(صفحه330)
ولو اُغمض النظر عن سندها، وقلنا بإباء حملها على الاستحباب؛ للتعبيربكلمة «على»، خصوصاً في مقام الجواب عن السؤال فيها، الظاهر فيالوجوب، فلا محالة على فرض التعارض لابدّ من ترجيح الروايات المتقدّمة؛نظراً إلى موافقتها للشهرة الفتوائيّة، بل المجمع عليه كما عرفت.
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليهالسلام : الفقير الذي يتصدّق عليه هلعليه صدقة الفطرة؟ فقال: نعم، يعطي ممّا يتصدّق به عليه(1).
وحملها على الاستحباب ـ كما عن الشيخ في كتابيه في الأخبار ـ أهون منالرواية الاُولى، كما لا يخفى.
وعلى تقدير العدم، فالجواب ما ذكر من الترجيح.
ثمّ إنّ السيّد في العروة بعد تفسير الفقير في المقام بمن لا يملك ذلك ـ أيقوت السنة ـ قال: وإن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنةوإنكان عليه دين؛ بمعنى أنّ الدين لا يمنع من وجوب الإخراج، ويكفي ملكقوت السنة(2). ولكن جعل الاحتياط في المتن باعتبار الدين الحالّ في هذهالسنة لا غير.
ولا يبعد أن يقال بأنّ الملاك هو أداء الدين الحالّ في هذه السنة لا نفسالدين، وإن لم يكن له البناء على أدائه أصلاً، مثل ما يقال في مسألة الخمسالذي تكون المؤونة مستثناة منه: أنّ أداء الدين من المؤونة لا نفس الدين.
وذكر في المتن أنّ الأحوط الأولى لمن زاد على مؤونة يومه وليلته صاعٌ
- (1) الكافي 4: 172 ح11، تهذيب الأحكام 4: 74 ح208، الاستبصار 2: 41 ح132، المقنعة: 248، وعنهوسائل الشيعة 9: 324، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب3 ح2.
- (2) العروة الوثقى 2: 160 (الأمر الرابع).
(صفحه 331)
إخراجها، بل يستحبّ للفقير مطلقاً ـ ولو مع عدم زيادة الصاع المزبور الإدارة بالنحو المذكور فيه مع اشتراط أن لا يكون بينهم، وإلاّ فمقتضىالاحتياط اللازم أن يقتصر في الإدارة بينهم على خصوص غير القاصرينالمكلّفين، فلو أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها فيه ولا يردّها إلى غيره، كماهوظاهر.
(صفحه332)
مسألة 2: يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد؛ أي قبيلهولو بلحظة؛ بأن كان واجداً لها فأدرك الغروب، فلا يكفي وجودها قبله إذا زالعنده، ولا بعده لو لم يكن عنده، فتجب على من بلغ مثلاً عنده أو زال جنونه،ولا تجب على من بلغ بعده أو زال جنونه. نعم، يُستححبّ أداؤها إذا كان ذلك قبلالزوال من يوم العيد1.
1ـ المعتبر وجود الشرائط المذكورة في المسألة السّابقة عند دخول ليلةالعيد؛ أي قبله ولو بلحظة فقط؛ بأن كان مدركاً للغروب وهو واجد لجميعالشرائط؛ والدليل عليه ـ مضافاً إلى الشهرة(1)، بل الاجماع المدّعي في محكيّالجواهر(2) ـ بعض الروايات الواردة في بعض مصاديق المسألة، مثل:
رواية معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام في المولود يولد ليلة الفطر،واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر، قال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلعلى من أدرك الشهر(3).
والعجب أنّ صاحب الوسائل قد حكى في باب واحد روايتين لمعاوية بنعمّار بتوهّم التعدّد، وقد تبعه بعض الأعلام في الشرح(4)، مع وضوح الوحدة
- (1) كفاية الفقه، المشهور بـ «كفاية الأحكام» 1: 200، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 24: 387.
- (2) جواهر الكلام 16: 197، وكذا في مدارك الأحكام 5: 320، ومفاتيح الشرائع 1: 216 مفتاح244، ورياضالمسائل 5: 209، ومستند الشيعة 9: 385، وفي الحدائق الناضرة 12: 277، الظاهر أنّه لا خلاف فيه، وهوخيرة المبسوط 1: 240، وقواعد الأحكام 1: 357، ومصابيح الظلام 1: 577، وكتاب الزكاة (تراث الشيخالأعظم): 414، والعروة الوثقى 2: 161 مسألة2835.
