول: أمّا كفاية البلوغ قبل وقت التعلّق، فهي ممّا لا إشكال فيه؛ لأنّه وقتتعلّق الوجوب والتكليف، فيكفي البلوغ قبله. وأمّا البلوغ في جميع الحولفيما اعتبر فيه الحول، فمستنده رواية صحيحة منقولة في باب واحد من الوسائلبكيفيّتين:
- (1) تهذيب الأحكام 4: 29 ح73، الاستبصار 2: 31 ح91، وعنهما وسائل الشيعة 9: 86 ، كتاب الزكاة، أبوابمن تجب عليه الزكاة ب1 ح11.
(صفحه 27)
إحداهما: رواية أبي بصير المتقدّمة، عن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه سمعه يقول:ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاّته من نخلأو زرع أو غلّة زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليهلما يستقبل حتّى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، وكان عليه مثلما على غيره من الناس.
وقد نقلها بهذه الصورة عن الشيخ ثمّ قال: حمله الشيخ على نفي الوجوب فيالجميع؛ فإنّ الوجوب مخصوص بالغلاّت الأربع.
ثانيتهما: بنفس السند عن الكليني، عن أبي بصير قال: سمعتأباعبداللّه عليهالسلام يقول: ليس على مال اليتيم زكاة، وإن بلغ اليتيم فليس عليهلمامضى زكاة، ولا عليه فيما بقي حتّى يدرك، فإذا أدرك فإنّما عليه زكاة واحدة،ثمّ كان عليه مثل ما على غيره من الناس(1).
وجعلها في الوسائل هي الرواية الثالثة من ذلك الباب مشعراً بأنّهمروايتان، مع أنّه من الواضح ـ خصوصاً على ما تقدّم منّا مكرّراً ـ : عدم التعدّدبوجه.
ثمّ إنّه استشكل في المصباح بعد إيراد الرواية بالكيفيّة الاُولى في الاستدلالبها لما هو المشهور(2) ـ من أنّ ابتداء الحول بعد البلوغ ـ بما حاصله: أنّ صدرهذه الرواية كغيره من الروايات التي اعترفنا بظهورها في المدّعى.
وأمّا ذيلها الذي هو محلّ الاستشهاد ـ وهو قوله عليهالسلام : «وإن بلغ اليتيم» إلخ
- (1) الكافي 3: 541 ح4، وعنه وسائل الشيعة 9: 84 ، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب1 ح3.
- (2) راجع الحدائق الناضرة 12: 20، ومفتاح الكرامة 11: 21، وجواهر الكلام 15: 26.
(صفحه28)
فهو لا يخلو من إجمال؛ فإنّ من المحتمل، بل المظنون كونه تفريعاً علىخصوص الفقرة السابقة عليه، النافية للزكاة على جميع غلاّته، فتكون كلمةالموصول في «ما مضى» و«ما يستقبل» كناية عن نفس الغلاّت، ويكون المرادبالإدراك بلوغها حدّ الكمال الذي يتعلّق بها الزكاة، فالرواية على هذا أجنبيّةعن المدّعى.
وعلى تقدير أن يكون الموصول كنايةً عن الزمان الماضي والمستقبل،ويكون المراد بهذا الكلام أنّه ليس عليه في شيء من ماله وغلاّته لما مضىومايستقبل زكاة حتّى يدرك، فيحتمل أن يكون المراد بالإدراك بلوغه أوانتعلّق الحقّ بماله، وهو في النقدين حلول الحول، وفي الغلاّت ما ستعرفه،فيكون حينئذٍ شاهداً للمدّعى.
ويحتمل أن يكون المراد به بلوغه حدّ الرشد الذي يرتفع به الحجر عنماله، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بالموصول الزمان المستقبل في إيجاب الزكاةلولا الصغر، لا مطلق الزمان الماضي، ولذا يقبح أن يقال: ليس عليه لليومالماضي أو للشهر الماضي زكاة، فالمراد هو الحول الذي يكون سبباً في إيجابالزكاة لولا المانع، فلا ينافي حينئذٍ إدراك حؤول(1) الحول في المستقبل، وكونمبدء الحول فيما مضى، فتكون الرواية حينئذٍ على عكس المطلوب أدلّ(2).
