وفي الغنم خمسة نصب: أربعون، وفيها شاة، ثمّ مائة وإحدى وعشرون، وفيهشاتان، ثمّ مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياهعلى الأحوط، والمسألة مشكلة جدّاً، ثمّ أربعمائة فصاعداً، ففي كلّ مائة شاةبالغاًمابلغ1.
في كلّ أربعين شاة شاة، وليس فيما دون الأربعين شيء، ثمّ ليس فيها شيءحتّى تبلغ عشرين ومائة، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاةواحدة، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان، وليس فيها أكثر منشاتين حتّى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت علىالمائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه.
ثمّ ليس فيها شيء أكثر من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائةففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتّى تبلغأربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة، وسقط الأمر الأوّل، وليسعلى ما دون المائة بعد ذلك شيء، وليس في النيّف شيء.
وقالا: كلّ ما لم يحل عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه، فإذا حال عليهالحول وجب عليه(2).
والإنصاف أنّ هذه القطعة من الصحيحة غير خالية عن الاضطراب؛ لأنّإلقاء الحكم أوّلاً بالصورة الكلّية الراجعة إلى أنّ في كلّ أربعين شاة شاة، معدلالتها على ثبوت النصب المعيّنة للغنم ـ كما في الإبل والبقر على ما تقدّم ممّا لا يكاد يستقيم.
ولازم الضابطة المذكورة في صدر الكلام في الشاة وزكاتها ثبوت شاتين فيالثمانين، وثلاث شياه في مائة وعشرين من دون إضافة ولا نقيصة، فتدبّر.
هذا من جهة. وأمّا الجهة الثانية: فجعل الغاية للنصاب الأوّل بلوغعشرين ومائة، والحكم بثبوت شاة واحدة فيه، ولو زادت عليها ففيها شاتان،وهكذا.
والجهة الثالثة: الحكم بأربع شياه في ثلاثمائة وواحدة، ثمّ الحكم بثبوتشاة في كلّ مائة إذا بلغت أربعمائة؛ فإنّ البلوغ المذكور لا مدخل له جدّاً بعدكون الحكم مترتّباً على ثلاثمائة وواحدة ومازاد، كما لا يخفى.
ولعلّه لأجل ذلك جعل في المتن ثبوت الأربع في العدد المذكور مشكلاً جدّاً.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ تعبير المتن بثبوت خمسة نصب للغنم ـ مع أنّ هذا العددبعنوانه لا يكون مذكوراً في الرواية، بخلاف الإبل والبقر ـ إنّما يكون اصطيادمن الرواية، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هنا صحيحة اُخرى ظاهرها المنافاة مع صحيحة الفضلاء المتقدّمة،وقد أفتى على طبقها جماعة كثيرة من الفقهاء الأقدمين(1)؛ وهي رواية محمّد
- (1) الفقيه 2: 14 ذح 36، الهداية: 173 ـ 174، المقنع: 160، الإشراف (المطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخالمفيد) 9: 37، المقنعة: 238، المراسم: 131، شرح جمل العلم والعمل: 254، السرائر 1: 436، وحكاهعن ابني بابويه وابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 3: 53 مسألة 20، وعنهم وعن الجعفي في غاية المرادفي شرح نكت الإرشاد 1: 241، وهو خيرة منتهى المطلب 8 : 139 ـ 141، وتحرير الأحكام الشرعيّة1: 367 ـ 368، الرقم1229 ـ 1233، وإيضاح الفوائد 1: 178.
(صفحه86)
ابن قيس، عن أبي عبد اللّه عليهالسلام قال: ليس فيما دون الأربعين من الغنم شيء، فإذكانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتانإلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلىثلاثمائة، فإذا كثرتالغنم ففي كلّ مائة شاة، الحديث(1).
وجه المعارضة بحسب الظاهر واضح؛ فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على ثبوتثلاث من الغنم قبل البلوغ إلى أربعمائة، وتلك الصحيحة تدلّ على ثبوت أربعمن الشياه إذا زادت واحدة على ثلاثمائة، فمثلاً في عدد الثلاثمائة وخمسينيكون مقتضى صحيحة الفضلاء ثبوت أربع شياه، ومقتضى هذه الصحيحةثبوت ثلاث شياه؛ لعدم البلوغ إلى المائة الرابعة.
ويمكن أن يكون وجه إشكال المتن هذه الجهة.
وأجاب عن المعارضة بعض الأعلام قدسسره على ما في الشرح بأمرين:
أحدهما: إمكان الجمع الدلالي ـ المخرج لهما عن عنوان المتعارضينوالحديثين المختلفين ـ نظراً إلى تطابقهما في النُصُب إلى الثلاثمائة، وأنّ الواجبفيها هو ثلاث شياه، كما أنّهما متطابقتان أيضاً في الأربعمائة فمازاد، وأنّ الواجبحينئذٍ في كلّ مائة شاة، وإنّما الاختلاف فيما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة؛فإنّ صحيحة ابن قيس ساكتة عن التعرّض لذلك إلاّ بالظهور الإطلاقي، فغايته
- (1) تهذيب الأحكام 4: 25 ح59، الاستبصار 2: 23 ح62، وعنهما وسائل الشيعة 9: 117، كتاب الزكاة، أبوابزكاة الأنعام ب6 ح2.
(صفحه 87)
أنّها ظاهرة الدلالة في ثلاث شياه بمقتضى أنّ في كلّ مائة شاة.
وأمّا صحيحة الفضلاء، فهي صريحة في أنّ الواجب حينئذٍ شياه أربع،ولاريب في تقدّم النصّ على الظاهر، ومن المحتمل أن يكون السكوت مستندإلى التقيّة.
ثانيهما: أنّه لو سلّمنا المعارضة إلاّ أنّه لا ينبغي الشكّ في لزوم تقديمصحيحة الفضلاء؛ لمخالفتها للعامّة؛ فإنّ جمهورهم قد أفتوا بما يطابق صحيحةابن قيس ما عدا أحمد بن حنبل، حيث نُسب إليه موافقة الخاصّة(1)، فتُحمَلصحيحة ابن قيس على التقيّة(2).
أقول: يمكن أن يقال بأنّ الحكم في الصحيحة بأنّه إذا زادت على المائتينواحدة ففيها ثلاث من الغنم ـ مع جعل الغاية هي الثلاثمائة ـ دليل على أنّقوله عليهالسلام : «فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة» هو الورود في المائة الرابعة،وهكذا. وعليه: فالصحيحة أيضاً تدلّ على ثبوت أربع شياه إذا زادت علىالثلاثمائة، كصحيحة الفضلاء.
وأمّا الحمل على التقيّة، فمتفرّع على عدم ثبوت الشهرة الفتوائيّة بين القدماءمطابقة لما في صحيحة الفضلاء، وإلاّ فقد عرفت(3) مكرّراً أنّها أوّلالمرجّحات، ولا تصل معها النوبة إلى الحمل على التقيّة، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ هاهنا سؤالاً؛ وهو: أنّه ما الفائدة في جعل النصاب الخامس مننصب الغنم هو الأربعمائة، والحكم فيها بأنّ في كلّ مائة شاة، مع عدم الفرق
- (1) المغني لابن قدامة 2: 472 ـ 473.
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 169 ـ 170.