(صفحه 37)
ماله ـ سنين، ثمّ عاد استحبّ زكاته لسنة واحدة»؛ فإنّ ظاهر الروايتينوجوب الزكاة مشروطاً بمضيّ الحول بعد الظفر به، ومعناه حلول الحول بعدالظفر به ومضيّ الحول منه، كما لا يخفى.
وصحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: لا صدقة على الدينولا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك(1).
وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : الرجليكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما، متى تجب عليه الزكاة؟قال: إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي(2).
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال(3).
ولكن أنت خبير بأنّ مثل هذه الروايات واردة بالإضافة إلى ما لا يتمكّنمن التصرّف الخارجي فيه لأجل المدفونيّة، أو الغيبة أو نحوهما. وأمّا بالنسبةإلى ما لا يتمكّن فيه من التصرّفات الاعتباريّة كالعين المرهونة، فلادلالة فيشيء منها عليه.
نعم، التعبير في بعضها بلزوم حلول الحول عليه في يده لا يُراد باليد فيها إلالاستيلاء، لا الوقوع تحت اليد، كما أنّ في بعضها عدم وجوب الزكاة علىالوديعة التي هي غير لازمة على المودع، بل له الرجوع متى شاء(4).
- (1) تهذيب الأحكام 4: 31 ح78، وعنه وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاةب5 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 4: 34 ح88 ، الاستبصار 2: 28 ح80 ، وعنهما وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبوابمن تجب عليه الزكاة ب6 ح1.
- (3) وسائل الشيعة 9: 93 ـ 100، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب5 و 6.
- (4) وسائل الشيعة 9: 96 و 103، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة ب6 ح1، وب8 ح1.
(صفحه38)
ثمّ إنّ بعض الأعلام قدسسره ـ بعد اعترافه بأنّ هذه الروايات تدلّ بأجمعها علىأنّ المعتبر في تعلّق الزكاة هو الاستيلاء الخارجي على العين الزكويّة بإتلافٍ،أو أكلٍ أو نحوهما؛ من دون أن تدلّ على اعتبار التمكّن من التصرّفاتالشرعيّة الاعتباريّة ـ قال ما ملخّصه:
إنّ بذلك يندفع الإشكال المعروف الراجع إلى أنّه لو اُريد التمكّن من جميعالتصرّفات كذلك، فهذا غير متحقّق في كثير من موارد تعلّق الزكاة،كما لو اشترى مقداراً من الأنعام واشترط البائع أن لا يبيعها أو لا يهبها منزيد مثلاً سنة واحدة؛ فإنّه لا يمنع ذلك من تعلّق الزكاة قطعاً.
وإن اُريد التمكّن من التصرّف ولو في الجملة، فهذا متحقّق في كثير منالموارد، كالمسروق، أو المحجور، أو الغائب؛ لإمكان بيعه أو هبته من السارق،أو من غيره المتمكّن من تسلّمه. ووجه الاندفاع ما مرّ من أنّ هذه الأخبارناظرة إلى التصرّفات الخارجيّة في قبال مثل المال الغائب الذي لا يمكن فيهذلك، ولا دلالة لها على اعتبار التمكّن من التصرّفات الاعتباريّة(1).
ويرد عليه: أنّ اعتبار تمام التمكّن في ثبوت الزكاة إنّما يلاحظ في جانبالإثبات. وأمّا في جانب النفي، فيكفي انتفاء أحد الأمرين. وعليه: فالحكمبثبوت الزكاة في الأمثلة التي ذكرها، كالمسروق، والمحجور، والغائب وأمثالها،يكون المستند في نفيها عدم التمكّن الخارجي؛ وإن كان التمكّن من التصرّفاتالاعتباريّة الشرعيّة متحقّقاً، فاجتماع الإمكانين ملحوظ في جانب الإثبات.
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 36 ـ 37.
(صفحه 39)
وأمّا في جانب النفي، فيكفي انتفاء أحد الأمرين.
أقول: فاللازم إقامة الدليل بالنسبة إلى مثل هذه الموارد من طريق آخر،والظاهر عدم الاشتراك في هذا الطريق، فلابدّ من البحث في كلّ مورد مستقلاًّ،فنقول:
من تلك الموارد الوقف، والمذكور في المتن أنّه «لا زكاة في الوقف وإن كانخاصّاً، ولا في نمائه إذا كان عامّاً وإن انحصر في واحد»، ومفاده عدم ثبوتالزكاة في نفس العين الموقوفة مطلقاً؛ من دون فرق بين الخاصّ والعامّ، وعدمثبوتها في النماء إذا كان الوقف عامّاً؛ من دون فرق بين انحصار الموقوف عليهفي واحد، وبين عدمه.
