(صفحه50)
لما عرفت من أنّ ظاهر رواية سدير هو الوجوب لسنة واحدة بعد حصولالمال في يده.
وأمّا الثاني: ـ أي القول بشمول القاعدة للفتوى بالاستحباب ـ فلأنّمورده ما إذا لم يعلم دليل المفتي وإن كان غير معتبر، والدليل هنا معلوم، وهوغير دالّ عليه.
(صفحه 51)
مسألة 8 : لو كان المال الزكويّ مشتركاً بين اثنين أو أزيد، تعتبر الحصصلا المجموع، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب وجبت عليه الزكاة، دون منلم تبلغحصّته النصاب1.
1ـ ضرورة أنّ اعتبار النصاب إنّما هو بالإضافة إلى شخص المالك؛ بداهةأنّه بدونه لا يكون فرق بين صورة الاشتراك وعدمه إذا كان هناك مالكانمستقلاّن غير مرتبطين، فإذا كان المال المتعلّق للزكاة ـ أي المال الزكوي مشتركاً بين اثنين أو أزيد منهما، لابدّ من ملاحظة بلوغ كلّ حصّة النصابوعدمه، لا بلوغ المجموع المشترك، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصابوجبت عليه الزكاة، ومن لم تبلغ لاتجب عليه، ولا وجه للحاظ المجموع،كما لا يخفى.
وليس المقام من قبيل المثال الذي ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره فيرسالة القطع من «كتاب الرسائل» في بحث العلم الإجمالي، وهو واجدي المنيفي الثوب المشترك بين اثنين(1)؛ لأنّه هناك يكون العلم الإجمالي موجودبالإضافة إلى كلا الشخصين، وهنا لا يكون العلم موجوداً؛ لأنّ عدم بلوغحصّة كلّ شريك النصاب يكون معلوماً، والعلم ببلوغ مجموع المال المشتركالذي يكون مشتركاً بين اثنين، لا يكاد يجدي بعد معلوميّة اختصاص بعضهبأحد الشريكين، وعدم بلوغ حصّته النصاب، كما لا يخفى.
- (1) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 1: 78.
(صفحه52)
مسألة 9: لو استطاع الحجّ بالنصاب، فإن تمّ الحول أو تعلّق الوجوب قبل وقتسير القافلة والتمكّن من الذهاب وجبت الزكاة، فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجهوجب الحجّ، وإلاّ فلا، وإن كان تمام الحول بعد زمان سير القافلة، وأمكن صرفالنصاب أو بعضه في الحجّ وجب، فإن صرفه فيه سقط وجوب الزكاة، وإن عصىولم يحجّ وجبت الزكاة بعد تمام الحول، وإن تقارن خروج القافلة مع تمام الحول،أو تعلّق الوجوب وجبت الزكاة دون الحجّ1.
1ـ لو حصلت له الاستطاعة الموجبة للحجّ مع ملاحظة النصاب، ففيالمسألة صور:
الاُولى: تماميّة الحول المعتبر فيما يعتبر فيه الحول، أو تعلّق الوجوب في غيرما يعتبر فيه الحول قبل وقت سير القافلة والتمكّن من الذهاب الذي يكون هوالمعتبر في زماننا هذا؛ ضرورة أنّ سير القافلة كان ملاكاً في الأزمنة السابقة.ففي هذه الصورة يكون الواجب هي الزكاة؛ لتقدّم موجبها والسبب فيوجوبها، فإن أخرج الزكاة وبقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ أيضاً،وإن لم تبق فلا يجب الحجّ.
الثانية: ما إذا كان تمام الحول أو مثله بعد زمان سير القافلة، الذي عرفتأنّه يقوم مقامه التمكّن من الذهاب، فإن أمكن صرف النصاب أو بعضه فيالحجّ يكون هو الواجب لما ذكر. فإن صرف النصاب فيه سقط وجوب الزكاة،وإن عصى بعدم الإتيان بالحجّ بعد وجوبه عليه وجبت الزكاة بعد تماميّةالحول أو مثلها؛ لتقدّم علّة وجوب الزكاة على موجب الحجّ.
نعم، مع تحقّق العصيان بالإضافة إلى الحجّ يكون وجوب الزكاة بحاله؛ لعدمالمانع عنه.
