(صفحه54)
الخروج في هذا الوقت فيما إذا كانت الاستطاعة باقية في تمام المدّة، ولم يلزمالعسر والحرج.
وعليه: فلا يعقل فرض المقارنة بين حلول الحول الموجب لتعلّق الزكاة،وبين الاستطاعة الموجبة للحجّ، بل الثاني مقدّم دائماً؛ لسبق الملكيّة على حلولالحول على ما يملك بالضرورة.
ومنه يعرف عدم إمكان فرض تقديم حلول الحول، فوجوب الحجّ مقدّمعلى وجوب الزكاة في جميع الصور.
نعم، يمكن فرض المقارنة فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلاّت، فلو حصلتالاستطاعة بنفس انعقاد الحبّة أو الاصفرار أو الاحمرار ـ الذي هو بنفسه زمانتعلّق الزكاة ـ فقد تقارن الوجوبان، والواجب حينئذٍ تقديم الزكاة كما ذكره فيالمتن؛ لأنّ الاستطاعة لا تحصل إلاّ بملكه، لا بما هو شريك فيه مع غيره(1)،انتهى.
أقول: لقد أجاد فيما أفاد، بل جاء بما فوق المراد؛ فإنّ ثبوت الوجوبالتعليقي للحجّ بمجرّد حدوث الاستطاعة من أهمّ الأمثلة المذكورة في علمالاُصول(2) للواجب التعليقي في مقابل غيره من الواجب المشروط وغيره،وشبيه الحجّ في هذه الجهة مسألة الصلاة، حيث يكون وجوبها مشروطبدخول الوقت؛ لقوله عليهالسلام :
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(3).
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 114 ـ 115.
- (2) اُصول فقه شيعة 4: 351 ـ 352، دراسات في الاُصول 1: 594 ـ 597.
- (3) الكافي 3: 276 ح5، تهذيب الأحكام 2: 27 ذح78، وعنهما وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبوابالمواقيت ب5 ح21.
(صفحه 55)
وصحّتها متوقّفة على الطهارة؛ إذ بدونها لا تتحقّق.
وحديث «لا تعاد»(1) المعروف لا يشمله؛ لأنّها من الاُمور الخمسةالمستثناة فيه، كما لا يخفى.
وعليه: فلو دخل الوقت وكان متوضّئاً لا يجوز له إبطال الطهارة، مع العلمبعدم بقائها إلى آخر الوقت، وعدم إمكان تحصيلها بعد إبطالها، بل يجب عليهإبقاؤها حتّى يتمكّن من إيجاد الصلاة.
وكون الاستطاعة التي يكون وجوب الحجّ مشروطاً بها ـ مفسّرة بما ذكر ممّا لا ينبغي الارتياب فيه، ولزوم حفظها إلى أن يتمكّن من الإتيان بجميعأجزاء الحجّ إنّما هو لأجل ذلك، وإلاّ فلو علم المستطيع بأنّه مع عدم حفظالاستطاعة يوجد من يبذل له الحجّ فيأتي به، لا يجب عليه الحفظ؛ لأنّالواجب عليههوالحجّعقيبالاستطاعة؛ سواءبقيت، أو زالت لأجلعدمالحفظ.
نعم، التعليل الأخير في كلامه؛ بأنّ الاستطاعة لا تحصل إلاّ بملكه، لا بماهوشريك فيه مع غيره، لا يتمّ على إطلاقه؛ فإنّ المال المشترك الذي حصلتالاستطاعة بملكه، إذا كان مالاً كثيراً زائداً سهم أحد الشريكين مثلاً علىأضعاف الاستطاعة، لا يمنع عن وجوب الحجّ، ولا يجري فيه التعليل، مع أنّكلامه مطلق، فتدبّر.
- (1) الفقيه 1: 225 ح991، الخصال: 284 ح35، تهذيب الأحكام 2: 152 ح597، وعنها وسائلالشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب3 ح8 ، وج5: 471، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاةب1 ح14، وج6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب29 ح5، وص313، أبواب الركوع ب10ح5، وص389، أبواب السجود ب28 ح1، وص401، أبواب التشهّد ب7 ح1، وج7: 234، أبواب قواطعالصلاة ب1 ح4.
(صفحه56)
مسألة 10: تجب الزكاة على الكافر وإن لم تصحّ منه لو أدّاها. نعم، للإمام عليهالسلام أو نائبه أخذها منه قهراً، بل له أخذ عوضها منه لو كان أتلفها، أو تلفت عنده علىالأقوى. نعم، لو أسلم بعدما وجبت عليه سقطت عنه وإن كانت العين موجودة علىإشكال. هذا لو أسلم بعد تمام الحول. وأمّا لو أسلم ولو بلحظة قبله، فالظاهر وجوبهعليه1.
1ـ أصل وجوب الزكاة على الكافر أيضاً مبنيّ على ما هو المعروفوالمشهور بينهم، بل قد ادّعي الإجماع بل الضرورة ـ التي لا يراد بهإلاّ ضرورة الفقه دون ضرورة الإسلام ـ من أنّ الكفّار مكلّفون بالفروعأيضاً(1).
وقد تكلّمنا في هذه القاعدة مفصّلاً في كتابنا «القواعد الفقهيّة»(2)، وذكرنهناك أنّ بعض أدلّتها وإن كان مورداً للمناقشة والإشكال، إلاّ أنّ أكثرها قابلللقبول ويفيد القاعدة جزماً.