أمّا عدم ثبوت الزكاة في نفس العين الموقوفة كذلك، فيظهر بعد ملاحظةأمرين:
أحدهما: أنّ معنى الوقف ـ كما يساعده عنوانه ـ هو تحبيس الأصل وتسبيلالمنفعة، فالوقف بمعنى الركود والبقاء على حاله الأوّل مأخوذ في معنى الوقفوحقيقته.
ثانيهما: أنّ الظاهر من مثل قوله ـ تعالى ـ : «خُذْ مِنْ أَمْوَ لِهِمْ صَدَقَةً»(1)هي الأموال المضافة إليهم، ولهم التصرّف فيها بما شاؤوا، ولهم السلطة عليهبنحو الإطلاق.
ومن الظاهر أنّ ملاحظة الأمرين تقتضي الحكم بعدم ثبوت الزكاة في العينالموقوفة مطلقاً وإن كان وقفاً خاصّاً؛ فإنّ الموقوف عليه في هذه الصورةوإن كان هو الشخص أو الأشخاص، إلاّ أنّه حيث لا يمكن له التصرّف في
(صفحه40)
عينه، بل اللاّزم الإبقاء والحفظ، فلا مجال بالنسبة إلى تعلّق الزكاة بها.
وأمّا بالإضافة إلى النماء، فلا مانع من الحكم بثبوت الزكاة فيها بالإضافةإلى الوقف الخاصّ.
وأمّا الوقف العامّ، فالملكيّة بالنسبة إلى النماء ثابتة للجهة لا للأشخاص،وهم يكونون مصرفاً لها؛ فلا وجه للحكم بثبوت الزكاة عليهم ولو انحصروفي واحد، كما لا يخفى.
ومن تلك الموارد العين المرهونة وإن أمكن فكّها، كما عن المشهور(1)،ونسب إلى الشهيد التفصيل بين صورتي التمكّن من فكّ الرهن وعدمه(2)، ولعلّالوجه فيه: أنّ العين المرهونة متعلّقة لحقّ المرتهن؛ فإنّها وثيقة عنده، موضوعةلأجل استيفاء الدَّين منها مع عدم الأداء. وعليه: فالملكيّة لاتكون تامّة،والتمكّن من الفكّ لا دخالة له؛ لما مرّ من بعض روايات الوديعة، وممّا ذكرنظهر حكم باقي الصور، فتدبّر.
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 38، وهو خيرة جامع المقاصد 3: 7،وحاشية شرائع الإسلام، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 241، ومصباح الفقيه 13 (كتابالزكاة): 81 .
- (2) الدروس الشرعيّة 1: 230، وكذا قال به صاحب نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 304، والموجزالحاوي (الرسائل العشر): 126، وفوائد القواعد: 234 ـ 235، ومسالك الأفهام 1: 361، والروضةالبهيّة 2: 13، وجواهر الكلام 15: 92.
(صفحه 41)
سادسها: بلوغ النصاب، وسيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى1.
مسألة 2: لو شكّ في البلوغ حين التعلّق، أو في التعلّق حين البلوغ، لم يجبالإخراج. وكذا الحال في الشكّ في حدوث العقل في زمان التعلّق مع كونه مسبوقبالجنون، ولو كان مسبوقاً بالعقل وشكّ في طروّ الجنون حال التعلّق وجبالإخراج2.
1ـ السادس من الاُمور المعتبرة في وجوب الزكاة وتعلّقها بلوغ النصاب،وسيأتي(1) البحث إن شاء اللّه ـ تعالى ـ في مقداره وخصوصيّاته في الأنواعالمتعلّقة للزكاة، كالأنعام الثلاثة، والغلاّت الأربعة، والدراهم والدنانير، فانتظر.
2ـ قد مرّ أنّ من جملة تلك الاُمور البلوغ(2)، بل هو أوّلها. وعليه: فلو شكّفي البلوغ أوان وقت التعلّق على فرضه، لا يجب الإخراج؛ لجريان استصحابعدم البلوغ في حال التعلّق. وكذا لو شكّ حين البلوغ القطعي في تعلّق الزكاةوعدمه، لايجب الإخراج بعد جريان استصحاب عدم التعلّق في حال البلوغ.
ولو شكّ في حدوث العقل في زمان التعلّق، فإن كان مسبوقاً بالجنون وكانالشكّ في بقائه إلى زمان التعلّق المعلوم، فالجاري هو استصحاب الجنونوبقائه إلى ذلك الحين، وإن كان مسبوقاً بالعقل وشكّ في طروّ الجنون حالالتعلّق، فالجاري هو استصحاب العقل، وعدم طروّ الجنون إلىذلك الحين،وهذا واضح.
- (1) في ص74 ـ 92، 143 ـ 151 و 168 ـ 171.