- (3) الفقيه 2: 216 ح500، وعنه وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب11 ح1.
- (4) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 387 ـ 389.
(صفحه333)
وعدم التعدّد فيهما، ولا تقدح المناقشة في سند هذه الرواية، بعد الحكم بصحّةالرواية الثانية التي هي عبارة عمّا رواه معاوية بن عمّار، قال:
سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: لا،قد خرج الشهر. وسألته عن يهوديّ أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا(1).
وعمدة المناقشة ترجع إلى الدلالة من جهة ما ربما يقال: إنّ مفادهلاينطبق على المشهور؛ إذ قد جعل الاعتبار فيها بإدراك الشهر، ومعنى ذلكاستجماع الشرائط ولو آناًما في جزء من الشهر مستمّرة إلى أن يهلّ الهلال كييتحقّق بذلك الإدراك، فلو لم يجتمع كذلك لم ينفع وإن تحقّقت مقارناً للغروبوفي أوّل جزء منه؛ لعدم صدق إدراك الشهر عندئذ كما عرفت، مع أنّ المشهوريجعلون اعتبار الشرائط مقارناً للغروب، ولا يعتبرون تحقّقها في الشهر.
أقول: عبارة المتن ـ التابعة للمشهور ـ ظاهراً جعل الاعتبار به قبيل ليلةالعيد ولو بلحظة؛ بأن كان واجداً للشرائط فأدرك الغروب، وهذا يصدق عليهأنّه أدرك الشهر؛ أي شهر رمضان. والمفروض في الرواية ولادة المولود ليلةالفطر، الصادقة على مولود ولد قبل الفجر من ليلة العيد، إلاّ أنيقال: إنّ الروايةالثانية لا دلالة لها على حكم المقام، والرواية الاُولى المشتملة على الضابطة فيالوجوب غير خالية عن المناقشة في السند، كماعرفت.
اللّهم إلاّ أن يقال بانجبار الضعف على تقديره بموافقة الشهرة، ولا يبعدالالتزام به بضميمة ما ذكر من عدم توقّف إدراك شهر رمضان على درك جميع
- (1) تهذيب الأحكام 4: 72 ح197، وص331 ح1037، الكافي 4: 172 ح12، وعنهما وسائل الشيعة 9: 352،كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب11 ح2.
(صفحه334)
لحظاته، بل يصدق ذلك بالدرك ولو بلحظة قبل الغروب، فيصحّ حينئذٍالاستدلال بالرواية، مع أنّ فيها إشكالاً من جهة الاشتمال على اليهودي،أو عليه وعلى النصراني؛ نظراً إلى عدم كون الإسلام معدوداً من الشرائطالمعتبرة في المسألة السّابقة، وقد تقرّر في محلّه من البحث في القواعد الفقهيّة(1)أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلّفون بالاُصول. وعليه: فيمكنأن يكون عدم وجوب الفطرة عليهما لقاعدة الجبّ، وأنّ الإسلام يجبّما قبله(2)، لا لعدم إدراك الشهر، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لو صار الفاقد للشرائط كلاًّ أو بعضاً في الوقت المزبور واجداً للجميعبعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد يستحبّ إخراج الفطرة حينئذٍ؛لما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهالسلام قال:
سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال: تصدّق عنجميع من تعول من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة(3).والظاهر أنّ المراد هي صلاة العيد.
وفي مرسلة الشيخ قال: وقد روي أنّه إن ولد له قبل الزوال تخرج عنهالفطرة، وكذلك من أسلم قبل الزوال(4).
وحيث إنّ المراد هو الاستحباب؛ لما عرفت من اشتراط الوجوب بإدراكالشهر ولو لحظة منه، فالبحث في السنّد غير لازم، والإرسال غير قادح.
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدسسره 1: 323 ـ 341.
- (2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف قدسسره 1:265 ـ 286.
- (3) الفقيه 2: 118 ح511، وعنه وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب5 ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 4: 72 ح198، وعنه وسائل الشيعة 9: 353، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة ب11 ح3.