(صفحه53)
الثالثة: ما إذا تقارن الأمران؛ أي خروج القافلة أو ما يقوم مقامه مع تمامالحول أو تعلّق الوجوب، ففي المتن وجبت الزكاة دون الحجّ. وعلّل سيّدالعروة وجوب الزكاة في هذه الصورة ـ دون الحجّ ـ بتعلّق الزكاة بالعين دونالحجّ(1).
واستشكل عليه بعض الأعلام قدسسره في شرح العروة بما يرجع إلى عدممعقوليّة هذه الصورة؛ نظراً إلى أنّه لم ينهض أيّ دليل، ولم ترد رواية على أنّوجوب الحجّ منوط بخروج الرفقة وسير القافلة، كما أنّ ما ذكره جماعةاُخرى(2) من إناطة الوجوب بدخول أشهر الحجّ عارٍ أيضاً عن كلّ شاهد.
والذي نطقت به الآية المباركة(3) ـ المعتضدة بالنصوص المتظافرة(4) ـ تعليقالوجوب على مجرّد الاستطاعة، من غير دخالة لخروج الرفقة ولاحلول تلكالأشهر، فمن حصلت له الاستطاعة المفسّرة في غير واحد من الأخبار(5) بالزادوالراحلة، وتخلية السرب في أيّ زمان كان ـ ولو كان شهر محرّم ـ وجب عليهالحجّ بنحو الواجب التعليقي، فيجب عليه حفظ المال، ولا يجوز صرفهفيما تزول به الاستطاعة.
كما أنّه لو لم يتمكّن من المسير إلاّ في هذا الزمان ـ بحيث لو أخّر الخروجإلى قدوم أشهر الحجّ لم يتهيّأ له السير بعدئذٍ لمانع من الموانع ـ وجب عليه
- (1) العروة الوثقى 2: 90 مسألة2625.
- (2) راجع العروة الوثقى 4: 384 بعض تعليقات مسألة23 (طبع مؤسّسة النشر الإسلامي)، وتشريحالاُصول: 168 ـ 171، وفوائد الاُصول 1: 184 وما بعدها، ومصباح الهدى 11: 366.
- (4) وسائل الشيعة 11: 25 ـ 29، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه ب6.
- (5) وسائل الشيعة 11: 33 ـ 36، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه ب8 .
(صفحه54)
الخروج في هذا الوقت فيما إذا كانت الاستطاعة باقية في تمام المدّة، ولم يلزمالعسر والحرج.
وعليه: فلا يعقل فرض المقارنة بين حلول الحول الموجب لتعلّق الزكاة،وبين الاستطاعة الموجبة للحجّ، بل الثاني مقدّم دائماً؛ لسبق الملكيّة على حلولالحول على ما يملك بالضرورة.
ومنه يعرف عدم إمكان فرض تقديم حلول الحول، فوجوب الحجّ مقدّمعلى وجوب الزكاة في جميع الصور.
نعم، يمكن فرض المقارنة فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت، فلو حصلتالاستطاعة بنفس انعقاد الحبّة أو الاصفرار أو الاحمرار ـ الذي هو بنفسه زمانتعلّق الزكاة ـ فقد تقارن الوجوبان، والواجب حينئذٍ تقديم الزكاة كما ذكره فيالمتن؛ لأنّ الاستطاعة لا تحصل إلاّ بملكه، لا بما هو شريك فيه مع غيره(1)،انتهى.
أقول: لقد أجاد فيما أفاد، بل جاء بما فوق المراد؛ فإنّ ثبوت الوجوبالتعليقي للحجّ بمجرّد حدوث الاستطاعة من أهمّ الأمثلة المذكورة في علمالاُصول(2) للواجب التعليقي في مقابل غيره من الواجب المشروط وغيره،وشبيه الحجّ في هذه الجهة مسألة الصلاة، حيث يكون وجوبها مشروطبدخول الوقت؛ لقوله عليهالسلام :
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(3).
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 114 ـ 115.
- (2) اُصول فقه شيعة 4: 351 ـ 352، دراسات في الاُصول 1: 594 ـ 597.
- (3) الكافي 3: 276 ح5، تهذيب الأحكام 2: 27 ذح78، وعنهما وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبوابالمواقيت ب5 ح21.