(صفحه108)
الضمان فيها، أو مع التعدّي أو التفريط.
والرواية صحيحة من حيث السنّد ـ وإن كان فيه إبراهيم بن هاشم؛لما قلناه مراراً(1) من صحّة رواياته ـ ظاهرة من حيث الدلالة؛ لحكومتهعلىالروايات المعبّرة فيها بالحول مع عدم تفسيره بشيء.
ولا يصغى إلى ما ربما يقال(2) من أنّه لا يرفع اليد عن الضروريّات بالخبرالواحد وإن كان صحيحاً، ومنه يعلم أنّه لا وجه لتأييد المحدّث الكاشاني قدسسره بمثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة المشتملة على عنوان الحول(3).
نعم، للصحيحة ذيل ذكره صاحب الوسائل في الباب الأوّل من أبوابماتجب فيه الزكاة وما تستحبّ فيه، وهو قوله عليهالسلام : ثمّ لم يتعرّض ـ أيالنّبي صلىاللهعليهوآله ـ لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصامووأفطروا، فأمر صلىاللهعليهوآله مناديه فنادى في المسلمين: أيّها المسلمون، زكّوا أموالكمتقبل صلواتكم. قال: ثمّ وجّه عمّال الصدقة، وعمّال الطسوق(4)،(5).
والإنصاف أنّ مثل هذه التقطيعات الرائجة في الوسائل كثيرة، ومن الظاهراقتضاؤها البُعد عن الواقع والحقيقة.
- (1) مثل ما مرّ في الخمس والأنفال: 123 من تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة؛ لأنّ المؤلّف قدسسره كتبالخمس والأنفال قبل الزكاة بسنين، وقد طبع أيضاً قبلها كذلك، ويأتي هنا في ص152.
- (2) كما قال به في الوافي 10: 135.
- (3) كما أيّده بها في الحدائق الناضرة 12: 75.
- (4) والروايتان مشتركتان في الصحّة، غاية الأمر أنّ الرواية الاُولى منقولة عن الكافي، عن زرارة ومحمّد بنمسلم، والثانية عن الفقيه، عن عبداللّه بن سنان، منه قدسسره .
- (5) الفقيه 2: 8 ح26، الكافي 3: 497 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 9: 9، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاةب1 ح1.
(صفحه 109)
هذا، ولكنّه لابدّ من تأويل هذا الذيل؛ لدلالته على أنّ الفصل بين تكليفالزكاة، وأمر الرسول صلىاللهعليهوآله بجبايته كان أكثر من الحول العرفي؛ لأنّ آية الزكاة(1)نزلت في شهر رمضان، والأمر بالتزكية وجباية الزكاة كان بعد الفطر من العامالقابل.
ومن الواضح: مضيّ أكثر من اثنى عشر شهراً، فاللازم توجيهه بمثل وجودمصلحة مقتضية كذلك، ككون الزكاة مأخوذة في أوّل مرّة، أو أمراً آخر كانقد رأه الرسول صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّه لا قائل بذلك أصلاً.
وإن ذكر بعض الأعلام قدسسرهم (2) أنّ غاية دلالتها تأخير المطالبة منالرسول صلىاللهعليهوآله ، لا تأخير وجوب الزكاة؛ وإن كان يقع الإشكال أيضاً في ذلك،ولابدّ من ردّها إلى أهلها أيضاً، فتدبّر.
وكيف كان، فالمهمّ في المقام هي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة،وهي تدلّ على أنّ الوجوب إنّما يتحقّق بدخول الشهر الثاني عشر، خصوصبملاحظة تشبيه المقام بالإفطار في شهر رمضان، وأنّ الهبة بعد حلول الشهرالثاني عشر بمنزلة السفر بعد الإفطار، والهبة قبله بمنزلة الإفطار بعد السفر؛فإنّه صريح في حدوث وجوب الزكاة في هذا الوقت، فما ذهب إليه المحدّثالكاشاني لا تمكن المساعدة عليه.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الروايات الواردة في مجموع المسألة علىثلاث أقسام:
- (2) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 213.
(صفحه110)
قسم وقع فيه التعبير بالحول ولزوم مضيّة في وجوب الزكاة، من دون بيانوشرح لمعنى الحول.
وقسم ظاهر في لزوم مضيّ أكثر من الحول؛ بمعنى اثنا عشر شهراً.
وقسم مثل صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، الظاهرة في أنّه بدخول الشهرالثاني عشر تصير الزكاة واجبة، ويجوز التصرّف قبل دخوله ولو بيومأو يومين، وكان غرضه من ذلك الفرار عن الزكاة، وأن لا يدخل عليه الثانيعشر مالكاً لمجموع النصاب.
وقد عرفت أنّه لابدّ من الالتزام بمفاد الصحيحة لما مرّ. غاية الأمر أنّه يقعالكلام في أنّ المستفاد من الصحيحة، هل هو الوجوب المستقرّ، كما قوّاه فيالعروة، أو الوجوب غير المستقرّ، كما قوّاه في المتن؟ ـ وقد عرفت(1) ما رتّبعلى القولين ـ الظاهر هو الأوّل؛ لدلالتها على مجيء وقت الزكاة ووجوبهبمجرّد دخول الشهر الثاني عشر، وأنّه يجوز التصرّف في النصاب قبل دخولهولو كان بيوم أو يومين، وكان الغرض منه الفرار عن الزكاة.
