(صفحه356)
الوجوب، ومن الممكن أن يكون الوقت طلوع الفجر مشروطاً بإدراكالشهر ـ بعيد عن المتفاهم العرفي جدّاً.
وأمّا صاحب المدارك، فقد استدلّ لمختاره بصحيحة العيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليهالسلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر، قلت:فإن بقي منه شيء بعد الصلاة؟ قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقىفنقسّمه(1).
واُورد على هذا الاستدلال بوجهين:
أحدهما: أنّ السؤال عن الفطرة بنفسها وأنّها متى هي؟ ظاهر في عطائهوأدائها لا وجوبها، فهي ظاهرة في السؤال عن وقت الإخراج، لا عن زمانالوجوب الذي هو محلّ الكلام.
ثانيهما: أنّه لا دلالة لها على مدّعاه، بل مفادها أنّ مبدأه طلوع الشمسالذي هو أوّل اليوم، كما في سائر إطلاقات اليوم، مثل: يوم المزدلفة(2).
والإنصاف تماميّة الإيراد عليه بالوجه الأوّل، وأمّا الوجه الثاني، فلامجالللإيراد عليه به؛ لعدم دلالة الرواية على أنّ المبدأ اليوم.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا تماميّة الاستدلال للمشهور برواية معاويةابن عمّار، وأنّ صحيحة العيص متعرّضة لوقت الأداء والإخراج، ولأجلها نهىالماتن عن ترك الاحتياط بالأداء قبل الصلاة لمن كان يصلّي صلاة العيد.
وإن خرج وقتها، فتارة: قد عزلها كما في عزل زكاة المال، فالواجب إعطاء
- (1) تهذيب الأحكام 4: 75 ح212، الاستبصار 2: 44 ح141، وعنهما وسائل الشيعة 9: 355، كتاب الزكاة،أبواب زكاة الفطرة ب12 ح5.
- (2) المورد هو السيّد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 24: 462.
(صفحه 357)
المعزول إلى المستحقّ للتعيّن فيه، واُخرى: لم يتحقّق منه عزل، فمقتضىالاحتياط اللازم عدم السقوط وإعطاؤها ناوياً بها القربة، من دون نيّة الأداءوالقضاء.
وما ذكرناه(1) في زكاة الأموال تبعاً لبعض الأعلام قدسسره (2)؛ من حصولالشركة في الماليّة، غير قابل لفرضه هنا؛ لعدم ثبوت مال تعلّق به الزكاة، غايةالأمر أنّه مع خروج الوقت وعدم تحقّق العزل، لا دليل على السقوط وإن كانتكليفاً محضاً، خصوصاً مع أنّ المبدأ وإن كان مورداً للبحث كما تقدّم، إلاّ أنّهلميقع التعرّض للمنتهى بوجه، ولأجله ذكر في المتن عدم التعرّض للأداءوالقضاء.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 387 ـ 390.
(صفحه358)
مسألة 1: لا يجوز تقديمها على شهر رمضان، بل مطلقاً على الأحوط. نعم،لابأس بإعطاء الفقير قرضاً ثمّ احتسابه عليه فطرة عند مجيء وقتها1.
1ـ عدم جواز تقديم زكاة الفطرة على شهر رمضان، بل مطلقعلى الأحوط الوجوبي؛ لما عرفت(1) من أنّ مبدأ وقت الوجوب ـ كما يستفادمن الرواية، وعليه المشهور ـ هو إدراك شهر رمضان ولو لحظة منه قبلدخول ليلة العيد، فإعطاؤها قبله إنّما هي كالصلاة قبل حلول وقتها.
نعم، لا بأس بإعطاء الفقير قرضاً ولو قبل شهر رمضان، ثمّ احتسابه عليهفطرة عند مجيء وقتها، وقد تقدّم مثله في ما سبق بالإضافة إلى زكاة المال،والأداء قبل تعلّق الوجوب، فراجع(2).