وتؤيّدها ـ مضافاً إلى عموميّة أدلّة بعض التكاليف، كقوله ـ تعالى ـ : «وَلِلَّهِعَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»(3) ـ أنّه لا إشكال في أنّهممكلّفون بالاُصول قطعاً، مع أنّ التعبير الواقع في بعضها يكون الخطاب فيه
- (1) تذكرة الفقهاء 5: 40، مجمع الفائدة والبرهان 3: 236، ذخيرة المعاد: 563 س42، الحدائقالناضرة 3: 39، مفتاح الكرامة 11: 103 ـ 104، عوائد الأيّام: 279 ـ 280، معتمد الشيعة في أحكامالشريعة 1: 235، العناوين 2: 714، جواهر الكلام 15: 105، مصباح الفقيه 3: 266 ـ 268، وج13 (كتابالزكاة): 91، مستمسك العروة الوثقى 9: 47، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمامالخوئي 23: 119.
- (2) القواعد الفقهيّة 1: 323 ـ 341.
(صفحه57)
ظاهراً في المؤمنين، كقوله ـ تعالى ـ : «يَـآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوآاْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ»(1)الآية، فيستفاد من مثلها أنّ تخصيص الخطاب بالمؤمنين ليس لأجلاختصاص الحكم بهم.
وأمّا عدم صحّة الزكاة منه لو أدّاها حال كفره، فمستنده أنّ الزكاة منالاُمور العباديّة، ولا يتمشّى فيها القصد من الكافر، ولكنّه مورد للمناقشة بعدتصحيح الأمر بأنّ الزكاة من الاُمور القربيّة لا العباديّة؛ لأنّ النسبة هي العموموالخصوص المطلق، كما حقّقناه في الاُصول(2) تبعاً للماتن قدسسره بأنّ الكافر المقرّباللّه المنكر لصفة الوحدانيّة أو النبوّة يعقل فيه قصد القربة؛ لما نرى من اجتماعأهل الكتاب في معابدهم، والاشتغال بأعمال يكون الداعي لهم إليها التقرّبإلى اللّه ـ تعالى ـ بالمعنى الشامل للوصول إلى الثواب والفرار عن العقاب.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ العمل العباديّ الذي يكون في الإسلام وليس لهسابقة في الأديان ـ كالزكاة في المقام ـ لا يكون الكافر المنكر للنبوّة معتقدبكونه مأموراً به من اللّه تعالى، ومقرّباً للعبد إليه. وعليه: كيف يتمشّى منهقصد القربة مع هذا الاعتقاد؟ نعم، يمكن فرضه في الأعمال العباديّة المشتركة،وهي قليلة جدّاً.
ثمّ إنّه ذكر في المتن أنّ «للإمام عليهالسلام أو نائبه أخذ الزكاة من الكافر قهراً، بلله أخذ عوضها منه لو كان أتلفها أو تلفت عنده على الأقوى».
وعمدة الدليل على جواز ذلك أنّ الزكاة تتعلّق بالعين على الخلاف في كيفيّة
- (2) سيرى كامل در اُصول فقه 3: 443 ـ 454.
(صفحه58)
التعلّق من الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن، أو الشركة في الماليّة، والاختيارفي مثل هذا المورد وإن كان أوّلاً وبالذات بيد صاحب المال، إلاّ أنّه يمكنالاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع، فكما أنّه يجوز لوليّ الصغير أخذماله المغصوب من المغصوب منه والتقاصّ ولو من غير الجنس ممّا يعادله فيالماليّة، فكذا فيما نحن فيه لوحدة المناط.
وعمدة ما استشكل به بعض الأعلام قدسسره في شرح العروة ـ المطابقة لما فيالمتن إلاّ في التعرّض لصورة التلف ـ أنّ السيرة العمليّة خلفاً عن سلف قائمةعلى عدم مطالبة الكافر بالزكاة؛ إذ لم يعهد لا في عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا في عهدالخلفاء جباية الزكوات من الكفّار، ولم ينقل ذلك في تاريخ ولا رواية، بل كانتالجباية مختصّة بالمسلمين فحسب، ولا سيّما مطالبة الكافر الذي أسلم بزكواتالسنين المتعدّدة الماضية.
قال: وأشكل من ذلك أخذ عوضها منه لو اُتلف، والحكم بضمانه لها؛ضرورة أنّ القدر المتيقّن من السيره المزبورة، وكذا من حديث جبّالإسلام(1) هو صورة التلف ـ بالمعنى الأعمّ من الإتلاف ـ وعدم بقاء العين؛إذ لم تُعهَد مطالبة الكافر، ولا سيّما بعد أن أسلم، بزكوات السنين الماضية يقيناً،فما ذكره في المتن من الحكم بأخذ العوض منه لو اُتلف مشكل جدّاً(2).
- (1) السيرة النبويّة لابن هشام 3: 291، الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 286، المسند لابن حنبل 6: 232 قطعةمن ح17792، وص243 ح17829، وص246 ح17844، الأغاني 16: 82 ، دلائل النبوّة للبيهقي 4: 264،كنز العمّال 1: 66 ح243، السيرة الحلبيّة 3: 21، عوالي اللئالي 2: 54 ح145، وعنه مستدركالوسائل 7: 448، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب15 ح2، وج18: 220، كتاب القصاص،أبواب القصاص في النفس ب9 ح3، مجمع البحرين 1: 264.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 127.