وقد ذكر بعض الأعلام قدسسره في شرح العروة في مقام الردّ على المحقّقالسبزواري(3)، القائل بعدم دلالة الرواية إلاّ على كون وجوب الزكاة
- (1) حؤول و حول، مصدران لـ «حال».
- (2) مصباح الفقيه 13 (كتاب الزكاة): 14 ـ 15.
- (3) ذخيرة المعاد: 421 س21 وما بعدها.
(صفحه 29)
فيما يشترط فيه الحول، حلول الحول في حال وجوب الزكاة وإن كان بعضالحول قبل البلوغ ما ملخّصه:
أنّ الصحيح ما عليه المشهور من احتساب مبدء الحول من زمان البلوغ؛لأنّ المستفاد ممّا دلّ على اعتبار الحول: أنّ موضوع الزكاة لم يكن مجرّدالملكيّة، بل الملكيّة المقيّدة بكونها حولاً واحداً، فالموضوع إنّما هو المالك فيمجموع السنة، فالملفّق مشمول لقوله عليهالسلام : «ليس في مال اليتيم زكاة»؛ فإنّمفاده إلغاء مال اليتيم وإسقاطه عن الموضوعيّة للزكاة.
ومن البيّن أنّ نفي الموضوعيّة كما يكون بنفي تمام الموضوع، كذلك يكونبنفي بعضه وجزئه، فتنفى صلاحيّة مال اليتيم للموضوعيّة الناقصة، ـ كالتامّة بمقتضى الإطلاق، وأنّ هذه الملكيّة بالإضافة إلى وجوب الزكاة ملغاة، فكملا أثر في اعتبار الشارع لملكيّته في تمام السنة، فكذا لا أثر لملكيّته في بعضها،فكونه مال اليتيم في بعض العام يخرجه عن صلاحيّة الانضمام مع الستّةالأخيرة؛ إذ الموضوع للزكاة أن يكون المال عند ربّه سنة واحدة، وبعد التقييدبغير اليتيم ينتج أنّ الموضوع هو مال البالغ، فكونه مال اليتيم في تمام العامأو في بعضه يخرجه عن موضوع الزكاة، بعد أن كانت الإضافة إلى اليتيم فيحكم العدم، فلا قصور في دلالة النصّ على ما فهمه المشهور(1).
وهذا الذي أفاده وإن كان صحيحاً في نفسه، إلاّ أنّه لا يرتبط بمعنىالصحيحة ومفادها، خصوصاً ملاحظة الصورتين بعد البلوغ من حيث
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 12 ـ 13.
(صفحه30)
الإدراك وعدمه، بل هو مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّه لا زكاة في مالاليتيم، واعتبار الحول فيما اعتبر فيه الحول، كالنقدين مثلاً، فما أفاده غيرمرتبط بهذه الرواية؛ لثبوت الدليل بالإضافة إلى كلا الأمرين مع قطع النظرعن هذه الرواية أيضاً، كما لا يخفى.
وهنا احتمال آخر ذكره بعض الشارحين للعروة؛ وهو أن تكون كلمة «إن»في قوله عليهالسلام : «وإن بلغ اليتيم» وصليّة، فتكون الجملة مرتبطة بما قبلها، وتكون«الفاء» في قوله عليهالسلام : «فليس عليه» إلخ تفريعيّة لا جزائيّة، والمقصود تكرارهببيان أوفى، فيكون المعنى: فليس على اليتيم لما مضى من سنة ومايستقبل زكاةحتّى يدرك البلوغ الشرعيّ، فإذا بلغ كانت عليه زكاة واحدة.
ويؤيّده قوله عليهالسلام : «وكان عليه مثل ما على غيره من الناس»، فيكون عطفتفسيريّاً، ويكون المقصود دفع توهّم أنّه عند اليتم وإن لم يكن عليه شيء،ولكن بعد اليُتم يؤدّي زكاة السنوات السابقة(1).
ويرد عليه: أنّه كيف الجمع بين البلوغ وصورتي الإدراك وعدمه؟كما هو ظاهر الرواية، فتدبّر.
والإنصاف أنّ الرواية في كمال الاضطراب، ولا يمكن الاستدلال بها علىشيء، خصوصاً مع ما عرفت من الاختلاف في نقلها.
- (1) كتاب الزكاة للشيخ حسين علي المنتظري 1: 35.