(صفحه359)
مسألة 2: يجوز عزل الفطرة وتعيينها في مال مخصوص من الأجناس، أو عزلقيمتها من الأثمان، والأحوط بل الأوجه الاقتصار في عزل القيمة على الأثمان،ولو عزلأقلّ ممّاتجب عليهاختصّ الحكم به وبقي الباقي غير معزول. ولو عزلها فيالأزيد، ففيانعزالهابذلك ـ حتّى يكونالمعزولمشتركاًبينه وبين الزكاة ـ إشكال.
نعم، لو عيّنها في مال مشترك بينه وبين غيره مشاعاً، فالأظهر انعزالها بذلك إذكانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها. ولو خرج الوقت وقد عزلها في الوقت جاز تأخيردفعها إلى المستحقّ، خصوصاً مع ملاحظة بعض المرجّحات؛ وإن كان يضمنها معالتمكّن ووجود المستحقّ لو تلفت. بخلافه فيما إذا لم يتمكّن؛ فإنّه لايضمن إلاّ معالتعدّي والتفريط في حفظه كسائر الأمانات1.
1ـ في هذه المسألة فروع في باب العزل:
الأوّل: جواز عزل من تجب عليه زكاة الفطرة وتعيينها في مال مخصوصمن الأجناس، وقد عرفت(1) أنّ العزل مطلقاً وإن كان على خلاف القاعدةـ وهنا تكون المخالفة أشدّ؛ لعدم وجود جنس زكويّ كما هناك ـ إلاّ أنّه قد دلّتالأخبار الكثيرة(2) على جوازها، فيجوز عزل زكاة الفطرة في صبرة مخصوصةمن الحنطة مثلاً، وهذا لا إشكال فيه.
الثاني: عزل قيمتها، فإن كان من الأثمان فلا شبهة فيه، كما ربما يتداول فيهذا الزمان، وإن كان من غير الأثمان كالثوب مثلاً، فجعل الأحوط بل الأوجهالاقتصار في عزل القيمة على الأثمان؛ لأنّها معدودة مكانها من دون واسطة،مع أنّ تبديل الأثمان بما يحتاج الناس إليه في الموادّ الغذائيّة من الاُمور السهلة
(صفحه360)
جدّاً، بخلاف تبديل مثل الثوب.
الثالث: لو عزل أقلّ ممّا تجب عليه اختصّ الحكم به، ولكن يبقى الباقي غيرمعزول، كصورة عدم العزل رأساً.
الرابع: لو عزل زكاة الفطرة في الأزيد ممّا تجب عليه، فقد استشكل فيتحقّق الانعزال بذلك حتّى يكون المعزول مشتركاً بينه وبين الزكاة، ولعلّ الوجهفي الاستشكال ما عرفت من أنّ أصل العزل على خلاف القاعدة، ولكن ينبغيالتقييد بما إذا لم يكن مراده إعطاء الأزيد وإن كان كذلك، وقد استدرك منهذه الصورة ما لو عيّنها في مال مشترك بينه، وبين غيره مشاعاً، فجعلالأظهر تحقّق الانعزال بذلك إذا كانت زكاة الفطرة بقدر حصّة صاحب الزكاة،أو أقلّ منها، كما عرفت.
الخامس: ما لو خرج الوقت وقد عزلها في الوقت؛ فإنّه يجوز تأخير دفعالمعزول إلى المستحقّ، خصوصاً مع ملاحظة بعض المرجّحات، ككونه أهلالفضل والفقه، ومشتغلاً في الحوزات العلميّة، أو كونه أشدّ فقراً واحتياجاً منغيره، لكنّه كما عرفت سابقاً(1) أنّه لو كان ذلك مع التمكّن ووجود المستحقّفعلاً، فلو لم يدفع إليه وتلفت يكون ضامناً للمثل أو القيمة؛ لأنّه لميكن لهمجوّز للتأخير حينئذٍ، بخلاف ما إذا لم يتمكّن؛ لعدم المستحقّ؛ فإنّه لا يكونضامناً في صورة التلف إلاّ مع التعدّي أو التفريط في الحفظ، كما هو الشأن فيسائر الأمانات.