ثمّ إنّه على مبنى الاُستاذ الماتن قدسسره يصير المقام كبيع الفضولي المفتقرإلىالإجازة، بناءً على أن تكون الإجازة فيه كاشفة بالكشف الحقيقيّ الراجعإلى أنّها تكشف عن التأثير في النقل والانتقال من حين صدور العقد وتحقّقه.
إن قلت: بناءً على ما ذكر لا يصير مبنى الاُستاذ في المقام خالياً عن الدليل،بل الدليل عين ما ذكر في الفضولي في الفرض المتقدّم.
قلت: الظاهر وجود الفرق بين المقام؛ فإنّه يمكن أن يُقال هناك: إنّ مقتضى
(صفحه 111)
ملاحظة الأدلّة المتعدّدة الواردة في المسألة ذلك، وتلك الأدلّة مثل أدلّة صحّةالفضولي، وتوقّفها على الإجازة اللاّحقة، وكون الإجازة متعلّقة بنفس مفادالبيع؛ من صيرورة النقل والانتقال حاصلة من حين صدور المعاملة.
وهنا قد عرفت الروايات الواردة في المسألة، وأنّها على ثلاثة أنواع،وملاحظة المجموع، وضمّ بعضها ببعض يقتضي الالتزام بحدوث وجوب الزكاةبدخول الشهر الثاني عشر؛ لما عرفت من تصريح رواية زرارة ومحمّد بنمسلم بأنّ الزكاة إنّما تتحقّق بدخول الشهر الثاني عشر، وظاهرها تحقّقالاستقرار بذلك.
وأمّا توقّفه على بقاء النصاب إلى آخر الثاني عشر، وعدم الخروج عنملكه ولو من دون اختيار، كالتلف السماوي فلا، فالفرق بين المقامين موجود،فتدبّر.
المقام الثالث: في أنّ الشهر الثاني عشر من الحول الأوّل، أو الثاني؟قد قوّى في المتن الأوّل تبعاً لسيّد العروة، حيث قال: لكنّ الشهر الثاني عشرمحسوب من الحول الأوّل، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه(1). وقد حكيالثاني عن بعض الفقهاء قدسسره (2).
واستظهر بعض الأعلام قدسسره في الشرح أنّ الأمر ليس كذلك؛ لأنّه لا يظهر منالصحيحة أنّ للحول معنى شرعيّاً غير معناه اللّغوي، غاية الأمر دلالتها علىأنّ حلول الحول عليه مبنيّ على ضرب من العناية والمسامحة، وهو
- (1) العروة الوثقى 2: 97، الشرط الرابع.
- (2) إيضاح الفوائد 1: 172 ـ 173، وحكى عنه في الحدائق الناضرة 12: 73 ـ 74.
(صفحه112)
متعارف في الاستعمالات الدارجة، فيقال فيمن بقي في بلدة تسعة وعشرينيوماً، وبعد أندخل في يوم الثلاثين: إنّه أقام فيها شهراً، باعتبار تلبّسه بالجزءالأخير.
وأمّا أنّه حقيقة شرعيّة كي تؤخذ منه ويلحق بالسنة الجديدة فكلاّ،خصوصاً مع ملاحظة صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة، الدالّة على أنّهلم يطالبهم النبيّ صلىاللهعليهوآله إلاّ بعد ما صاموا وأفطروا في العام القابل، فحاسبهم بكلّسنة سنة، فليتأمّل(1).
أقول: إنّ دعوى ثبوت الحقيقة الشرعيّة ـ التي تكون دائرة الالتزام بها علىتقديره هي خصوص ألفاظ العبادات، كما بيّن في الاُصول(2) ـ بالإضافةإلىلفظ الحول وإن كانت في غاية البعد، بحيث لو لم تكن مثل الصحيحةموجودة لقلنا بثبوت الوجوب من حين تماميّة الشهر الثاني عشر، التي هيمعنى الحول عرفاً ولغة، إلاّ أنّ الجمع بين الروايات الدالّة على اعتبار الحول فيوجوب الزكاة ـ كما تقدّمت في المقام الأوّل ـ وبين الصحيحة المبحوث عنها فيالمقامين: الثاني والثالث، يقتضي الإلتزام ببقاء الحول على معناه العرفي.
غاية الأمر تحقّق الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر وإن لم تتمّ. والمطالبةربما تكون مؤخّرة عنه أيضاً، كما عرفت في صحيحة عبد اللّه بن سنانالمتقدّمة، فابتداء الحول الثاني من حين تماميّة الشهر الثاني عشر وانقضائه.
المقام الرابع: في أنّ الوجوب الحادث بحلول الشهر الثاني عشر، وتماميّة
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 23: 214 ـ 215.
- (2) دراسات في الاُصول 1: 188، سيرى كامل در اُصول فقه 2: 35.